تابعت كمعني بتطورات الوضع العربي والمغاربي تصريحات سيف الاسلام القذافي التي أدلى بها في تجمع شبابي بمدينة سرت يوم 20 أوت/أغسطس 2006 ,وسجلت صراحة تطورا ملحوظا في مضمون خطاب هذا الوجه السياسي الطموح ,ولعلها لم تكن المرة الأولى التي كتبت فيها عن الروح التجديدية في خطاب القذافي الابن ولمحت الى ضرورة وجود نوع من التعاون بين هذه الطموحات المصرح بها منذ فترة وبين أطياف المعارضة الليبية قصد تجريد مراكز القوة المحافظة من امكانيات الاحتفاظ بالوضع القائم في ظل دولة بلا دستور وحكم مازالت تطغى عليه قوى مصلحية لايضبطها قانون ولا سلطان في تسيير ماهو أشبه بمؤسسات بدائية للدولة. اليوم تجدني مضطرا الى العودة الى هذا الموضوع بأكثر الحاحية ومسؤولية بعد أن استيقنت بأن ارادة داخلية وأخرى خارجية قد توافقتا على تسليم زمام الأمور الى القائد الجديد لليبيا الغد كما اصطلح على تسميتها سيف الاسلام القذافي. لاتحدوني ارادة مطلقا في ممارسة وصاية على الاخوان والأشقاء في ليبيا ,فأهل طرابلس وبني غازي والكفرة وجدابية ومصراتة وسرت وغيرها من مدن وحواضر وبوادي ليبيا أدرى بشعابها ,غير أن مايجمعنا بهؤلاء الأشقاء والجيران والاخوان هو أكبر من أن تحده مصالح قطرية أو حدود لم تكن مسطرة بهذه الطريقة الصارمة في يوم من الأيام. ان المتأمل في نص كل خطاب جميل لا بد أن ينصف مواضع الكلم من مواضع التحريف,وهو ماينطبق على كثير من مفاصل خطاب سيف الاسلام حيث أن انكار القذافي الابن لغياب سلطة الشعب واقراره بالالتفاف في ليبيا على النظام الديمقراطي مع الاعتراف بما تعرض له المعارضون وأصحاب الرأي من بهذلة باسم الشعب علاوة على اقرار صريح بانعدام حرية الاعلام من خلال ماأورده من تهكم على واقع الاعلام الليبي الذي تتحكم فيه أربعة عناوين لايكتب فيها الا قلة من الأشخاص,كل ذلك لابد أن يلقى من كل متابع ومراقب منصف للأوضاع الليبية الا التقدير والاحترام والاذان الصاغية. ان معالجة حقيقية للأوضاع الانتقالية وغير المرضية التي تمر بها ليبيا لابد أن يمر حتما عبر تشخيص سليم للأوضاع العامة,ولعل التشخيص الذي قام به سيف الاسلام لابد أن يلقى من المعارضين الليبيين مهما كانت درجة اختلافهم مع النظام القائم واليات الحكم فيه كل التشجيع والاحترام ,غير أن مايبدونه من مخاوف وهواجس يمكن ابقاؤه في اطار الأمر المشروع وذلك حرصا من هذه القوى المعارضة والوطنية على عدم تبديد امال النخب الليبية في رؤية مشروع اصلاحي يعيد لليبيا نظارتها داخليا ودوليا في اطار حكم دولة القانون والمؤسسات,ومن هنا أمكن تفهم كل المخاوف التي أبداها الاخوان والأساتذة محمود شمام وحسن الأمين وجمعة القماطي أو ماتحدث عنه الأستاذ محمود الناكوع من وجود خطابين سياسيين يحكمان الساحة الليبية. ان ليبيا اليوم بلا شك في انتظار ليبيا الغد على حد تعبير سيف الاسلام ,كما أن ليبيا اليوم في تطلع كبير لليبيا المستقبل كما يرنو اليها أخونا الأستاذ حسن الأمين,غير أننا بين رؤية الاخوان المسلمين وماطرحه المهندس عبد القادر سليمان ومحاذير بعض قادة ووجوه الجبهة الوطنية لانقاذ ليبيا نلحظ مسافة في الخطاب قد تأتي على تماسك الجبهة المعارضة بما يخدم القوى المحافظة في ليبيا وهي بلا شك لاتريد اصلاحا ولادمقرطة وانما أجهزة ثورية مهيمنة على دواليب الدولة. مايقدمه الاخوان من طروحات في منتهى الليونة قد يكون مفهوما ومقبولا ومشروعا بعد انتكاس كل الطروحات الثورية واصطدامها بأجهزة قائمة وموجودة وغير مستعدة للتنازل عن امتيازات السلطان في كل أرجاء المنطقة العربية,الا أن في ملاحظات الاخوان في الجبهة الوطنية لانقاذ ليبيا مسافة منطقية جدا من المعقولية التي لاتريد تنزيل سقف مطالبها الى مستوى المباركات والتشكرات المجانية التي تتحول مع الأيام الى تجميد للرؤية الاصلاحية... المعارضة الليبية هي اليوم كأحوج ماتكون الى رص الصفوف باتجاه محاور الاعتدال في الرؤية والتصرف ,وهو مايدعوها على مستوى خارجي الى تنسيق رؤيتها للموضوع وعدم اعطاء الفرصة للقوى المحافظة كي تجهض طموحات الاصلاح وبالتالي محاصرة سيف الاسلام وتهميشه تدريجيا أو استعجاليا عن مواقع القرار,وهي أيضا مدعوة الى التنادي الى مؤتمر وطني واستثنائي وجامع توحد فيه رؤيتها من قضايا العودة الى الوطن والمساهمة في احداث تغيير لفائدة القوى الاصلاحية من داخل ترابها الوطني ومن ثم الوقوف على أرضية مشتركة فيما يخص القضايا المطروحة على لسان سيف الاسلام ومن يقف معه على أجندة التغيير المستقبلي. لاينبغي أن تمر هذه الفرصة ضائعة دون استثمار سياسي يحقق الحد الأدنى من طموحات الأشقاء في ليبيا في رؤية بلدهم وشعبهم معززا مكرما في اطار من احترام الحريات وحقوق الانسان واعادة الاعتبار لحكم المؤسسات ودولة القانون,ولعلني أكون جريئا وصريحا اذا قلت بأن وجود سيف الاسلام كطرف فاعل في معادلة التغيير وبتحالف مع قوى المعارضة في الداخل والخارج من شأنه أن يفتح أفقا سياسيا جديدا لليبيا قد تعجز عنه كل المغامرات والأفكار الجميلة التي تفتقد الى الأرضيات الصلبة ولاسيما بعد أن تبين بالكاشف أن الرهان على الولاياتالمتحدةالأمريكية أو القوى العظمى في احداث تغيير قسري او ثوري يطيح بالنظام قد أصبح من باب الحلم أو الخيال وخاصة بعد أن اسقطت الولاياتالمتحدة لاسم ليبيا كدولة من قائمة الدول الراعية للارهاب. الرهان على سيف الاسلام والقوى الاصلاحية في الداخل والخارج لابد أن يكون بعيدا عن عقد التوريث وغير ذلك من الحقائق أو حتى الاتهامات طالما أن الهدف نبيل والوصول اليه قد يكلف الأشقاء في ليبيا أقل وأطول المكابدات والتضحيات. *كاتب واعلامي تونسي : [email protected]