هناك إتفاق عام في واشنطن يقوم على عدم السماح لإيران بإمتلاك السلاح النووي. وقد رأينا مؤخرا كيف أن واشنطن وتل أبيب تخوضان الحرب النفسية ضد طهران. فإيران تريد القنبلة النووية، رغم أن قادة طهران أكدوا للمجتمع الدولي مرارا و تكرارا أن هدفهم من وراء تخصيب اليورانيوم، يتمثل في توظيف التكنولوجيا النووية لخدمة الأغراض السلمية، و أن نزاهتهم في هذا الشأن لا يجوز أن يرقى إليها شك من جانب الحكومات الغربية. وتكمن المسألة في معرفة "ماهو غير مقبول" حقا، من وجهة نظر أوروبية وأميركية، هل إن إيران تريد صنع القنبلة النووية؟ وهل إن المسألة تكمن في "تغيير النظام" الحاكم في طهران، أم في منع إنتشار الأسلحة النووية؟ لأنه لا يوجد أي حزب سياسي إيراني، و لا حتى المعارضة الملكية الموالية للشاه والقريبة جدا من واشنطن، تعارض إمتلاك إيران القنبلة النووية. وهناك شبه إجماع في المشهد السياسي الإيراني الذي ليس هو أحاديا على ضرورة إمتلاك إيران السلاح النووي. و هذا الأمر ليس جديدا. ففي زمن حكم الشاه، الحليف السابق للولايات المتحدةالأمريكية و"إسرائيل" في آن معا، حقق هذا الأخير أولى خطواته نحو تطوير البرنامج النووي الإيراني في أواسط السبعينات، بفضل المساعدة العلمية والتكنولوجية التي قدمها له الكيان الصهيوني، الذي تلقى بدوره مساعدة كبيرة علمية وتكنولوجية من فرنسا مكنته من إمتلاك السلاح النووي. بما أن إيران كانت تشكل قلعة حصينة وركيزة أساسية للإميريالية الأمريكية في المنطقة، لم تجد الولاياتالمتحدة الأميركية أي شيء تقوله في هذا المجال. ومنذ ذلك العهد بدأت الشكوك تنتاب مسؤولي الوكالة الدولية للطاقة النووية، رغم توقيع إيران على معاهدة عدم تطوير التكنولوجيا النووية لخدمة أغراض عسكرية منذ بداية السبعينات، وإخضاع منشآ تها النووية للتفتيش من قبل المؤسسة الدولية. وجاءت الثورة الإسلامية في عام 1979 لتضع حدا للبرنامج النووي الذي طورته إيران مع فرنسا. 1 الضمانة ضد أميركا. بيد أن الحرب العراقية الإيرانية الطويلة (1980(1988) أعادت طرح البرنامج النووي الإيراني مجددا. فأمام الهجمات العراقية بمختلف أنواع الأسلحة بما فيها الأسلحة الكيماوية التي استخدمها نظام الرئيس صدام حسين المدعوم في ذلك الوقت من قبل فرنساوالولاياتالمتحدة الأميركية والإتحاد السوفياتي، تساءل الإيرانيون: لو كانوا يمتلكون القنبلة النووية، أو بداية السلاح النووي، لما استطاعوا ردع العراق من إستخدام الغازات... ومنذ العام 1984، أصبحت الوكالة الدولية للطاقة النووية تشك في إيران، لجهة معاودة تفعيل برنامجها النووي لإنتاج أسلحة نووية. ويتساءل المحللون في الغرب لماذا هذا الإجماع في إيران حول إمتلاك السلاح النووي؟ إن تطوير البرنامج النووي الإيراني يمكن أن يذهل العديد من المراقبين، في ظل وجود كثافة سكانية في إيران بنحو 72 مليون نسمة، وإمتلاك البلاد ثروات نفطية و غازية هائلة. إن الجواب لهذا التساؤل يعبر عنه الإيرانيون في حلقاتهم الخاصة على النحو التالي: من الناحية الجيوبوليتيكية إيران تجد نفسها بجوار قوتين نوويتين هما "إسرائيل" وباكستان. في القماشة الخلفية للسياسة الإيرانية منذ السبعينات من القرن الماضي، ونظرا للإجماع الوطني الذي تثيره، تبرز إيران كقوة إقليمية معترف بهيمنتها. وأصبحت المطالبة بهذه الوضعية واحدة من عناصر الهوية الوطنية الإيرانية. إضافة إلى ذلك يجمع الطيف السياسي الإيراني على مسألة إمتلاك إيران السلاح النووي بوصفه ضمانة للإستقلال والإحترام و الهيبة. و يقول الإيرانيون في مجالسهم الخاصة، أنظرو لباكستان. فهذا البلد الذي خلق تنظيم طالبان الأفغاني، والذي حمى وغذى تنظيم القاعدة، والذي لا يتوانى اليوم عن مكافحة الأصولية، هذا البلد يكاد لا يشار إليه حتى بالأصبع. هل تعرفون لماذا؟ لأنه يمتلك قوة ردع نووية. الكاتب الفرنسي الجاد اريك لورنت الذي اصدر مؤخرا كتابا تحت عنوان "بوش إيران والقنبلة: تحقيق حول حرب مبرمجة" يجزم، تقريبا، بقرب توجيه الضربة الأميركية إلى ايران؟ يبدو أن زيارة الرئيس الاميركي جورج بوش الأخيرة إلى المنطقة، وخطابه الحربي والهجومي على إيران، بالإضافة إلى حادث المناوشات بين البحرية الإيرانية والأسطول الأمريكي، ومعاودة حديث الأمريكيين عن عودة المتفجرات إلى العراق في عمليات المقاومة، يمكنها أن تدفع بالمواجهات إلى حالة ساخنة.. فهل هذه الوضعية يمكن أن تمنح مصداقية للكتاب؟ 2-يران بعد العراق لقد وضعت الولاياتالمتحدة، تحت إدارة بوش، سياسة احتواء تجاه إيران شبيهة بما فعلته الحكومات الأميركية المتعاقبة، قبل ستين سنة، تجاه الاتحاد السوفييتي. يقول المؤلف إن "هذا الخيار كان ثقيل النتائج". وهنا يستشهد الكاتب بما كتبه صحافي مصري عن النفوذ الإيراني المتنامي في المنطقة: "تحولت إيران، من الآن فصاعدا، إلى أخطبوط في المنطقة، وصلت ملامسها إلى كل مكان توتّر. وتعود بمجرّد قطعها". أصبحت إيران عامل تخويف للعديد من الدول، إذ إن "صعود قوة إيران، في نظر المسؤولين في المنطقة، يكشف عن مفارقة مذهلة: إذ إن البلد استولى على كل فوائد حرب العراق، في الوقت الذي يظل فيه العدو الرئيسي للولايات المتحدة. وهذا الاضطراب تتقاسمه كلّ دول المنطقة، التي ترى أن الجمهورية الإسلامية ليست نظاما عاديا، وأن زيادة قوتها العسكرية وربما امتلاك السلاح النووي ليسا وحدهما من أسباب القلق، وتستشهد بالاستراتيجية التي عبر عنها علي خامنئي، مرشد الثورة، الذي يريد توسيع الهيمنة الإيرانية في المنطقة من خلال مؤسساته. والهدف هو تحريك الشيعة المحليين ضد الولاياتالمتحدة والغرب، ولكن أيضا ضد حكوماتهم". وينقل الكاتب عن سلامة أحمد سلامة الصحافي في "الأهرام ويكلي" أن الكثيرين في العالم العربي لا يخافون البتة من استخدام إيران للقنبلة النووية، في حال توفرها عليها، ضد الدول العربية. ويؤكد أنه "لا يمكن قبول أُسس الاتهامات التي يطلقها الغرب من أن إيران تريد أن تتسلح بالقنبلة من أجل تأسيس الامبراطورية إلاسلامية وتصفية نفوذ الولاياتالمتحدة وإزالة إسرائيل"، ويرى في الأمر مبالغة من وحي الرئيس بوش وحلفائه الغربيين من أجل الضغط على مجلس الأمن لاستصدار قرارات عقابية جديدة ضد إيران. 