وأنت على مشارف المدخل تعترضك طاولات الباعة المتجولين منتصبين و هي عبارة عن لوحة فسيفساء من الشمع والبخور و اللوبان والحر قوس... المعروضة للبيع. و كلما تقدمت خطوة يتعالى صوت الزغاريد في كل زاوية, أصوات الدربوكة و البند ير ترتفع من حين لآخر و تمتزج برائحة البخور التي يفوح أريجها في كافة أرجاء المقام. هذا هو حال كل يوم أحد في مقام السيدة المنوبية أحد أهم الأولياء الصالحين في منوبة و التي تحضي بشهرة كبيرة إذ ينهال عليها الزائرون من كل صوب و من فئات عمرية مختلفة, نساء و رجالا, و الكل في حالة ذهاب و إياب' منهم من يرقص ويطلب البركات ويتلو الدعوات وهنالك أيضا من يكتفي بالمشاهدة... كلها مشاهد تأخذك إلى العصر الجاهلي و تشبه كثيرا تلك الطقوس البربرية التي تقام فيها الاحتفالات على شرف الآلهة ويقع تقديم القرابين إرضاء لها و أنت في زمن تطور العلوم و سيطرة التكنولوجيات الحديثة و المواقع الاجتماعية على كافة أفراد المجتمع الحديث. و في إطار هذه المفارقة تقول الأستاذة فاطمة الفقيه الطبلبي 34 سنة أن للجيل الجديد فكر حداثي يقطع مع الموروث القديم الذي يولي للأولياء الصالحين اهتماما مبالغا فيه حد تقديسهم و تأليههم و هو ما تعتبره شخصيا وجها من أوجه الشرك بالله, ذلك أنهم يتوجهون لهم بالرجاء و التوسل بغية تحقيق غايات لا يقدر عليها إلا الله عز و جل مثل استشراف الغيب.و تضيف محدثتنا أنها جاءت لهذا المكان حبا في الاستكشاف لا أكثر. و يؤيدها الرأي الشاب مهران المزوغي 29 سنة و يعمل في مجال كراء السيارات إذ يؤكد عدم وجود أي صلة له بهذه الأجواء و التي يصفها بالخزعبلات مع احترامه للأولياء و من يؤمن بهم. و أنه جاء اليوم لمجرد التسلية مع رفاقه و اكتشاف الأجواء هناك. للأولياء قيمتهم و في نفس السياق تحاورنا مع الآنسة روضة الجربى 25 سنة خريجة جامعة و تعمل حاليا بائعة في فضاء تجاري إذ تقول أن الإنسان لا يؤمن إلا بالله و لكن للأولياء الصالحين قيمتهم أيضا رغم أنهم لا علاقة لهم بتحقيق الراحة النفسية, و تضيف أنها لا تأتي دائما للزيارة و في جل زياراتها تكتفي بالمشاهدة فقط. و تشاركها الرأي التلميذة صبرين بن تريكة 18 سنة إذ تقول : أؤمن بالأولياء الصالحين و السيدة المنوبية تعجبني و آتي إلى هذا المكان دائما لمعايشة الأجواء. و أما الشابة زينب المالكي 23 سنة والتي تعاني من البطالة فتضيف أنها تشعر براحة نفسية لا مثيل لها كلما قدمت إلى هذا المكان : بالتجربة أصبحت أؤمن بالأولياء الصالحين و انا على ثقة تامة بأن الدعوات مستجابة, و عن إمكانية أن يكون في إيمانها بهم صورة من صور الشرك بالله فتجيب بالنفي و تقول بعبارة واضحة و صريحة : (كل واحد وحدو). أحلام على دروب الوهم و لا أخفي سرا إذا قلت بأن رغبة جامحة تملكتني و انتابني فضول شديد لخوض تجربة قراءة الكف و كشف المستور إن جاز القول مع أنني على يقين بأن ما أنا بصدد القيام به يتناقض كليا مع قناعاتي و مبادئي الدينية, ذلك أنني لا أؤمن بمثل هذه الممارسات و التي أنظر إليها عادة نظرة احتقار و لا مبالاة, و على أساس أنها مجرد اعتقادات سخيفة لأناس أكثر سخفا .وإثر هذا اللقاء توجهت مباشرة إلى إحدى العاملات في المقام و التي تقوم بالعزف على الدربوكة , و على الفور عرفت قصدي فطالبتني مباشرة ب 3 دنانير كمقابل للمجهود الجبار الذي ستشرع ببذله, و بعد أن قدمت لها المبلغ المطلوب بحسرة قاتلة اقتربت مني و تناولت يدي بين يديها و انهمكت في سرد المستقبل المشرق الذي ينتظرني على كافة الأصعدة : مهنيا وعاطفيا وماليا وعائليا... و اللا ئحة مستمرة حتى انغمست معها في الأحلام الوردية و نسيت الواقع المرير الذي أقاسي . و بعد أن إستيقضت من أحلام اليقظة واسيت شخصي الساذج بأن استحضرت أحد الأبيات الشعرية التي تقول: من لم يعش على درب الأحلام , مات عبدا الأيام وكل ما بقيت أتأسف عليه ذلك المبلغ المالي الذي أخرجته من جيبي و أنا في أشد الحاجة إليه و قدمته لها مقابل نسيج من الأوهام. فتحية علاية