السيدة نبيهة بن جبارة ل "الخبير" "اغتالوا حقي ولا اعلم من ولماذا؟"... - الضحية: نبيهة بن جبارة - مسرح الجريمة: معهد ابن أبي ضياف المرسى - التهمة: اغتيال حق قانوني شرعي مع سبق الإضمار والترصد - المتهمون:بقايا النظام البائد قد يتراءى لبعضكم أننا بالغنا في طرح معطيات القضية ولكن تلك هي الحقيقة المرة التي تتجرعها السيدة نبيهة بن جبارة منذ أكثر من 15 يوما. السيدة نبيهة بن جبارة كانت ضيفة لصحيفة "الخبير" وسردت لنا اطوار المعاناة التي تعيشها وهي لا تعلم أسبابها ولم تعد قادرة على توقع نتائجها. لم نلتق صدفة ولم تشأ الأقدار أن تجمعنا بل نحن من حدد مكان وزمان اللقاء. كانت الساعة تشير إلى الرابعة بعد الزوال حين التقينا السيدة نبيهة في منطقة العوينة ... بدت على وجهها علامات القهر والإرهاق نظرت إلينا وكأنها تقول "أريد حلا"... صافحتها وامتطينا سيارتها المهشمة وانطلق الحديث بيننا استهلت كلامها بان قالت "حسبي الله ونعم الوكيل" في كل من ظلمني أشعر بالمذلة وأنا صاحبة حق" وظلت طول الطريق تشتكي الله ما حدث لها دون موجب حق إلى أن وصلنا إحدى مقاهي المنطقة ودخلنا وحينها بدأ حديثنا. موافقة على التعيين وفرحة عارمة... في سؤالنا لها عن خلفيات تعينها مديرة لمعهد ابن أبي ضياف بالمرسى صرحت لنا السيدة نبيهة أنها تقدمت ب 5 مطالب لتعيينها كمديرة معهد في زمن المخلوع ولكنها قوبلت بالرفض لسبب واضح وجلي ومعلن عنه طبعا من وزارة التربية وهو أنها امرأة محجبة في ظل حكومة ترفض "الحجاب والالتزام الديني" وأضافت السيدة نبيهة قائلة "كنت مقتنعة بهذا الرفض لأن السبب كان واضحا ولا غبار عليه" ولكنها لم تيأس وظلت ترسل المطالب إلى أن جاءت ثورة 14 جانفي التي قالت عنها السيدة نبيهة أنها "ثورة الكرامة والعدالة وهي التي أعادت لي اعتباري وحقي" وتضيف" إني أنحني إكراما وتقديرا لشهداء الثورة الذين ضحوا بدمائهم من اجلي ومن اجل كل التونسيين". وتواصل السيدة بن جبارة سرد وقائع القضية بعيون ملأتها دموع الظلم والقهر بنفس حزين أربكه غدر الزمان وقهر الظلام ووسط كل هذا الحزن تجد الأمل في قلب تلك الامراة الطيبة وهي تقول "أملي في الله كبير مادمت على حق". ومن هنا تبدأ المعاناة... يوم لم يكن كبقية الأيام, يوم تدخل فيه السيدة نبيهة لائحة المرفوضين حين اتصلت بالسيد "الأسعد القلعي" المدير السابق لمعهد ابن ابي ضياف بالمرسى لاجتماع تسليم المهام كان يوم الخامس من سبتمبر الجاري حيث اجل السيد القلعي لقاءه بالسيدة نبيهة إلى اليوم الموالي وذلك بشهادة الزميل عربي إبراهيم والآن سأترك السيدة بن جبارة تحدثكم عن أطوار اللقاء المشؤوم حيث تقول": قصدت يومها معهد اب أبي ضياف وما راعني إلا أن وجدت جمعا غفيرا ينتظرني امام المعهد حيث اجتمع المدير مع إطاره التدريسي والإداري ومجموعة العملة بالمعهد وعدد كبير من الأولياء والمواطنين رافعين لافتات وعلى رأسهم السيد القيم العام "كمال المحرزي" الذي رفض حتى مصافحتي لافتات كتب عليها كلمة السر "Dégage" ولافتات أخرى كتب عليها "نريد الاسعد القلعي" ثم أطلقوا في وجهي المواد المتفجرة "فوشيك" فانتابني خوف كبير وعدت أدراجي خوفا من ان تطالني تصرفات اعنف بكثير". وهنا سألتها: ماذا فعلت بعد هروبك من المواجهة؟ فواصلت الحديث وقالت: الإدارة الجهوية للتربية كانت هي ملاذي الوحيد بعد هذا الهجوم العنيف الذي شنه علي معهد ابن ابي ضياف وأنا أطالب بأن آخذ حقي من كل معتد ألحق بي ضررا وعنفا ماديا ومعنويا اتصلت حينها بالسيد محمد علي الوسلاتي المدير الجهوي للتربية وكنت باتصال دائم معه لانقل له كل ما يحدث معي...ثم تتوقف السيدة نبيهة عن الحديث دقيقة لتعاود الحديث "لا اصدق ما يحدث لي إني أبكي دما وأعيش أصعب لحظات عمري لأني ظلمت في عهد بن علي وأظلم اليوم..." المهم في الحكاية أنها لم تستسلم ولم تنحن أمام تواطؤ البشر وتلاعبات القدر وظلت مصرة على المطالبة بحقها وضربت موعدا آخر لتسلم مهامها كمديرة للمعهد وهذه المرة ساندها السيد محمد علي الوسلاتي مدير الإدارة الجهوية للتربية بالضاحية الشمالية... توجهت إلى المعهد وكلها أمل في إصلاح الوضع...التقت بالسيد الأسعد القلعي وكان ذلك يوم 12 سبتمبر على الساعة الثالثة بعد الزوال. فسألتها عما حصل لها إثر الاجتماع فأجابت قائلة: بدأ اللقاء عاديا في الاول وبعد ساعتين أخبرني المدير أن سيارتي قد تحطمت ولا يعلم من الفاعل...شعرت حينها بالتوتر والخوف وانتابتني رعشة لم اقدر على تمالك أعصابي فانهرت ليس من أجل السيارة وإنما لشدة الشعور بالظلم والقهر...فاتصلت حينها بالإدارة الجهوية ومركز الأمن الوطني بالمرسى حيث جاؤوا وعاينوا الأضرار وفتح ملف في القضية وعدت إلى منزلي في حالة نفسية صعبة جدا. ينتاب السيدة نبيهة صمت غريب فيه استغراب لما يحدث معها رغم أنها لم تعمل مديرة معهد في السابق ولم تمارس يوما السياسة ولم تكن من اتباع بن علي حتى تحاكم بهذه القسوة ويغتال حقها الشرعي. من جديد تعود ضيفتي لتواصل سرد مغامرتها مع بقايا نظام بن علي. ظلت السيدة بن جبارة تتردد يوميا على المعهد بحثا عن حقها المغتصب ولكنها تجد نفس الصد والمواجهة فقد أصبح معهد ابن أبي ضياف مجالا للفوضى والتعدي على الأشخاص بعنف مادي ولفظي. وليّة تهدد السيدة بن جبارة بالقتل: أفادتنا السيدة نبيهة بأنها تعرضت يوم 13 سبتمبر, عندما توجهت إلى المعهد لملاقاة المدير الأسعد القلعي, للدفع من طرف ولية لأحد تلاميذ المعهد وهددتها بقولها بالحرف الواحد: "Dégage وإلا نقتلك" وكان هذا بحضور السيد عبد الوهاب حقي عن الإدارة الجهوية والسيد رضا بن صالح عن نقابة الأساتذة ولم يحركا ساكنا وسط هذا الجمع الغفير الذي أوصد الباب في وجهها وتعالت خلفه الزغاريد. الأسباب غامضة وشكوكي تحوم حول.. وعن أسباب هذا الرفض سألتها:" بماذا تفسرين هذا الرفض القاطع لتسليمك مهام مديرة للمعهد؟ فأجابت مبتسمة:"هذا ما أريد أن أعرفه من وراء هذا الرفض؟ ولماذا اتهموني باني وشتمت "المرساوية" أي أهل المرسى وأنا أقسم على شرفي لم يصدر مني هذا الكلام فأنا مربية أولا وأم ومستواي أرقى بكثير من هذا. واتهموني كذلك بأني غير جديرة بهذا المنصب وأن النقابة هي التي وضعتني ولي مصالح معها ومع بعض أطرافها النقابة التي أتهموني بها لم تقف إلى جانبي وان الجميع اجتمعوا على ضلالة لكي يبقوا على المدير السابق نظرا للمصالح المشتركة بينه وبين جميع الأطراف. وأضافت قائلة: أن صرامتي في العمل وشهرتي في الانضباط والضمير لم تعجب أحدا لذلك رفضوني ورفضهم كان قاسيا وغير محترم. حتى الجهويات دخلت في أسباب الرفض... سبب آخر يعلنه الرافضون للسيدة نبيهة لأنها تقول كلمة "أني" التي أصبحت محل شك واتهام وكأنها هي من عائلة المخلوع بن علي. خلت أن الوزارة هي منقذي ولكن... بعد كل محاولات الإصلاح التي سعيت إلى اتخاذها مع الإدارة السابقة لمعهد ابن أبي ضياف