ارتفع عدد المحال التجارية، التي تقوم بقرصنة البرمجيات وبيع الأفلام المسروقة إلى أكثر من سبعين ألف محلّ تجاريّ في تونس، بينما لم تكن تتعدى سوى العشرات منذ بضع سنوات. وتستقطب هذه المحال، التي تبيع أحدث البرمجيات والأفلام والموسوعات والألعاب المقلّدة، أعدادا كبيرة من التونسيين نظرا لتدني أسعارها مقارنة بأثمانها الحقيقية. ولا يتعرض التجار إلى ملاحقات قضائية بالرغم من أنّهم يقومون بانتهاك القانون بعرض منتجات تتمّ قرصنتها عن طريق الإنترنت، أو تقليدها من نسخ أصلية. ومع أنّ المشرع التونسي تفطّن إلى أعمال القرصنة، إلا أنّ قانون سنة 1994 المتعلق بالحماية الأدبية والفنية لا يطبّق بصرامة، وهو ما يعدّ خرقا لقواعد السوق حسب بعض المراقبين. وكشف تقرير أميركي صادر عن منظمة "تحالف برمجيات الأعمال" أن تونس تأتي في المرتبة الثانية عربيا بعد الجزائر من حيث قرصنة البرامج المعلوماتية والأفلام عبر الإنترنت. وتواجه صناعة البرمجيات في العالم مأزقا حقيقيا بالنظر إلى الخسائر المسجلة في إيرادات كبرى الشركات المنتجة، كما بقيت صناعة السينما هي الأخرى عالقة في عنق الزجاجة. تحذيرات وشكاوى وحذّر منتجون ومخرجون من الخطر الذّي أصبح يحدق بالإنتاج السينمائي في تونس، بينما تحاول وزارة الثقافة احتواء هذه الظاهرة لكن دون جدوى. وأعرب خالد العقربي رئيس نقابة المنتجين والمخرجين السينمائيين للجزيرة نت عن مخاوفه من انهيار القطاع نتيجة قرصنة الأفلام التونسية وتوزيعها في أقراص بخسة الثمن قبل عرضها في السينما. كما لاحظ أنّ التونسيين أصبحوا يميلون أكثر إلى شراء الأفلام المسروقة في أقراص مضغوطة يقل سعر الواحدة منها عن دولار عوضا عن ارتياد قاعات السينما. وقبل عقدين كانت تنتشر في تونس تسعون دارا للعرض السينمائي، لكن عددها أصبح الآن 28 قاعة توقف نصفها عن شراء الأفلام الجديدة نتيجة ظهور نسخ مسروقة منها في المحال. إلى ذلك، اشتكى عماد مرزوق، منتج تونسي، للجزيرة نت من قرصنة أحد أفلامه التي أنتجها منذ سنتين بعنوان "كحلوشة" قائلا إن إيرادات الشريط تراجعت بشدة نتيجة أعمال القرصنة. وفي السنة الماضية لم يكن يتبقى سوى بضعة أيام على عرض شريط "آخر فيلم" للمخرج التونسي الشهير النوري بوزيد، حتى ظهرت في المحال نسخ مسروقة تم بيع كميات كبيرة منها دون أي رقابة. " مصادر مطلعة في وزارة الثقافة التونسية قالت للجزيرة نت إنّ السلطات بصدد إعداد دراسة تهدف إلى تفعيل القانون لحماية حقوق المنتجين والموزعين الرسميين من القرصنة " عقوبات خفيفة ويرجع خالد العقربي استفحال أعمال القرصنة في القطاع السينمائي إلى تساهل القانون في التعامل مع هذه الظاهرة باعتبارها تقوم بتوظيف آلاف الشبان، حسب رأيه. ولا يعاقب القانون منتهكي الحقوق الأدبية والفنية إلا بغرامة تتراوح بين خمسمائة دينار (386.4 دولارا) وخمسة آلاف دينار (3.864 آلاف دولار)، وقد تصل إلى عشرة آلاف دينار (7.72 آلاف دولار) والسجن ثلاثة أشهر في حال تكرار المخالفة. بينما يرى المخرج منصف ذويب أنّ مثل هذه العقوبة تبقى غير كافية لمواجهة أعمال القرصنة، مشيرا إلى أن القانون الفرنسي يعاقب بالسجن لمدة تصل إلى سنتين في مثل هذه القضية. وبالرغم من أنّ السلطات قالت إنها أغلقت حوالي مائة محلّ تجاري للقرصنة وإنها حذّرت البقية من المتاجرة في الأفلام التونسية المسروقة، إلاّ أن الوضع ما يزال على حاله. لكن مصادر مطلعة في وزارة الثقافة التونسية قالت للجزيرة نت إنّ السلطات بصدد إعداد دراسة تهدف إلى تفعيل القانون لحماية حقوق المنتجين والموزعين الرسميين من القرصنة. يشار إلى أن الجامعة العربية تعقد اجتماعا في جدّة أيام 19-21 أكتوبر/تشرين الأوّل الجاري لدراسة ظاهرة القرصنة وانتهاك الملكية الفكرية في العالم العربي التي تقدّر بنحو 72 مليار دولار سنويّا حسب بعض التقديرات.