3-البرنامج السري ينتقل بنا المؤلف إلى اللقاء الذي جمعه مع الرجل الثاني في مجلس الأمن القومي الإيراني في اكتوبر/تشرين الأول 2006. ويرى الكاتب أن المسؤولين الإيرانيين، في هذه الفترة كانوا يعتقدون أنهم يمتلكون كل الأوراق. ولكنه سرعان ما يكتشف أن الإيرانيين في تفاوضهم مع الأوروبيين لم يجدوا الشخص المناسب للتفاوض معه. إذ إن خافيير سولانا الذي أكد لهم امتلاكه لحرية القرار سرعان ما كان يعود لمشاورة العديد من الدول. الإيرانيون يراهنون دائما على الزمن. ومن هنا اعتراف كيروس ناصري، وهو دبلوماسي ورجل أعمال كان من الذين ساهموا في التقارب ما بين مجموعته النفطية و شركة "هاليبرتون" الامريكية للخدمات النفطية القريبة من تشيني سنة 2004 حينما كان أحد المسؤولين عن الملف النووي: "السلطات الإيرانية اكتشفت أنه يتوجب ربح الوقت كي ينتهوا من بعض مشاريعهم في هدوء". ويعلق الكاتب بالقول: "إن إيران تحاول أن تجذب إلى ما لا نهاية سير المفاوضات، واللعب مع الزمن والتركيز على إحداث انقسامات ما بين الأمريكيين والأوروبيين، ثم البحث بعد ذلك، بين أعضاء مجلس الأمن، للاعتماد على الحلفاء الروس والصينيين كي تجعل أي قرار عقوبات يصدر عن المجلس غير قابل للتنفيذ". ولكن الكاتب يرى أن المشكل أو الخطأ يكمن هنا، في أن المفاوض الإيراني الرئيسي سنة 2005 الملا حسن روحاني صرح بوجود قسم خفي من البرنامج النووي الإيراني. الشيء الجديد الذي فضح المشروع الخفي الإيراني هو أسرار التعاون الإيراني مع شبكات أبي القنبلة النووية الباكستانية. فقد "بدأ مسؤولو طهران يكشفون عن أنصاف اعترافات، معتقدين أن استراتيجية مثل هذه الاعترافات يمكنها أن تكسبهم الوقت الكافي وتفهّم مُحاوريهم". يضيف: "كانوا يراهنون على ضعف الأوروبيين وعجز منظمة الأممالمتحدة ولكنهم في الواقع نجحوا في إنفاد صبر وثقة الجميع". ويدخل الكاتب في كثير من التفاصيل حول العقوبات والقرارات الدولية إزاء إيران، ولكن القرار الأهم كان هو القرار، 1737 الذي تم التصويت عليه بالإجماع، في 23 ديسمبر/كانون الأول من سنة 2006 والذي يجيز عقوبات اقتصادية مخففة. ولكن على الرغم من هذا القرار فقد كان الموقف الأميركي مختلفا، وهو عدم الرضى، او اعتباره ناقصا، وهو ما دعا مساعد وزير الخارجية الأمريكي روبرت بيرنس إلى أن يصرح: "إن الولاياتالمتحدة لا تريد أن تضع كل بيضها في سلة الأممالمتحدة". وهو ما يعني في نظر الأمريكيين، على حدّ قول الكاتب، "أن التصويت يتيح تشريع حركة يمكن أن تطبَّق خارج مجلس الأمن، أي بطريقة سريعة جدا وأكثر فعالية". وحسب المنطق الذي طوره الصقور "فإن العقوبات الاقتصادية يتوجب أن تتسبب في نهايتها بشلّ النظام وانهياره، وإلى تخليه عن البرنامج النووي". يرى الكاتب أن الغرور والكبرياء الإيرانيان مسؤولان في قسم ما عن الوضعية الصعبة التي تعرفها إيران: "إن إيران كانت تتوقع أن يساهم الخطاب أو البلاغة العدوانية في تراجع الخصوم وفي انتزاع أكبر قدر من التنازلات من الغرب. لكنها حققت عكس ما كان مرجوا. وقد اكتشفت إيران أنّ مصالح الأوروبيين ترمي إلى أن تجعل الأميركيين بعيدين عن إيران، باسم المصالح الاقتصادية، أكثر مما ترمي إلى مساعدة الإيرانيين". إن ما يقلق الأوروبيين هو "الخسارة العرضية والجانبية التي يمكن لإيران أن تتسبب فيها في كل المنطقة: في لبنان من خلال حزب الله وفي أفغانستان وبالطبع