الحمد لله , الأخوات الكريمات , الاخوة الأعزاء في حزب المؤتمر من أجل الجمهورية , الأخوات والاخوة الحضور في ندوة السبل الكفيلة بمقاومة التمديد والتوريث : تونس نموذجا .. تحية الى الجميع , وتحية وطنية خالصة الى دعاة الاصلاح الصادقين من أبناء وطني , وسلام على الجاهلين الذين ابتعثوا الى الندوة من أجل التشويش على مساعي الاصلاح ومن أجل الحفاظ على البأساء والضراء كأسلوب أوحد يرتهن حاضر ومستقبل التونسيات والتونسيين ... تحية الى سجناء الرأي وتحية الى القابضين على الجمر داخل وخارج حدود الوطن , وتحية الى الشرفاء الذين نفاهم الاستبداد جزاء أشواق الكرامة والعدل والحرية وأحلام دولة القانون والمؤسسات ... تحية الى المؤمنين بالجمهورية كنظام سياسي يعتمد آليات التداول السلمي على السلطة ويحترم المواطنة ويساوي بين المواطنين ويتوق الى ترسيخ الحريات في كنف احترام الروح العامة للدستور والمواثيق الدولية لحقوق الانسان.
سلام من الله ورحمات للوطن , وسلام من الله ورحمات للجمهورية كما توافق عليها أحرار المجلس القومي التأسيسي سنة 1957 ... -أما بعد : ان الغرب قد نجح في تأسيس ملكيات جمهورية تحظى باحترام شعوبها كما في تأسيس جمهوريات يكون فيها الملك والسلطة للجماهير , حين عرف هذا الأخير اعلاما حرا يعرف كيف يقول لا للسلاطين , عندما تجنح بهم الأهواء نحو الشمولية والاستبداد ..., ففي بريطانيا دفع الصحفيون وقبل أربعة قرون ثمن الملكية الدستورية حين قالوا لا " للملكية المزاجية" التي تحول الأوطان الى ضيعة أميرية تحلب"أبقارها" بحسب أهواء الأمير, أو تروض "قطعانها" حسب أهواء صاحبة الجلالة الملكية ... أصبحت بذلك الصحافة صاحبة الجلالة الحقيقية, وعاد بعدها الملك أو الملكة سلطة تشريفية خاضعة لأحكام الدستور في صيغته العرفية الملزمة... أما نحن اليوم في تونس تحديدا ,وفي باقي دول المنطقة التي تتقاسمنا وضعا مشابها فلا اعلام حر , أو صحافة تشكل سلطة رابعة وتكون رقيبا حقيقيا على السلطات الثلاث , وهو مايعني أن المعركة في التصدي للتمديد والتوريث تمر حتما عبر كسب معارك حرية الاعلام وفرض اعلام بديل , يفوق في قوته وجماهيريته ومصداقيته تفاهات ماتقدمه التلفزيونات الصفراء والاذاعات الصفراء والمواقع الصفراء والصحف الصفراء وخمالة أو ثمالة المتلاعبين بالدستور والجمهورية . ليس جديدا أن أقول بأن النخبة هي المحرك الحقيقي للجماهير , فمتى صدقت النخبة وتحلت بالشجاعة والمسؤولية التاريخية وضحت من أجل مستقبل أفضل لأوطانها ومواطنيها .., متى تبعتها الشعوب وتمسكت بما تطرحه من مطالب مشروعة وواقعية ... اذا رتبت النخبة أولوياتها على نحو محكم جيد , استطاعت أن تدرك بوعيها أهمية اللحظة التاريخية في التصدي للتمديد والتوريث ,لأنهما في واقعنا الوطني يمثلان تلاعبا مكشوفا بالدستور وتقويضا لجوهر النظام السياسي كما ينص عليه الفصل الأول من الدستور التونسي . فالتمديد والتوريث في واقعنا القطري وماشابهه من أوضاع "التعس" الجمهوري , هو الوجه الاخر للاستبداد والفساد , اذ أن التغيير والاصلاح هما عدوان رئيسان لأحزاب تتمسك بالسلطة منذ حوالي نصف قرن ولعوائل كنست الأحزاب الوطنية ولم تبق فيها الا المتردية والموقوذة والنطيحة , لتحول الأحزاب الوطنية الى فضاء واسع و"صهبجي" للوصولية والانتهازية وعبادة الأصنام البشرية . فالنخبة هي التي تقود قاطرة الاصلاح والتغيير , وتصديها للتمديد والتوريث هو بمعنى اخر المطالبة الحقيقية بالعدل والمساواة والحرية والكرامة والمشاركة الواسعة في السلطة على أساس من التداول , ولاننس طبعا أن في رفعها للواء التغيير رفعا للواء العدالة الاجتماعية في مواجهة احتكارات العوائل وسيطرتها أو نهبها للثروة الوطنية والمال العام . 3- وحدة الصف والالتصاق بالجماهير : كثيرا ماتحدثنا عن الوحدة الوطنية , حتى كدنا أن نلغي الفوارق بين الحاكم والمحكوم , لكن حين يتعلق الأمر بالجلاد في مواجهة المجلود والمستبد في مواجهة شعبه , وحين يتعلق الأمر بالفساد في مواجهة مطالب العدل والشفافية والمساواة , حينئذ لابد من الفرز على أساس : من يقف مع الحضارة وصناعة التاريخ والانتصار لارادة الشعوب ومصلحة الأوطان ؟ , ومن يقف جدارا اسمنتيا للحيلولة دون نهضة الشعوب وتطلعها نحو الكرامة والعزة والسيادة والحرية ؟ على هذا الأساس لابد للمعارضة والنخبة الوطنية أن تتحد حاضرا ومستقبلا من أجل انقاذ الأوطان من حالتي الفساد والاستبداد , وهو مايعني أن توحيد الصفوف في اطار جبهوي مشترك أمر تحتمه الضرورة والواقع والمصلحة الوطنية الأعلى ولاأقول العليا ..! وفي الحالة التونسية قد يعتبر فضاء هيئة 18 أكتوبر للحقوق والحريات فضاء مناسبا , اذا استطاع أن ينفتح على المعارضة في الخارج وعلى الاتحاد العام التونسي للشغل وعلى المستقلين , واذا استطاع أن يلتصق أكثر من أي وقت مضى بالجماهير وهمومها... لابد أن يتسع هذا الفضاء الى طرح مشروع جبهة وطنية موحدة ضد الاستبداد والفساد وضد التمديد والتوريث , وأن ينقل النضال السلمي الى الميدان تدريجيا بما يحول المعركة الى حراك شعبي يومي محوره المركزي لاتمديد ولاتوريث كشعار, ومضمونه الجوهري دولة ديمقراطية تقوم على المواطنة الكاملة والمساواة . واذا لم تنجح حركة 18 أكتوبر في قيادة الجماهير في هذا الاتجاه في ظرف مستقبلي قريب , فلنتنادى بعدها الى اعلان فضاء وطني جديد عنوانه الانقاذ الوطني على أساس جمهورية حقيقية تقوم على ثلاثية الحرية والكرامة والعدل ... تقبلوا أيها الأعزاء , أيتها الكريمات صادق عبارات الشكر , ولي أن أذكر في الأخير بأن للعقل ولادات أخرى تتضح معالمها على ضوء ماسيحدث في الميدان من أقضية وحاجات . دمتم في رعاية الله وحفظ الله الوطن وبناته وأبناءه من طبائع الاستبداد .