التجأت إلى الأم العادلة وزارة التربية وقدمت مطلب مقابلة السيد كاتب الدولة وقد ساعدني في ذلك السيد رشاد الخرباشي مدير العلاقات العامة للوزارة وتمت الموافقة على مطلب المقابلة ولكن لم يكتمل الأمل ولم تحرك الوزارة ساكنا ولم يتصلوا بي إلى حد اليوم ولست أعلم لماذا. الدولة والقانون يفقدان هيبتهما... طال حديثنا وتشابكت معطياته بين ظلم وصمود ولا زالت السيدة المحترمة نبيهة بن جبارة تتحدى المصاعب وتناظل من أجل حقها المهضوم. في حديثها عن تداعيات الثورة تقول ضيفتي:"في وضعيتي سقطت هيبة الدولة وانحنى القانون أمام تلاعبات البشر أعلم جيدا أني أقع ضحية تصفيات حسابات وأحقاد دفينة بين أطراف عديدة ولكني لست مستعدة لإتمام هذه الجريمة النكراء في حق صوت العدل والمساواة. وتضيف قائلة:"الكل يتملص من مسؤوليته ويرمي الحمل على أطراف أخرى واقوى سلطة وهي الوزارة تقف عاجزة في حل هذه القضية وفك رموزها. أصر على معرفة من وراء عرقلتي وماهي دوافعه؟ ظلت السيدة بن جبارة طوال جلستنا وحديثنا مصرة على طرح هذا السؤال الذي اشل فكرها وأعاق استمرارها فهي تقول: القضية تخطت مجرد قرار التعيين لتصبح مسألة مبدإ وتحدّ سأظل أنبش في طيات القضية حتى اكتشف الجاني وأطالب بمحاكمته مهما كلفني الأمر. أريد أن انشر وأفضح تلاعبات بقايا النظام الفاسد. أسباب الرفض واهية ومبتذلة وأطرافها تختفي وراء المكاتب ولكن لابد أن تنجلي غمامة الظلم وينتصر الحق. "فمن ينصره الله فلا غالب له" فلن أفرط في حقي ولو على حساب دمي. وتستمر المعاناة... وعن الخطوات القادمة التي تنوي السيدة نبيهة بن جبارة اتخاذها تجيب: سأجعل من قضيتي قضية رأي عام في تونس من خلال وسائل الإعلام وسأجعلها قضية دولية من خلال مراسلة عديد الصحف العالمية ولن اركع لأي ضغوط بل سأستمر وسأطالب بتعيين آخر في معهد آخر بنفس مواصفات وظروف معهد ابن ابي ضياف. زوجي ضحّى بحياته وأنا في الطريق... السيدة نبيهة بن جبارة وهي زوجة السيد لسعد بن جبارة أحد رموز الجيش التونسي الذي توفي في غضون الثورة التونسية وذلك يوم 3 جانفي 2011 حيث قالت عنه أرملته أنه ضحى بحياته من أجل انتصار تونس وفقد وجوده في سبيل الوطن وأنا كذلك سأظل أكافح كما علمني هو وسأظل أحب تونس بكل تقلباتها ولكن سأكافح الظلم من أجل تطهير بلادنا وخلق نفس جديد فيها. فاستلامي قرار التعيين في سبتمبر هو موعد جديد مع النضال والتحدي والصمود أمام طغاة العالم وبقايا النظام الفاسد. وأشارت السيدة نبيهة أنها ليست الوحيدة التي تعيش الظلم واغتصاب حقها المشروع بل هناك 170 مركز مدير معهد شاغر بسبب الفوضى والتصديات من قبل المسؤولين والمواطنين. الساعة تشير إلى السادسة ونحن لا زلنا نتحدث عن قضية اغتيال حق المواطنة التونسية نبيهة بن جبارة توقفنا عن الحديث وكان الليل قد أسدى ظلامه وليس ظلمه وبدأت عقارب الساعة تتوقف في الساعة السادسة والنصف حين قالت لي "يا رب انصرني على الظالمين" ثم سكتت برهة وكأنها تقف وقفة تأملية في معطيات الحاضر وتناشد التغيير في مستجدات المستقبل. تبقى قضية السيدة نبيهة بن جبارة قضية أفرزتها الثورة وأنتجتها إرادة الشعب للعدالة والمساواة ورغم كل هذا فهي لم تنتصر ولم تتمتع بحقها الذي منحته إياها وزارة التربية وهي في كل مداركها العقلية ثم يحدث ما لم يكن في الحسبان وتتفجر أمامها ألغام دستها أطراف مجهولة لأسباب تبقى هي الأخرى غامضة. حاورتها: إيمان الدجبي