في العراق". وصرح تشيني عدو إيران المعلن، سنة 2007 أن "إيران تصطاد في مياه عكرة"، كي يفسر تنامي الدور الذي تلعبه في الأزمة العراقية. في حين أن المأزق الأمريكي من إيران، يتمثل في أن الولاياتالمتحدة، في مسلسل التهويل من إيران، تحاول أن تعيد إنتاج نفس الحجج التي استخدمتها ضد عراق صدام حسين. لكن ثمة اختلافا واحدا كبيرا عن الوضع في عراق صدام حسين، وهو أنه على الرغم من سياسة الإخفاء الإيرانية للمعلومات، فإن "العالم يعرف كثيرا عن حال البرنامج النووي الإيراني أكثر مما كان يعرف عما سميّ البرنامج العراقي لأسلحة الدمار الشامل". لكن السابقة العراقية، كما يرى الكاتب، تقود إلى مفارقة حقيقية: إذ إنه على الرغم من قلة من يصدق، من المسؤولين السياسيين، نفي إيران لوجود برنامج نووي عسكري، فإن القليل فقط من المسؤولين السياسيين من يصدق التصريحات التحذيرية لواشنطن حول خطورة وقرب التهديد الذي تمثله إيران. ويضيف الكاتب "بدا في ستبمبر/ايلول من سنة 2007 وكأن المواجهة ما بين الإيرانيين والأميركيين تشبه حرب مواقف". ويورد بعض تصريحات المسؤولين الأميركيين التي تفسر الأمر، ومن بينها تصريح وزير الدفاع الأميركي الجديد، روبرت جيتس، إذ قال في تصريح بتاريخ 15 يناير من سنة، 2007 أمام اجتماع في مقر حلف الناتو في بروكسيل: "يعتقد الإيرانيون بشكل واضح أننا تورطنا في العراق، وأنهم يمتلكون المبادرة وأنهم قادرون على ممارسة الضغط علينا بأساليب متعددة. لكنهم، حاليا، لا يفعلون أي شيء إيجابي في العراق". لكن الرد الإيراني لم يتأخر: "إن الأميركيين يريدون صناعة البراهين ضد إيران، محاولين إثبات تورطها في العراق". إلا ان المسؤولين الأميركيين الذين كانوا في العراق يرون أن إيران بالفعل بدأت تشكل خطرا على الوجود الأميركي، ومن هؤلاء فلينت ليفيريت، مساعد سابق لمجلس الأمن القومي، مختص بالقرارات المتخذة تجاه إيران، حين يقول: "إن إدارة بوش تعتبر إيران، اليوم، أخطرَ من المتمرّدين السُنّة". أما جيتس، من جهته، فقد صرح أمام البنتاغون بأن "إيران تريد امتلاك السلاح النووي. أعتقد أنها تريده كعامل ردع. إنها محاطةٌ بِقِوى نووية: باكستان من الشرق، وروسيا من الشمال، و"إسرائيل" من الغرب، ونحن في الخليج". يقول المؤلف إن جيتس معروف عنه أنه من المناورين الكبار، لكنه عاجز عن التأثير في الأحداث. إنه يوجد على رأس منظمة ضخمة تنطبق عليها المواصفة الساخرة: "إعطاء الأمر أبسط جداً من إلغائه". 4-الإجماع الأميركي حول إيران يكشف الصحافي الأميركي سايمور هيرش، وهو من الصحافيين بالغي الاطلاع، في مقال له في صحيفة "نيويوركر" أن مشروع قصف المواقع النووية الإيرانية تم توسيعه ليطال كل المواقع القمينة بتقديم دعم إلى المقاومة العراقية. ويؤكد هيرش أيضا في لقاء مع "سي إن إن" أن الرئيس بوش قادر، إذا قرر الأمر، شن ضربات ضد إيران في أقل من أربعة وعشرين ساعة. ويذهب الكاتب في تفاصيل عن الضربة القادمة، إن حدثت: "يرى هيرش، في تحقيقه، أن المخططات الأمريكية المقدمة للبيت الأبيض من قبل البنتاغون تقترح استخدام أسلحة نووية تكتيكية، من قبيل قنابل B61-11 التي يمكن استخدامها ضد مواقع نووية إيرانية موجودة