المراسل-الجميع ينتظر حصاد الثّورة في تونس وها هي تباشير هذا الحصاد بدأت تبرز للعيان، فهذا شاب ينجز أوّل فلم بوليسي في تاريخ السّينما التونسيّة !!! وقد بدا لي الأمر طبيعيّا، فالفنّان ليس بمعزل عن مجتمعه وواقعه، هذا الشاب الذي يعيش كلّ يوم على واقع فلم بوليسي في بلده لابدّ وأن يستلهم من هذا الوضع فلما ولن يكون فلمه طبعا رومنسيّا ولا من قبيل الخيال العلمي أو غيره بل سيكون حتما دراماتيكيّا أو بوليسيّا لأنّه يعيش في كلّ قطاع وفي كلّ مؤسّسة وفي كلّ مدينة وقرية سيناريوهات فلم دراماتيكيّ وبوليسيّ. هنا وهناك تحاك خيوط فلم بوليسيّ يكون فيه البوليس حملا وديعا وبالتالي هو أوّل الضحايا ولكلّ قانونه ولكلّ ضوابطه. ففي السياسة يفتح النّار الفرقاء على بعضهم البعض كلّ يوم فتحوّل المجلس التأسيسي إلى ميدان صراع وعراك وكذلك بقيّة المؤسّسات الحكوميّة كما أنّ الأحزاب السياسية تعيش هي أخرى معارك حامية الوطيس فانقسم جماعة الحزب الواحد وراحوا يكيلون لبعضهم البعض الضربات تلو الأخرى مستعملين آليات "حادّة" من المكر والخديعة والكذب والنّفاق والصّلف فتكون نهاية فلمهم القطيعة. وهؤلاء "السلفيون" والسلفيّة منهم براء يروّعون ويعتدون على الأملاك والأرواح ويكسّرون ويحطمّون بل ويقطعون الأيدي باسم الشريعة، فكانت المحلاّت التجارية والحانات والمطاعم والفضاءات الجامعية والمؤسّسات العموميّة مسرحا لاعتداءاتهم وكان الصّحفيون والحقوقيون والمسرحيون (آخرهم المسرحي رجب المقري) هدفا لهم. ولعلّ أفلام هؤلاء هي الأكثر وحشيّة والأكثر صدمة لأنّ آلياتهم لم تكن البتّة عاديّة أو مألوفة فهم يستعملون الرّايات في "غزواتهم" و"المولوتوف" والسّيوف من أجل تطبيق حدودهم فهم "دولة" داخل الدّولة. وهؤلاء قطّاع الطرق ينتشرون هنا وهناك باثين الرّعب في قلوب السيارة والمارّة، يذكروننا بأفلام "رعاة البقر". وهؤلاء وهؤلاء... إنّها الفوضى إنّها الأفلام البوليسية التي نعيشها كلّ يوم في ظلّ غياب مقوّمات الدّولة. ويبقى ظهور أوّل فلم بوليسي في السّينما التونسيّة تجسيدا لما يعيشه التونسي يوميّا في واقعه من أفلام بوليسيّة مروّعة، فمتى تختفي سلسلة هذه الأفلام من واقعنا، وعلى مخرجينا استغلال الطّاقات الهائلة التي برزت على الأرض واستعمالها في أفلام بوليسيّة ولعلّهم بذلك يريحوننا من بلواهم ومصائبهم فالمكان الطبيعي لهؤلاء قاعات السّينما وليست مدننا وشوارعنا وأملاك الغير. و ها أن رئيسنا الموقر فهم حكاية السينما و الأفلام فأنخرط هو الآخر في الإهتمام بسيناريو فلم اليوسفية إنطلاقا من قصر قرطاج بالذات فطوبي لنا بذلك !! .