طرح خبراء تونسيون "مشروعا نموذجيا" لاعادة الاعتبار لمدينة "الكاف" (شمال غرب) التي تعد من اهم واجمل المواقع الاثرية في شمال افريقيا وتشجيع السياحة الثقافية في هذه المنطقة التي تجمع معالم اسلامية ومسيحية ويهودية. وتم تدشين المسلك السياحي والثقافي الممتد على مساحة شاسعة فوق هضبة ارتفاعها قرابة 800 مترا هذا الاسبوع. وقال رمضان قديش مدير عام شركة الدراسات والتنمية السياحية بالكاف لوكالة فرانس برس على اثر التدشين "ان المشروع دخل حيز التنفيذ بعد اشهر من البحث والتمحيص لابتكار شيء فريد يشجع على (...) لفت الانظار الى هذه المنطقة الجبلية البعيدة عن الشريط الساحلي الذي يكاد يكون الوجهة الوحيدة للسياح طيلة مواسم السنة". والكاف الواقعة على بعد 170 كيلومترا من العاصمة تونس منطقة ساحرة يمكن زيارة معالمها التاريخية والاثرية في اي موسم من السنة. وتقف مدينة الكاف التي كان يطلق عليها قديما "سيكا فينيريا" نسبة لفينوس الهة الحب والجمال شاهدا على اكثر من خمسة عشر قرنا من حياة هذه المدينة الاثرية التي اسسها البربر وتعاقبت عليها الحضارات من العصر الحجري الى العهد العثماني مرورا بالعهد الروماني فالبيزنطي فالعربي الاسلامي. غير انه ورغم تلك الاهمية ظلت المعالم والمواقع والشواهد المتنوعة على تعاقب الحضارات مجهولة لزمن طويل. واوضح قديش ان المسلك الثقافي الذي تستغرق مدة زيارته ساعتين ونصف الساعة يحتوي على "عدد من اجمل المعالم الاثرية في البلاد التونسية" مضيفا "لقد اطلق عليه اسم +ملتقى الحضارات+ لتفرده في جمع معالم اسلامية ومسيحية ويهودية". ويضم المسلك القصبة الحسينية التي تم تشييدها مطلع القرن السابع عشر ميلادي والتي تعد رمز المدينة التاريخي والعسكري وقلعتها وتاجها لا سيما وان موقعها في المرتفعات يمكن الزائر من التمتع بمشاهد جميلة للمدينة والمناطق المحيطة بها التي تبعد 30 كيلومترا على الحدود مع الجزائر. كما يشمل المسلك البازيليك الروماني الذي يعود الى اكثر من 3000 سنة و كنيسة دار القوس من الطراز المسيحي القديم التي يرجع تاريخها الى القرن الرابع ومقام سيدي بو مخلوف (القرن 14م) وهو نموذج للعمارة الدينية في العهد التركي وكنيس يهودي ومتحف العادات والتقاليد الشعبية والخزانات الرومانية. وتشكل القرية الحرفية التي بلغت كلفة تهيئتها 200 الف دولار و"مائدة يوغرطة" التي تقع على ارتفاع 1270 مترا تخليدا لذكرى القائد البربري الذي تحدي الإمبراطورية الرومانية معلمين هامين في المسلك الثقافي الفريد من نوعه في تونس. وللمساهمة في التنمية الاقتصادية والاجتماعية للكاف (وهو تحريف لكلمة الكهف) ستشيد سلسلة من الفنادق والمطاعم السياحية. وسيساعد ذلك على ايجاد فرص عمل لسكان هذه المنطقة التي تفوق نسبة البطالة فيها 20 بالمئة وتعتمد على الزراعة وتربية الماشية. ورحبت جمعية صيانة مدينة الكاف التي تعمل منذ اكثر من ثلاثين عاما على الاعتناء بالمعالم الاثرية والمعمارية في المدينة بهذه "الخطوة الايجابية". وقالت فوزية علية رئيسة الجمعية "ان المسلك سيعيد الاعتبار للمخزون التراثي العريق للجهة الذي ظل لسنوات مجهولا". غير انها لفتت الى ان "المشروع يظل ناقصا اذا لم ترافقه بيانات ومتاحف مجسمة وصور افتراضية لتسهيل الوصول الى المواقع الاثرية وتعرف بها وبتاريخ الجهة العريق". كما كشف قديش بان مسالك جديدة سترى النور قريبا على غرار "المسلك النوميدي على خطى يوغرطة" والمسلك البيئي" ومسلك محمية صدين". وكانت وزارة السياحة بالتعاون مع وزارة الثقافة والمعهد الوطني للتراث وضعت منذ 1999 خطة للنهوض بالسياحة الثقافية في تونس. وتهدف الخطة الى اثراء المنتوج الثقافي وتنويعه وادماج التراث بمختلف مكوناته في الدورة الاقتصادية للبلاد التي يمثل القطاع السياحي فيها احد مصادر الدخل الرئيسية من العملة الصعبة ومورد رزق لسدس السكان البالغ عددهم اكثر من 10 ملايين نسمة. وتم منذ ذلك الوقت صيانة اكثر من 30 معلما وموقعا تاريخيا باعتمادات تبلغ 47 ملايين دينار تونسي (26 ملايين دولار). ووقعت وزارة الثقافة التونسية والبنك الدولي نهاية 2007 مذكرة تفاهم لاحياء التراث الثقافي في تونس ليتلاءم مع المقاييس العالمية للجودة وتبلغ قيمة المشروع 26 مليون دولار. نجاح/اس/ص ك/حسن ديسك