الأرجح أن الأمور تسير في اتجاه التفاهم على اتفاق سلام نهائي يضع حدا للنزاع في دارفور، بعد الإتفاق الإطاري الذي توصلت إليه في الدوحة السلطات السودانية وحركة العدل والمساواة كبرى الفصائل المسلحة في دارفور. ومن المتوقع أن تقوم دول الجوار في الأيام المقبلة بتحرك للدفع في اتجاه تكريس اتفاق الدوحة على ما قال رئيس وزراء قطر. وإذا ما سارت الأمور في الإتجاه الإيجابي ستعمل جميع الأطراف في المرحلة المقبلة على تهيئة الأجواء لمؤتمر دولي يضع حدا نهائيا للنزاع وهذا يحتاج التزاما واضحا من الدول الكبرى، وخاصة الولاياتالمتحدة والصين، لدعم السلام في دارفور، ومن ثم إنهاء الخلافات بين السودان وجيرانها الذين تتهمهم بدعم التمرد. لماذا نجحت الوساطة القطرية فيما أخفقت المحاولات السابقة للتقريب بين الفرقاء؟ لم يكن من باب الصُدفة أن الإتفاق الذي رعته ليبيا في السنة قبل الماضية انهار سريعا لأن اسرائيل وأمريكا اتفقتا على إحباطه. أما اليوم فتتجه السياسة الأميركية في ظل الإدارة الجديدة نحو تبريد النزاعات والحد من مصادر التوتر في العالم. صحيح أن واشنطن لم تُعلن دعمها للإتفاق الإطاري الذي توصلت إليه في الدوحة الحكومة السودانية وحركة العدل والمساواة، لكنها لم تعارضه أيضا. وهذا ما يؤشر ربما إلى وجود ضوء أخضر أمريكي للتسوية في دارفور. من الواضح أن اسرائيل ستكون الخاسر الأول من اتفاق السلام بين الحكومة السودانية ومتمردي دارفور إذا ما كُتب له أن يُنفذ. ومن هنا يمكن رصد تباعد بدأ يتبلور بين السياستين الأمريكية والإسرائيلية في شأن نزاع دارفور، ففيما تستقبل الدولة العبرية بعض قادة التمرد وتُحرضهم على الإستمرار في القتال وتمدهم بالسلاح والعتاد والمال، تنتهج واشنطن مسلكا آخر يمنح الفرصة لتسوية النزاع سلما. ويكفي أن نلحظ المنطق الذي اعتمدته وزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري كلينتون أثناء زيارتها للصين، والذي طغى عليه تغليب المصالح الإقتصادية على القيم والمبادئ الديمقراطية، كي ندرك أن هناك مراعاة للقواسم المشتركة بين واشنطن وبكين. ولا يجهل الأميركيون أن الجولة الحالية للرئيس الصيني هيو جينتاو على أفريقيا رسالة مفادها أن الصينيين يعتزمون تعزيز حضورهم في القارة ومن ضمنها السودان. كذلك يرى نظام الفريق عمر البشير في الصين حليفه الأول في مجلس الأمن والمنظمات الدولية لمنع تحريك ملاحقة دولية في حقه بتهمة ارتكاب جرائم حرب. والظاهر أن هناك تشجيعا أمريكيا صامتا لاستكمال الحوار مع باقي الفصائل تمهيدا للتوصل إلى اتفاق سلام نهائي. وهناك مساع قطرية لحث فصائل المتمردين الأخرى على الإنضمام لمسار المصالحة. طبعا مازالت الطريق طويلة ومحفوفة بمخاطر جمة، غير أن المناخ تغير. وينبغي التقاط هذه الفرصة لإحلال السلام في المنطقة بعد حرب مدمرة استمرت ست سنوات وسقط خلالها ثلاث مائة قتيل حسب إحصاءات الأممالمتحدة وعشرة آلاف فقط بحسب الحكومة السودانية، بالإضافة لنحو ثلاثة ملايين لاجئ تركوا بيوتهم ليعيشوا تحت الخيام في ظروف ضنكة. والمُرجح أن الدوحة تعمل على تهيئة الأجواء لمؤتمر دولي يضع حدا نهائيا للنزاع باعتباره الإطار الملائم لإشراك جميع الأطراف الإقليمية والدولية، بالإضافة طبعا للفرقاء السودانيين، في صُنع السلام ومن ثم الإلتزام به. وهذا يحتاج التزاما واضحا من الدول الكبرى لدعم السلام في دارفور وخاصة من بريطانيا التي تبدو وكأنها تُعامل السودان بمنطق الثأر وتصفية الحسابات الموروثة من الحقبة الإستعمارية. في المقابل تُبدي الصين اهتماما سياسيا واقتصاديا وعسكريا بالسودان وتُعامله على أنه ركيزة مهمة لانتشارها الإستراتيجي في أفريقيا. وهي تُظهر من خلال الجولة الحالية لرئيسها في القارة، الرابعة في نوعها منذ سنة 2003، أنها حريصة على مصادر الطاقة التي تحتاجها نهضتها الصناعية والزراعية. وتستورد الصين أكثر من ثلث حاجاتها النفطية من أفريقيا وخاصة من أنغولا، لكنها تبدي أيضا اهتماما كبيرا بنفط السودان. وهذا ما يُفسر وقوفها بقوة إلى جانب الحكومة السودانية في مجلس الأمن وفي وجه الحملات التي قادتها دول غربية سعيا لملاحقة الرئيس عمر البشير بتهمة ارتكاب جرائم حرب قبل نهاية الشهر الجاري. وإذا ثبت أن واشنطن لن تعارض التوصل لاتفاق سلام يُنهي النزاع في دارفور، سيغدو من الصعب على العواصمالغربية المعادية للنظام السوداني أن تُعطل مسار التسوية السلمية. وسيكون هذا المنحى هو الغالب وسيُنهي سبعين في المائة من مصادر الخلافات بين السودان وجيرانها الذين تتهمهم بدعم التمرد. ليس سرا أن منطقتي وسط أفريقيا وشرقها تُعانيان من صراعات وحروب عبثية بين الجيران سواء بين السودان وأفريقيا الوسطى، أو بين أثيوبيا وأريتريا، أو بين السودان وأثيوبيا، أو الصومال وأثيوبيا، أوالسودان وأوغندا ... غير أن هذا المناخ سيتغير إذا ما عاد السلام إلى دارفور التي تشكل بؤرة للعنف والعنف المضاد ومصدرا للمشاحنات بين الجيران. من نافل القول التأكيد على أن نهاية الحرب في دارفور لن تحل كل المشاكل العالقة، وفي مقدمتها الخلافات الحدودية، فهي لن تعيد الإستقرار للمنطقة بعصا سحرية، لكنها الخطوة الأولى اللازمة نحو إنهاء معاناة ملايين البشر الذين يتضورون من الجوع ويعيشون في خيام وملاجئ بلا أدنى مقومات الكرامة.