"لا صدقات دائمة،ولا عداوات دائمة، وإنما مصالح دائمة" هذه جدلية سياسة العلاقات الدولية، وتتفرد بهذه المعادلة... الولاياتالمتحدةالأمريكية التي تشهد علاقاتها بإيران تعرجات تتراوح بين محاولات تجاوز الفتور والجمود الى وضعية المنافسة وحتى أعداء. وفي إطار لعبة شد الحبل بين الولاياتالمتحدةالأمريكية وموالاتها من جهة وإيران من جهة أخرى تشهدها حاليا عدة مناورات سياسية ويوستراتيجية وحتى تكنولوجية استضافت "الخبير" الدكتور بيمان جبلي سفير الجمهورية الاسلامية الإيرانية بتونس في الحوار التالي: • ما هي قراءاتكم للسفارة الافتراضية الأمريكيةالجديدة ؟ إن في بعث سفارة أمريكية افتراضية اعترافاً جليّاً وواضحاً من الولاياتالمتحدةالأمريكية بفشلها الذريع في إستراتيجيتها المتّبعة مع طهران في السنوات المنصرمة. وقد صرّحت الخارجية الأمريكية مؤخرا بكونها ستتواصل مع الشعب الإيراني عبر سفارتها الإفتراضية لإيصال رسائلها إلى الشعب الإيراني. أعتقد أن الشعب الإيراني قد اطلع على فحوى رسالة الولاياتالمتحدةالأمريكية منذ أکثر من 50 سنة. فقد استلم الرسالة لما أسقطت أمريکا حکومة محمد مصدق المنتخبة من قبل الشعب وأستبدله بعميلها الشاه. علم بها,أيضا, أيام دعم الأمريكان لنظام الشاه، واستقباله على أراضيها بعد هروبه من إيران وعدم تسليمه للعدالة الإيرانية للمحاسبة والمحاكمة. كذلك استلم الشعب الإيراني الرسالة عندما جمدت أمريكا أموال الشعب الإيراني الأبيّ. ثم بلغتنا رسالة الأمريكان في جرّ ودعم صدام حسين في حرب الثمان سنوات. عديدة هي رسائل أمريكا منها استهداف الطائرة المدنية الإيرانية سنة 1988 وقتل عشرات من الأبرياء الذين کانوا علي متنها بمن فيهم أطفال ونساء،هذا ناهيك عن اتهاماتها الزائفة ضد البرنامج النووي السلمي لإيران. فالولاياتالمتحدةالأمريكية وبعد أکثر من ثلاثة عقود تخترع سفارة إفتراضية لتعترف أنها أخفقت في فهم إيران وشعبها. فشعب إيران فهم كل الرسائل الأمريكية الموجهة إليه وبعث بدوره برسالته الواضحة اليها في تمسكه بثوابته وقضاياه وأما أمريكا التي بادرت بقطع علاقتها بإيران بعد سقوط عميلها الشاه فشلت في فهم رسائل إيران وشعبها وستفشل لو إستمرت في سلوكها العدائي تجاه إيران وشعبها. • كيف تعلّقون عن طائرة الجوسسة الأمريكية التي تم اهباطها مؤخرا ؟ لقد تمّ عرض طائرة الجوسسة الأمريكية على القنوات التلفزية وذلك تأكيدا أولا على سلامة هذه الطائرة وقت الإيقاع بها والسيطرة عليها و إنزالها سالمةً وثانيا إثباتا لخرق الأمريكان الجوّ الإيراني وفي ذلك خرق للعرف السائد بين الدول. وباعتراف المختصين الأمريكيين أنفسهم أن هذه الطائرة على مستوى عال جدا من التقنيات المتقدمة في التجسس وهي الآن بيد قواتنا. وطبعا والأهم بالنسبة لإيران كدولة وككيان مستقلّ بذاته وبرأيه فإن هذه الحادثة، إشارة واضحة لردء كل من يريد مهاجمة إيران أو إحلال الخطر بها بأي شکل من الأشكال. •ماذا عن علاقتكم بلندن ؟ قرار الخارجية البريطانية في تسفير الطاقم الدبلوماسي الإيراني من أراضيها إثر ما حصل لسفارتها في طهران قرار مستعجل وغير مدروس. ما جدّ مؤخرا في طهران من إحتجاجات طلابية أمام السفارة البريطانية يحتاج الي توضيح، وهو أن الشرطة الإيرانية فعلا قامت بحماية السفارة و الدبلوماسيين البريطانيين الموجودين فيها وحاولت منع المحتجين من دخول حرم السفارة وقد وفقت الشرطة في الحفاظ على سلامة الدبلوماسيين ولم يلحَق أذي بأي دبلوماسي بريطاني. وقد تأسّفت الخارجية الإيرانية لهذا الهجوم. ولکن إذا قارنّا ما حدث في طهران ضد سفارة بريطانيا بما حصل للسفارة الإيرانية في لندن سنة 1980 فنجد فرقاً شاسعاً بين تصرف الشرطة الإيرانية ومثيلتها البريطانية. فإن السفارة الإيرانية قد اقتُحمت في تلک السنة من طرف عدد قليل من المسلحين ولم توفر الشرطة البريطانية أي حماية جدية للدبلوماسيين الإيرانيين آنذاك ما أدي إلى استشهاد إثنين منهم علي أيدي المقتحمين المسلحين في حرم السفارة. ولم تعقّب لندن عن هذه العملية التي تبقى، إلى يومنا هذا، المسؤول الأول عن سلامة الدبلوماسيين الإيرانيين الموجودين على أراضيها. وأما بالنسبة لخفض علاقاتنا مع بريطانيا فالممثلون للشعب الإيراني في البرلمان قرروا معاقبة بريطانيا وألزموا الحکومة الإيرانية بإخراج السفير البريطاني وخفض مستوي العلاقات وذلک ردا علي کل ما اعتبره البرلمان الإيراني الإساءات المتکررة للشعب الإيراني من طرف بريطانيا طوال عقود. فکرة تخفيض العلاقات مع المملكة المتحدة كانت مطروحة في کواليس البرلمان منذ سنوات ولكن ورغم إستمرار إساءاتها لم تتحول الي قرار حرصا علي بقاء العلاقات الطبيعية بين البلدين. لأن إيران لا تبادر أصلا بتخفيض أو قطع علاقتها مع أي بلد باستثناء الكيان الصهيوني طبعا الذي لا تعترف به أساساً. ولکن بريطانيا وفي إصرارها علي منهجها اللا ودي مع إيران لم تترك لممثلي الشعب الإيراني خياراً غير إعادة النظر في العلاقات. سجل بريطانيا بنظر البرلمان الإيراني ونوابه اسود وطويل ويمتد إلي يومنا هذا. فمن تدبير إنقلاب مع أمريکا علي حكومة مصدق المنتخبة ديمقراطيا في الخمسينات من القرن الماضي وتنصب الشاه في الحكم ودعم نظامه الدکتاتوري بجهاز أمنه المخيف "سافاک" مروراً إلي اليوم والتشجيع على إغتيال علمائنا وأساتذة جامعاتنا وصولاً الي فرض عقوبات ظالمة علي شعبنا التي تسبق بريطانيا اليها فهي کلها غيظ من فيض. وأخيرا وليس آخرا فبريطانيا أول من قرر في إخراج منظمة "مجاهدي خلق" الإرهابية (M.K.O) من قائمة المجموعات الإرهابية وهي المنظمة عينها التي اغتالت أكثر من 12000 مواطن إيراني (وهنا قام سعادة السفير بتصفّح كتاب يؤرّخ لأسماء هؤلاء الشهداء التي اختلفت أعمارهم ونشاطاتهم). •هل في تضييق الحصار على إيران في هذا الوقت بالذات علاقة باندلاع الأزمات في الشرق الأوسط ؟ تعوّدنا على الحصارات غداة الثورة الإيرانية، وهذا طبعا ثمن لاستقلاليتنا في اتخاذ قراراتنا ورؤانا. وهذا الحصار في هذا الوقت بالذات والجعجعة الإعلامية حول الخطر المزعوم لإيران هو لصرف الأنظار عن الوضعية الحرجة للكيان الصهيوني الذي هو في أشد أزماته خاصة بعد اندلاع الثورات العربية. فالكيان الصهيوني باعتراف قياداته يعيش في قمة ضعفه وانهزامه بعد النهضة التي عاشتها وتعيشها الشعوب العربية. وكعادتها تخلق الولاياتالمتحدةالأمريكية التعلاّت والمشاكل لتوجيه الرأي العام وتحويل اهتمامه عن أزمة إسرائيل بعد الثورات العربية. العقوبات الاقتصادية، والتضييقات فيما يخصّ مشروعنا النووي لم تُؤثّر سلبا في إيران التي طالما دأبت على إيجاد الحلول المناسبة. وأتطرّق في هذا الحوار وأقول إن النتائج الأخيرة لبيع النفط الإيراني في تزايد مقارنة بالسنة الماضية. أقفل قولي هنا وأوضّح أن هذه العقوبات هي نتاج استقلاليتنا ونحن نعتزّ بهويتنا وتمشينا رغم كل المناوشات والمغالطات. حاورته:فاطمة موسى