بعد قيام ثورة شباب تونس المجيدة,ثورة الحرية والكرامة,الثورة السلمية بامتياز التي أطاحت بنظام الفساد والظلم والقهر... انكشفت حقيقة الواقع المظلم الذي عشناه طيلة 23 سنة وانكشف هول الخراب الذي ورثناه عن نظام المخلوع بن علي. فقد برزت أمام أعيننا حقائق لم يكن أحد يتخليها ومن الطبيعي أن رفع ذلك في درجة الاحتقان الشعبي,وبالتالي ارتفع سقف المطالبة بمحاسبة هرم النظام وحزبه الفاسد وكل أزلامه وحتى من تعامل معه بإرادته أو بوسائل التخويف والترهيب المختلفة. ورغم حجم الخراب الذي خلفه نظام المخلوع فإن بلادنا بفضل ما تتوفر عليه من أطر وهياكل إدارية رفيعة المستوى وتتمتع بدرجة عالية من الشعور بالوطنية والتضحية تجاوزت إلى حد الآن أصعب مراحل ما بعد الثورة. ورغم كل هذه الايجابيات المذهلة التي ارتسمت بها معالم ما بعد الثورة فإن المتخلد بذمة النظام البائد وأتباعه ما تزال قائمته طويلة وتداعياته وخيمة على كل القطاعات التي تشل الانطلاقة المرجوة للحياة العامة إذ باستثناء الحريات وتعدد الأحزاب التي شهدت انتعاشة كبيرة ومحمودة فإن القطاعات الأخرى مثل الاستثمارات الداخلية والأجنبية والفلاحة والصناعة والسياحة وغيرها بقيت تراوح مكانها في مستوى الصفر تقريبا وهو ما ينذر بانهيار اقتصادي واجتماعي إذا ما طالت مدة الجمود التي تعيشها حاليا. واعتقادا منا أنه من الضروري أن نعمل الرأي ونتعاون من أجل تونس وأن يساهم كل من موقعه في إيجاد الحلول لأن هذا ليس من اختصاص الحكومة أو الأحزاب لوحدها بل من واجب كل القوى الحية للبلاد والتي تدفعها العزائم الصادقة لتجاوز المرحلة الصعبة التي نعيشها حاليا. وعلى أساس الوسطية التي وفرتها لنا طبيعتنا والتي مكنت دائما من التجاوز لتحقيق ماهو أفيد وأهم وعلى هذه الخلفية بالذات برزت لدينا فكرة اختزلناها في ثلاث كلمات وهي " الاعتراف والإصلاح والمصالحة ". ولبلورة هذه الفكرة نظمت جريدة " الخبير " سلسلة من الاجتماعات الحوارية حضرها مجموعات من الإطارات السياسية والقانونية ورجال الأعمال وشهد حضور اجتماعات هذه المبادرة نسقا تصاعديا للمقيلين عليها والمنخرطين فيها لاقتناعهم بأن المصالحة عنصر أساسي وضروري لنجاح الثورة وكانت هذه الحوارات فرصة حقيقية أعطت شحنة لهذه المبادرة التي اتفق الجميع على أنها تشكل عنصر دفع كبير لتحقيق أهداف الثورة إذا تم دعمها وتوفير الأرضية الملائمة لتطبيقها على أرض الواقع. وهنا وجب التوضيح أن هذه المبادرة لا تعني بأي حال من الأحوال التفريط في حقوق المجموعة الوطنية ولا حتى في حقوق الأفراد الذين يتمسكون بمقاضاة من أساؤوا إليهم بأي شكل من الإشكال. ويمكن اختزال أهم عناصر هذه المبادرة فيما يلي: 1) يتم تطبيقها خارج الإطار الرسمي للحكومة أي يتم ذلك في اطار مكونات المجتمع المدني غير الحكومي ولعل أحسن إطار يتم من خلاله استيفاء شروطها هو إحداث لجنة محايدة تضم أهم أوكل مكونات المجتمع المدني بتمثيل لكل الجهات دون استثناء تعمل إلى جانب لجنة نقصي الحقائق ومكافحة الفساد. 2) تطبيق الإجراءات العملية على الذين تعاملوا مع النظام الفاسد سواء كانوا من موظفي الدولة أو من رجال أعمال بتصنيفهم كالتالي: * الموظفون الذين تعاملوا بطريقة مباشرة وبإرادتهم يستوجب عليهم الاعتراف والاعتذار وإرجاع كل ما حققوه من أرباح وغنائم غير مشروعة مقابل ما قدموه من خدمات مع التخلي نهائيا عن ممارسة عملهم بالخضوع إلى التقاعد. * الموظفون الذين تعاملوا ومكنوا أقاربهم أو المقربين منهم من غنائم، مطالبون بالاعتراف والاعتذار وإرجاع ما أخذوه أو حولوه إلى غيرهم بغير وجه حق مع التخلي نهائيا عن ممارسة العمل الإداري بالخضوع كذلك إلى التقاعد. *الموظفون الذين تعاملوا تحت الضغط والخوف والذين يثبت عدم انتفاعهم وجب عليهم الاعتذار لأنهم أخطؤوا وعليهم مغادرة العمل بالإحالة على التقاعد. *كل رجل أعمال ثبت أنه انتفع مباشرة أو بطريقة غير مباشرة عليه أن يعترف أولا وأن يعتذر ثانية وأن يخضع إلى دفع الغرامة المالية التي يتم إلزامه بدفعها حتى يعيد ولو جزء مما أخذه على حساب المجموعة الوطنية. وقد تبلورت لدى المنخرطين في المبادرة من خلال النقاشات المستفيضة التي تخللت هذه الاجتماعات و كذلك في اشغال اللجان أن تتم المحاسبة فالمصالحة باعتماد العدالة الانتقالية ولمزيد إحكام تنظيم المبادرة وللحفاظ على استقلاليتها وتفعيلها وامتلاك آلية لتنفيذها على ارض الواقع، وبالتوازي مع عمل اللجان تم بعث "مركز تونس للعدالة الانتقالية" الذي سيعلن ميلاده رسميا اليوم وتم تبعا لذلك تكوين هيئة مؤقتة لا ينتمي أعضاؤها إلى أحزاب سياسية ويهدف "مركز تونس للعدالة الانتقالية" إلى: · العمل على معالجة ما تخلّف من انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان وتجذير آليات العدالة والإنصاف، وبناء الثقة المدنية في مؤسسات الدولة كحامية لحقوق الإنسان وضمان دولة القانون والمؤسسات وديمومتها. · المساهمة في مجهودات المجتمع المدني للكشف عن حقيقة الإنتهاكات الماضية بجميع أشكالها والعمل على مساءلة ومحاسبة مرتكبيها وتعويض المتضررين وجبر أضرارهم المادية والمعنوية واستخلاص العبر وضمان عدم العود. · توفير الأرضية الملائمة لتحقيق المصالحة الوطنية بين جميع أبناء الوطن من أجل طي صفحة الماضي وبناء المستقبل. · تأمين المساعدة الفنية والتأهيل والمعرفة لتجارب مقارنة وذلك بتنظيم الندوات والمؤتمرات وحلقات التكوين ذات الصلة بالعدالة الانتقالية من شتّى أنحاء العالم. هذا وقد تم الإتفاق على أن تكون تركيبة الهيئة المؤقتة كما يلي: - سهام بن سدرين رئيسة - عبداللطيف بن هدية مساعد رئيس أوّل