أعلن فى تونس مع انطلاق شهر رمضان الحالى "1429 ه" عن إطلاق فضائية دينية تحمل اسم "الفردوس" تخصص مساحة هامة لقراءة القرآن الكريم والأحاديث النبوية، فضلا عن فقرات فقهية ودروس فى السيرة. وتأتى هذه الفضائية بعد سنة فقط من إطلاق إذاعة للقرآن الكريم حملت من الأسماء "إذاعة الزيتونة" فى إشارة إلى ارتباطها بجامع الزيتونة، وهو أحد أبرز المعالم الإسلامية فى المنطقة العربية. ويتوقع مراقبون أن تلقى فضائية الفردوس نفس النجاح الذى حققته إذاعة الزيتونة التى تعرف رواجا كبيرا فى تونس وأصبحت أهم أبرز الإذاعات المحلية استماعا فى البلاد. ويفسر المراقبون سر نجاحها بكونها جاءت معبّرة عن حاجة التونسيين إلى مادة دينية تلامس واقعهم بعيدا عن التعقيدات الفقهية والفتاوى الغارقة فى التاريخ والأزمنة القديمة. وكانت وكالة الأنباء التونسية الرسمية قدمت ل"الزيتونة" فى انطلاقتها السنة الماضية بأنها تهدف "للتشجيع على إشاعة الفكر النير والمستنير ونشر قيم الإسلام الصحيحة وفى مقدمتها التسامح والتكافل والاعتدال". ويقول محللون محليون إن تونس فهمت قبل غيرها أن مواجهة التشدد والتطرف لا تقف فقط عند الرؤية الاجتماعية والاقتصادية التى حققت فيها نجاحات كبيرة، بل تحتاج إلى مقاربة مستنيرة من داخل الفضاء الدينى تفضح تهاوى التشدد. ويضيف هؤلاء المحللون بأن الرئيس زين العابدين بن على يحرص على إعطاء كل مقومات النجاح لهذا الخط المستنير من خلال الاحتفاء بالمصلحين التونسيين الذين نهضوا بمهمة التنوير والاجتهاد "الإمام محرز بن خلف والزعيم الشيخ عبد العزيز الثعالبى والعلامة الشيخ محمد الطاهر بن عاشور والشيخ محمد الفاضل ابن عاشور.." ، فضلا عن إقامة مركز للدراسات والبحوث الإسلامية فى مدينة القيروان، المدينة الإسلامية الأولى فى الشمال الأفريقي. وأعلن الرئيس التونسى منذ سنوات عن تأسيس جائزة عالمية للدراسات الإسلامية تشهد إقبالا لافتا من دول عربية وإسلامية عديدة وتلقى صدى إيجابيا فى العالم الإسلامي. وتحظى المناسبات الدينية بعناية خاصة من الرئيس بن على نفسه، إذ يشرف على موكب الاحتفال بختم الحديث النبوى الشريف فى ليلة القدر بجامع الزيتونة، ويؤدى صلاة العيد بجامع العابدين الذى بُنى فى السنوات الأخيرة فى ضاحية قرطاج ويعتبر معلما دينيا بارزا. ويبث الآذان فى الأوقات الخمسة على شاشة التلفزيون بعد أن كان غائبا قبل التغيير الذى قاده بن على سنة 1987، كما تُبث صلاة الجمعة وتقدم الدروس الدينية فى مختلف الأجهزة الإعلامية الرسمية. ولا يتخوف التونسيون من أن يكون فى التركيز على شؤون الدين نوعا من التراجع عن المكاسب التحديثية التى عرفت بها تونس. ويؤكد محللون محليون أن خيار التحديث أصبح جزءا من ثقافة المواطن التونسي، فلا يمكن بأى حال حتى مجرد الافتراض أن تونس يمكن أن تتخلى عن المكاسب التى تحققت فيها للمرأة مثلا، فهى مكاسب نابعة من رؤية تأسست على تأصيل إصلاحى توارثه التونسيون ويستمد مشروعيته من قراءة تنويرية للإسلام تأخذ بالمقاصد، وهى مدرسة عريقة فى التاريخ العربى الإسلامي، تعطى الأولوية للعدل والمساواة والوسطية والاعتدال كقيم ثابتة فى النص القرآني، وتجعل الاجتهاد عنصرا مفصليا فى قراءة النصوص والربط بينها وبين المتغيرات، أى أن يكون للعقل دور كبير فى صياغة معالم الحياة. ويضيف هؤلاء أن الرئيس التونسي، الذى أمر ببث الأذان فى التلفزيون منذ وصوله إلى الحكم، أكد فى كل خطاباته أن خيار التحديث ثابت أساسى فى رؤيته لتونس الغد، تماما مثل التعدد الفكرى والسياسى وحرية التدين.