تحت الأرض. ويشكّل مفاعل ناتانز الذي يبعد ب 300 كيلومتر جنوبطهران، حيث يوجد القسم الأكبر من أجهزة الطرد المركزي (ثلاثة آلاف جهاز في حالة اشتغال حاليا)، من الأهداف الرئيسة للقصف". ولكن ما ينقص الأمريكيين حقيقة، كما يرى بالفعل، هو نقص المعلومات الحقيقية والصحيحة، والمثال العراقي، في ما يتعلق بأسلحة الدمار الشامل، كاف لشرح هذه المعضلة، خصوصا أن الكثير من أجهزة الاستخبارات الأمريكية كانت متطابقة في تقريرها الأخير من أن إيران أوقفت مشروعها النووي العسكري منذ 2003. يصرّح هيرش للمؤلّف بحقيقة مزعجة: "لقد تم إغراقنا بمعلومات قادمة من أجهزة أميركية. الكثير من هذه المعلومات تتحدث عن أماكن ومواقع مفترضة لمواقع نووية، يفترض أن البعض منها سرية. وتؤكد هذه المعلومات أنها جازمة حول الأمكنة والأنشطة التي تمارس فيها. ولكن تجميع هذه المعلومات وعملية التحقق منها كشفت أن 80 في المائة منها كانت مغلوطة". ويرى الكاتب أن الصحافة أحياناً تركز على أماكن تعتبرها ذات أهمية كبرى، ومن بينها العراق، ولكنها تنسى المشكل النووي الإيراني. "في حين أن هذا الأخير(أي التهديد النووي الإيراني) هو موضوع اتفاق كل الأطراف السياسية الأميركية. هو موضوع إجماع. وأهم المسؤولين الديمقراطيين، سواء تعلق الأمر بهيلاري كلينتون أم بنانسي بيلوسي، رئيسة مجلس النواب، يظهرون مواقف لا تقل صرامة عن موقف تشيني. وفي آخر اجتماع لمنظمة "أيباك" الصهيونية في آذار/ مارس 2007 بدا وكأن صوتَيْ تشيني وبيلوسي يلتقيان في نفس الخطاب: وهو أنه لا يجب السماح لإيران بامتلاك السلاح النووي، الذي يشكل تهديدا ل"إسرائيل" وللأمن في المنطقة". يعود الكاتب دائما إلى إثارة ما يسميه ب"الأخطاء الإيرانية" في معالجة المشكلة، فيكتب: "لم تتصور إيران أبدا أن تكون الأممالمتحدة قادرة على إقرار عقوبات عليها ثم تنفيذها، كما أنها كانت مقتنعة، خلال فترة طويلة، بكونها قادرة على إحداث انقسامات، لفترة طويلة، ما بين الولاياتالمتحدة وحلفائها، خصوصا الأوروبيين. وقد كان صوت محمد البرادعي، رئيس وكالة الطاقة الذرية، مدويا حين عبّر عن رفضه لاستخدام القوة وحين اعتبر العقوبات غير منتجة وعاجزة عن "إيجاد حلّ للمشكل".ويواصل الكاتب "ثمة شيئان غير قابلين للتفاوض ما بين الأميركيين والإيرانيين، ويمكن أن يقودا إلى الهاوية: أميركا لا تريد أن تحصل إيران على السلاح النووي ،فيما تعتبر إيران أن تخصيب اليورانيوم هو حقّ غير قابل للتفاوض، ومما يزيد من إصرار الإيرانيين على مسألة التخصيب هو كون دول أخرى سمح لها بالتخصيب من دون أي إشكال: وهي البرازيل وكوريا الجنوبية واليابان.في حين ان المسألة النووية في إيران اتخذت طابع اعتزاز قومي، يؤيدها الرأي العام الإيراني، حتى الذين يناصبون الرئيس الإيراني العداء. استخدام السلاح النووي 5-الخيار العسكري يتقدم يرسم المؤلف صورة قاتمة عن الأوضاع في إيران. صورة قاتمة في مختلف أوجه الحياة الاقتصادية والاجتماعية والإعلامية وعلى مستوى حقوق الإنسان والأقليات. وهو يتحدث من خلال زيارته الأخيرة إلى إيران والتي تعود إلى السادس من أغسطس/آب من سنة 2007 وكأنّ الأوضاع مواتية لضربة أميركية: "أكثر من