في بداية الثمانينات نشرت جريدة (العمل) تحقيقا عن معينة منازل صغيرة السن تعرضت إلى التعذيب من طرف زوجة صاحب المنزل و تسرّب... الخبر من مستشفى الأطفال الى فاعل خير نظرا الى فظاعته و أصبحت القضية بسرعة حديث الراي العام و اهتمت بقية الصحف في ذلك الوقت بالواقعة و أمام الاهتمام الإعلامي اللافت للنظر اتصل الراحل حسان بلخوخة بالطاهر بلخوجة طالبا منه وضع حد للمقالات الصحفية المنددة بجريمة الاعتداء على تلك الفتاة و السبب ان الراحل حسان بلخوجة كان من مسقط راس المتهمين في القضية و كان الطاهر بلخوجة كان وزير الإعلام و يظهر أن الحملة توقفت بعد أن اقنع وزير الإعلام أصحاب الجرائد بان القضية أخذت حقها .. و في مطلع التسعينات من القرن الماضي وقعت جريمة قتل بشعة في الوطن القبلي و سرت إشاعات عديدة بين الناس عن حقيقة الجريمة التي اكتفت وزارة الداخلية بإصدار بيان مقتضب في شكل خبر عادي و قام احد الزملاء و كان رئيس تحرير الجريدة صدرت حديثا بإجراء تحقيق صحفي واضح المعالم عن أطوار الجريمة و دل على مرتكبيها و على الظروف التي أحاطت بها .. و مع صدور العدد تم غلق الجريدة بسرعة جنونية في وقت كانت فيه الأبواق تبشر بعهد الحرية والصراحة و الشفافية و تم الإعلان عن فتح"مكاتب الإعلام" في مقر الولايات و الوزارات و في المؤسسات و زعموا أنها وجدت لإعلام المواطن و مساعدته على الإطلاع على نشاط تلك المؤسسات العامة و الخاصة و إيجاد حل لمشاكله بل و حتى تكون الأكذوبة باجنحة نفاثة تم فتح "مكتب الاتصال بالمواطن" و سألت زميلا في مكتب إعلامي عن مهمته الحقيقية فأجاب "اقناع المواطن أن المعيز تطير و تغيير الأسود إلى ابيض ناصع" ،إن مهمته هي تلميع صورة المسؤول مهما كانت فضاعة الأغلاط و جعل المواطن يشعر بأنه ظالم و شكواه مجرد وهم. أما الثاني فقال تكمن مهمتي في إقناع المواطن أن ما يبحث عنه هو من اختصاص إدارة أخرى و من الصعب أن تجد حلا.. وقطعا انا لا ألوم الأعوان العاملين في تلك المكاتب لان مهمتهم تقتضي رش الغبار السميك على الاعين و من لايمتثل لذلك يقع تعويضه و المصيبة أن الوزراء و الولاة و المديرين يعلمون جيدا مدى فداحة الأغلاط التي ترتكب و كيف ان المواطن يبقى ضحية الإهمال و التقصير و المغالطة و مع ذلك يطلبون من "المكتب الإعلامي" الرد على الانتقادات و أحيانا بإجابة ساذجة تطغى عليها المغالطة و هي على وزن –رب عذر أقبح من ذنب- و لكن لايهم المسؤول الذي يعلم انه يغالط و يبالغ في المغالطة . و الآن وجب إعادة النظر في مكاتب الإعلام و في مكاتب الاتصال بالمواطن لأنها مجردة من الفائدة و بعيدة عن النجاعة لان مكاتب الإعلام في البلدان الديمقراطية وجدت للرد على الاستفسارات و توضيح الأنشطة و الاعتذار عند وقوع الأخطاء و في بلدان الستار الأسود وجدت لتلميع صورة المسؤوليين التي هي مثل الزفت لو استعملت معها كافة مواد التنظيف في العالم لما أمكن إزالة سنتمتر واحد و لذا لا داعي للاستمرار فيها على هذا الشكل .. ففي الكنام مكتب الإعلام و مكتب الاتصال مع المواطن و لكن لايمكن الحصول على أي استفسار يهم المريض .. محمد كامل