مرسل الكسيبي:" ليس غريبا أن يبكي "آلي عازر" مبارك , وليس أمرا مستغربا أن ينحب آخرون من قبيلته زين العابدين بن علي , فقد خسر مشروع الاستعمار بزوالهما عرصتان من أعمدة امبريالية العصر ..." أن يعمد البعض الى ترويج خبر كاذب مفاده اختطاف سائحة جزائرية بمدينة سوسة الساحلية أو الى بناء الخبر على موضوعة الاغتصاب , فان ذلك ليس أمرا بريئا يحمل على وجه النسبية في العمل الاعلامي أواحتمالات الخطأ فيه كعمل بشري ! زرت تونس قبل ثلاثة أسابيع وللمرة الثانية بعد ثورتها المجيدة , وقد حملت معي قبل الحلول بأرضها هواجس الانفلات الأمني وأخبار "البراكاجات" كما تروج لها أطراف عدة ليس من مصلحتها نجاح الثورة , لأكتشف وعلى مدار أسبوعين صورة مشرقة عن بلد عاد الى صناعة الحياة بشكل طبيعي ... منذ ركوب الطائرة بمطار فرانكفورت الدولي شاهدت وبأم عيني عودة الحراك السياحي باتجاه تونس في نسق شبه طبيعي , اذ تناصف الركاب الألمان المقاعد مع أبناء تونس وبناتها المقيمين خارج حدود الوطن... تحدث بعض الألمان وبصوت مسموع حال وصولهم الى مطار قرطاج الدولي عن تنفسهم الصعداء بزوال صور بن علي من ساحات وشوارع تونس , فقد كانت صوره العملاقة المكتسحة لجغرافيا البلاد مؤشر حكم شمولي متخلف لم يعهدوه الا زمن ايريك هونيكر أو زمن الحقبة الهتلرية... كان الجو في تونس طبيعيا للغاية , فقد عادت وحدات الأمن الى الانتشار في المدن والقرى , لتمارس دورا قانونيا في مراقبة العربات أو التصدي للجرائم المخلة بالأمن العام ... لم تخل تونس أثناء زيارتي رغم ذلك , من احتجاجات عمالية في بعض القطاعات بجهة صفاقس - شركة بريتش غاز- أو بجهة القيروان أو قبلي.., في اطار حراك اجتماعي أو نقابي لأصحاب الشاحنات أو غيرهم من الناشطين في مجال النقل العمومي ... وبالمقابل كان الفضاء السياسي نشطا جدا , اذ شهدت بصفتي الاعلامية اجتماعات حزبية غلب عليها النشاط التعبوي لبعض الأطراف السياسية الأكثر فعالية ... يمكنني القول بأن حركة النهضة كانت الأكثر حضورا على مستوى رسم معالم الحالة التعبوية في صفوف الجماهير , غير أنني سجلت مناشط للحزب الوطني الديمقراطي ذي التوجه اليساري ومناشط أخرى للمؤتمر من أجل الجمهورية ..., في حين أن اللافت كان انتشارا ملحوظا لصور عملاقة في اللوحات الاشهارية للسيد أحمد نجيب الشابي والآنسة مية الجريبي أبرز قيادات الحزب الديمقراطي التقدمي ... يبدو الجو العام في تونس مشحونا باتهامات استيعاب عناصر تجمعية وأخرى متهمة بالفساد المالي في صفوف بعض الأحزاب القانونية , ومالفت الانتباه أكثر هو أحاديث عن اجتماع السيد أحمد نجيب الشابي بمسرح الهواء الطلق بسيدي منصور بولاية صفاقس ..., فقد كثر القيل والقال أثناء زيارتي عن مبالغ مالية معتبرة صرفت على هذا الاجتماع , وعن حضور دخلاء على عالم السياسة مدارج المسرح ...