ثلاثين سنة من الحصار، انهيار اقتصادي مستمر، مرده إلى عدم الكفاءة وإلى الفساد، حولت إيران إلى بلد خارج العولمة، بشكل كامل". ويقول إن الأوضاع الاقتصادية تدفع الشعب إلى عدم تصديق مسؤوليه، ولا الخطاب الذي يتم ترديده في وسائل الإعلام الحكومية والرئيسية وأدت بالتالي إلى نقص شعبية النظام ونقص الولاء له. في بهو الفندق، ثمة بورتريه كبير يمثل آية الله الخميني وهو مصحوب بتعليق: "ثورة الإمام الخميني هي ثورةُ القِيَم"، هذا الشعار يقودني إلى الكلمات التي صرح لي بها أحد الخبراء الاقتصاديين، في بيته، قبل ساعتين: "قبل عشرين سنة، كان يكفي خطاب واحد من مرشد الثورة كي يفوز بولاء الشعب. هذه الحقبة انتهت منذ فترة طويلة، وأصبح النظام، من الآن فصاعدا، يعرف بأن عليه أن يشتري هذا الولاء. إنه هروب حقيقي إلى الأمام. في العام الماضي تم صرف 55 مليار دولار، وهذا فقط من أجل فرض استقرار الأوضاع، أما هذه السنة فقد ارتفع المبلغ إلى 70 مليار دولار (...) الوضعية تزداد تعقيداً يوما بعد آخر، وهي تُذكّر بالسنتين الأخيرتين من حكم الشاه". ويضيف الكاتب أن النظام الإيراني الحالي، اي نظام أحمدي نجاد، لا يكترث بالاقتصاد. هو يعتمد على ارتفاع أسعار النفط، "الذي يوزعه على أنصار النظام"، إننا بالفعل أمام وضع سوريالي، حقا. فالنظام الذي تعتبره أميركا عدوا لها في العراق بل ويتسبب في موت العديد من جنودها، بالإضافة إلى التدخل السافر في شؤون العراق، ليس أكثر من صديق لرئيس وزراء العراق الحالي نوري المالكي. وقد تصادف تواجد المؤلف في طهران وصول المالكي إليها. "هي زيارة تكشف الغموض القاسي وكذلك تبعية رئيس حكومة بغداد. فهو يمتلك بيتا في طهران، في حين تتهم أمريكا طهران بتأزيم الوضع في العراق وبتكثيف الهجمات على القوات الأمريكية من خلال الميليشيات الشيعية". والمالكي على الرغم من التأثير السلبي الذي يمكن أن يعاني منه جراء علاقاته مع الإيرانيين، فهو"يعتبر طهران حليفا طبيعيا ولكن صعب الإرضاء، في حين يعتبر الولاياتالمتحدة خصما يواصل التبعية له". ويرسم الكاتب صورة كاريكتيرية للعلاقات التي تربط الإيرانيين مع رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي: "أرى الرئيس الإيراني أحمدي نجاد، وهو مبتسم، يأخذ بيد المالكي، وهذا الأخير يُسلّم يده كطفل طيّع، مستاء ومستسلم. من المؤكد أنه يعرف أنه لا مستقبل له. أعتقد أن الفرق الكبير ما بين المالكي والرئيس الباكستاني مشرف يَكْمُن في درجة الإدراك: لقد عرف المالكي منذ البداية أنه ليس سوى أداة وهذه البداهة تتأكّله، أمّا مشرف، فهو موضع تجاذب من الولاياتالمتحدة والقاعدة وطالبان وإسلاميين، وقد اكتشف الأمر للتوّ". على الرغم من أن الشعب الإيراني في أغلبيته، ومن باب الكبرياء الفارسي القديم، أو من باب الأحلام الإمبراطورية، يؤيد المشروع النووي الإيراني الحالي، فإن العديد من الإيرانيين وخصوصا المثقفين والانتلجنسيا يخافون من تبعات حصول إيران على القنبلة على الشعب وعلى الحريات: أفكّر في البوح الذي قام به أمامي الأستاذ الجامعي: "إذا حصل هذا النظام على السلاح النووي، فسيصبح أكثر قسوة وبطشا تجاه شعبه، وسيكون متعجرفا أمام الآخرين .