تتواصل الهجمات الاسرائيلية على المناطق اللبنانية مستهدفة بشكل رئيسي بنية لبنان التحتية، من محطات الطاقة الكهربائية والجسور والطرقات العامة. وتتواصل مع تلك الغارات، معاناة كثير من اللبنانيين، الذين أعلنوا عن عزمهم التمسك بإصرارهم على البقاء والصمود والعيش. الأمر ليس سهلاً بالطبع، خاصة في بلد عاش فترة مشتعلة بالتفجيرات المتلاحقة، وكان يحاول القيام من جديد لاعادة بناء استقراره الاقتصادي والسياسي. يشهد لبنان حالياً حركة نزوح داخلي لم يعرف مثلها منذ زمن طويل. فشوارع بيروت فرغت، حيث انتقل سكانها بمجملهم إلى القرى والمناطق الجبلية البعيدة، خوفاً من القنابل والقذائف الإسرائيلية، التي تطال المرافئ الحيوية، والأحياء السكنية. فها هم سكان لبنان يذهبون شرقاً وشمالاً وغرباً، وليس جنوباً، الذي أصبح نقطة ساخنة، كونه ركيزة أساسية لحزب الله، الذي هو الهدف الأبرز للصواريخ الإسرائيلية. فاتن، التي هي أصلاً من سكان منطقة الأشرفية ببيروت، تقول: "تركت بيتي مع عائلتي، وانتقلت إلى السكن في الجبل مع أهلي، فأولادي لم يتحملوا سماع القذائف المتلاحقة التي لا تتوقف لا في الليل ولا في النهار، فضلاً عن دخان الحرائق الذي يلف المنطقة." وتضيف فاتن: "لماذا علينا نحن المدنيين أن ندفع من دمنا ولحمنا وممتلكاتنا ثمن خطف حزب الله للرهينتين؟" حال فاتن لا يتلف كثيراً عن حال فؤاد، الذي يقول إنه غادر منزله الكائن في الدامور، وهي منطقة في الجنوب اللبناني، وانتقل إلى شمال لبنان، خوفاً على أهله الذين انتقلوا معه. ويقول فؤاد: "أصبح العيش صعباً جداً في هذه المنطقة، حيث لا ماء ولا كهرباء ولا غذاء.. فأمي مريضة، وسيل القنابل المتلاحقة منعني حتى من التوجه إلى أقرب صيدلية لشراء الدواء لها. ما ذنبي؟ ما ذنب أمي؟.. أين حقوق الانسان في بلد يدفع فيه جميع المدنيون ثمن تصرفات فئة خاصة ومحدودة ؟." ويضيف فؤاد: "اسرائيل تبرر ما تقوم به كرد فعل على خطف معتقلين لها على يد حزب الله.. إلا أن رد الفعل أكبر وأبشع من الفعل بكثير، فلتصفِ حساباتها مع حزب الله، ولترحم المواطنين الأبرياء من صواريخها التي لا تفرق بين الأبرار!!." اللبنانيون عرفوا الحرب مراراً، وعاشوها تكراراً.. وها هم مرة أخرى يهمون بزيارة البقالات للتبضع بالمواد الغذائية، والمتطلبات الأولية، تحسباً لأي طارئ، خاصة وأن الحرب قد تطول ولا مؤشر لنهاية قريبة حتى الآن. شوارع بيروت خالية، وحتى أكثر الأماكن ازدحاماً بدت مهجورة، تتساءل عن روادها.. فالناس في حالة قلق متزايد، ومساعي المسؤولين، ولو تكثفت تبقى حتى الآن مجرد محادثات، تنقل آمال شعب بعيش رغيد وأمن عتيد. إحباط.. قلق.. وخوف من المستقبل.. هكذا تُختصر معاناة الشارع اللبناني. فالأيام تمر، والدمار يتزايد، وبنية لبنان التحتية تتراجع، واللبنانيين لا تغمض لهم عين في ليلهم الصاخب بالقذائف التي تمنعهم حتى من النوم، ليصبحوا على وطن سيد حر ومستقل!.