وعن "تورط" شخص عرف بقربه من الطرابلسية في التعبئة للاجتماع المذكور ... وبقطع النظر عن مدى صحة كل ماورد في هذه الأحاديث المتداولة بجهة صفاقس, الا أن ذلك لايستنقص من مكانة السيد نجيب الشابي الذي يبدو مصرا على افتكاك مكانة بارزة في المشهد الحزبي والوطني بعد سقوط بن علي... ماأؤكد عليه في ظل زيارتي الجديدة للوطن , هو مناخ الاستقرار العام برغم المستجدات المؤلمة بجهة المتلوي , اذ تبدو الاشاعة الموجهة والملغومة مصدر آلام جديدة بجزء جغرافي عزيز من جهة قفصة ... الواضح أن الموالين للديكتاتور المخلوع وبقاياه المالية والبشرية , تحاول اشاعة الخبر الكاذب بما يعكر المناخ الوطني والاستقرار ..., فهؤلاء يعمدون الى ترويج أخبار كاذبة عن الفوضى والاعتصامات والاضرابات والاحتجاجات والسرقات .., غير أن هذه الأخبار تخلو في كثير من الأحيان من الدقة أو الصحة .., والغرض من ترويجها هو ابراز الثورة بمظهر قبيح وابراز تونس بعد بن علي بمظهر البلد المتهاوي !... يتمنى ديكتاتور تونس المخلوع والمتمعشون من حكمه الفاسد والمستبد , أن تتحول تونس الى ساحة للفوضى والظلام , حتى يبشروا العالم بفشل الثورة ..., وهو مايعمدون له من خلال ترويج الأكاذيب مثلما هو شأن خبر اختطاف أو اغتصاب السائحة الجزائرية !!!, أو مثلما هو شأنهم باثارة حرب داحس والغبراء بين مختلف المدارس الفكرية والسياسية !, ولعل في اعادة انتاجهم الاعلامي لفزاعة الخطر الاسلاموي .., اثباتا آخر لتمسك هؤلاء بمقولة بن علي أو الطوفان !!! استراتيجيات قديمة جديدة يعاد اخراجها على نفس الركح وبفصول مختلفة , حتى يقنعوا العالم بعدم أهلية التونسيين والعالم العربي بالمشروع الديمقراطي ..., أي بعبارة أخرى دفع المجتمع الدولي لمحاصرة تجربة الانتقال الديمقراطي وامتداداتها في دول الربيع العربي... أجزم القول بأن خيوط اللعبة والمؤامرة على الثورات تبدو في مسارح أرضها تونسية ومصرية وسورية وليبية ويمنية ..., غير أن محركيها هم جزء من لعبة خارجية لاتريد الخير والنماء والتقدم لدول المنطقة ..., فقد حول قادة بائدون طاقات عظيمة الى ثقوب سوداء تبتلع الفكر والسياسة والاقتصاد والمصالح الاستراتيجية لفائدة جهات تراهن على تواصل مشوار الاستعمار والاذلال... ليس غريبا أن يبكي "آلي عازر" مبارك , وليس أمرا مستغربا أن ينحب آخرون من قبيلته زين العابدين بن علي , فقد خسر مشروع الاستعمار بزوالهما عرصتان من أعمدة امبريالية العصر ... ان الديمقراطية الصادقة تكون بتعميمها جغرافيا على العالم والاستفادة منها في أفق دولي وانساني, أما الديمقراطية الاحتكارية حين تكون حقا محفوظ الطباعة والنشر في أفق غربي , فهي تواصل ماضوي مع ارث استعماري لايريد للمنطقة الا اقتصادا ريعيا أو سوقا كبرى لترويج صناعات دول الغرب ! لقد طلبنا الديمقراطية هذه المرة في ربوع عالمنا العربي بصدق , ولن نقبل بها صناعة مغشوشة حين يراد لها أن تكون الوجه الآخر لحلم منشود غير أنه كاذب !... فاعملوا أهل تونس , فان لثورتكم مجد , لن يتحقق الا بقطار الدمقرطة والعدل الصادق ..! كتبه مرسل الكسيبي* بتاريخ 5 جويلية 2011 *كاتب واعلامي تونسي مقيم بألمانيا