تطرقنا في عددنا الصادر بتاريخ 24 أكتوبر الماضي إلى ظاهرة الشيكات دون رصيد و تداعياتها على الأفراد و المجتمع. و نواصل في هذا العدد التعرض إلى هذه الظاهرة من الناحيتين الاقتصادية و الجبائية و ذلك لارتباطها الوثيق بالجانب الاقتصادي للدولة و ما يترتب عنها من مشاكل اجتماعية و مالية و غيرها…. يقوم الشيك بدور بالغ الأهمية في النظم الاقتصادية بوصفه أداة وفاء كالنقود وهو من هذه الناحية يغاير الأوراق التجارية الأخرى كالكمبيالات والسندات الاذنية إذ أن هذه الأوراق أدوات ائتمان لا تستحق السداد إلا بعد مضي فترة من الزمن قد تطول وقد تقصر ,أما الشيك فإنه أداة وفاء تسوى بها الديون ويقوم بوظيفة النقود في التعامل بين الناس و هو واجب الدفع بمجرد تقديمه إلى المسحوب عليه . لذلك كان من اللازم أن يوفر القانون الضمانات الكافية للتعامل بالشيك حتى يطمئن المستفيد منه أو المتعامل به إلى أن المسحوب عليه) البنك (يقوم بدفع قيمته فور تقديمه إليه عند الاطلاع . إذ بغير هذه الثقة والاطمئنان من هذه الناحية لا يمكن أن يقبل الناس على التعامل به مما يؤدي إلى تعطيل وظيفته ,ومن الواضح أنه لا شيء يزعزع الثقة في التعامل بالشيك إلا انعدام الرصيد الذي يقابله طرف المسحوب عليه أو إصدار أمر من الساحب بعدم الدفع . ولذلك حرصت التشريعات الحديثة على عقاب من يعطي شيكاً دون رصيد حماية للتعامل بالشيك ومحافظة على حقوق الناس وأموالهم و سلامة الدورة الاقتصادية. و تظهر الأهمية البالغة للشيكات في الحياة الاقتصادية و الدور الذي تؤديه في المعاملات ,لاسيما في مجال الأعمال التجارية ,ضرورة توفير حماية فعالة لها ,ضمانا لقيامها بأداء وظائفها الاقتصادية ,و بصفة خاصة وظيفتها كأداة وفاء في المعاملات تقوم مقام النقود ,فمن الملاحظ أن اعتبار الشيك أداة وفاء مثل النقود دفع بعض الأفراد إلى إساءة استعمال الشيكات بغية التوصل عن طريقها إلى الاستيلاء على أموال الغير ,وذلك بتحرير شيكات ليس لها مقابل وفاء لدى المسحوب عليه. ولحماية الافراد و المؤسسات من ذلك اتجه المشرع إلى تجريم فعل إصدار شيك دون رصيد و تدعيم هذا التشريع بالجزاء الجنائي,و بهذا جعله جريمة قائمة بذاتها لها أركانها الخاصة بها. و من الملاحظ أن الأركان التي تقوم عليها الجريمة يمكن هدمها عن طريق ما يقدمه المتهم من دفوع قد تؤدي إلى نفيها ,كما قد لا تؤثر فيها فتبقى الجريمة قائمة على الرغم من اثارتها محمّد الصّالح العيّاري: (مستشار جبائي وأستاذ جامعي) تأثيرات الشّيك دون رصيد من النّاحية الجبائيّة يعتبر الشّيك دون رصيد عقبة كبيرة أمام النّمو الإقتصادي وذلك نظرا لأنّ المؤسّسة التّي تقوم ببيع منتوجاتها على أمل الحصول على مقابل مبيعاتها تجد نفسها تتحمّل أعباء ومصاريف شراء الموادّ الأوليّة وكلفة المعدّات المستعملة وثمن اليد العاملة ولكن دون الحصول على المبالغ التّي تمكّنها من تغطية تلك الأعباء والمصاريف ممّا يجعلها لا تحقّق الأرباح المنتظرة وتصبح غارقة في ديون ما أنزل اللّه بها من سلطان. ويتمثّل الإشكال المطروح من النّاحية الجبائيّة في أنّ المؤسّسة مطالبة بدفع الأداءات والضّرائب المستوجبة وذلك بصرف النّظر عن إستخلاص مبالغ البيع لدى حرفائها الذّين يسلّمونها شيكا دون رصيد. ولعلّ من أهمّ الإشكالات من النّاحية الجبائيّة هي: دفع الأداء على القيمة المضافة المستوجب على المبالغ المفوترة للحرفاء خلال الشّهر الموالي لعمليّة البيع وذلك دون مراعاة هل أنّ الحريف قام بدفع المبالغ المفوترة أم لا وذلك بإستثناء العمليّات المنجزة مع الدّولة والمؤسّسات العموميّة والجماعات العموميّة المحليّة التّي يرتبط دفع الأداء على القيمة المضافة بمقتضاها بعمليّة الخلاص الفعلي. تكوين مدّخرات (Provisions) بعنوان الدّيون غير ثابتة الإستخلاص المتعلّقة بالبيوعات للحرفاء الذّين لم يقوموا بخلاص ما عليهم وذلك في حدود 50 % فقط من الأرباح الخاضعة للضّريبة ممّا يجعل المؤسّسة تتحمّل الضّريبة على جزء من الأرباح الصّورية (Bénéfices fictifs) دون موجب. وبالتّالي,فإنّ الشّيكات دون رصيد تمثّل معضلة كبيرة للمؤسّسة الإقتصاديّة من جميع النّواحي الماليّة والإجتماعيّة والجبائيّة.