الحوار الاسلامي الأوروبي منطلقنا في أي رؤية مستقبلية : لم يكن هذا الموقف سرا أفشيته للأستاذ الكريم صلاح الدين الجورشي حين استفتاني في الموضوع قبل سنة بالتمام والكمال , ضمن ورقة بحثية طلب منه اعدادها لفائدة مركز الدراسات السياسية الأوروبية (CEPS) , بل انه كان موقفا معلنا لي من ذي قبل , وقد سبقته جلسات حوارية مع بعض المسؤولين السياسيين والحقوقيين والجامعيين بالوسط النخبوي الألماني , وقد تطور لاحقا الى جلسات استماع وصداقة مع مسؤولين في الأحزاب السياسية الفاعلة في الحياة السياسية الألمانية. مرسل الكسيبي*-الوسط التونسية- صحف وشبكات اخبارية: ضمن مشاركة مفتوحة في حوار اسلامي أوروبي سبق لي وأن عبرت وبشكل واضح وفي مناسبات عدة عن ضرورة مد الجسور مع دول الاتحاد الأوروبي وتوثيق عرى العلاقات الثقافية والسياسية والاقتصادية بين أعضاء هذا الاتحاد العملاق وبين مكونات التيار الاسلامي المعتدل في منطقتنا العربية والاسلامية وعلى وجه الخصوص منطقتنا المغاربية . الحوار الاسلامي الأوروبي منطلقنا في أي رؤية مستقبلية : لم يكن هذا الموقف سرا أفشيته للأستاذ الكريم صلاح الدين الجورشي حين استفتاني في الموضوع قبل سنة بالتمام والكمال , ضمن ورقة بحثية طلب منه اعدادها لفائدة مركز الدراسات السياسية الأوروبية (CEPS) , بل انه كان موقفا معلنا لي من ذي قبل , وقد سبقته جلسات حوارية مع بعض المسؤولين السياسيين والحقوقيين والجامعيين بالوسط النخبوي الألماني , وقد تطور لاحقا الى جلسات استماع وصداقة مع مسؤولين في الأحزاب السياسية الفاعلة في الحياة السياسية الألمانية. ماينبغي التأكيد عليه ضمن هذا الاطار أن الحوار والجدل في الشأن السياسي المغاربي والتونسي لم يخرج عن اطار المطالبة باحترام تعهدات هذه الدول في المجال الحقوقي والسياسي ومن ثمة عدم التشجيع أو عدم السكوت على الخروقات الواضحة في مجال الحريات العامة والخاصة والحقوق الأساسية . ومن باب الشفافية والأمانة فاننا نرفض التدخل الخارجي المبني على تغليب المصالح الاقتصادية والمالية على ماسواها من قيم انسانية وحقوقية عالمية ونطالب بتفعيل اليات عالمية للرقابة والضغط المشروع على الأنظمة التي تبالغ في امتهان الكرامة البشرية وتتوغل دون قيد أو شرط في قمع مجتمعاتها المدنية . وحتى نكون من المنصفين فان هذا التعاون المشروع بين المجتمعات المدنية العربية والعالمية وكل المؤمنين بانسانية الانسان على اختلاف الأصول الدينية والاثنية لاينبغي أن يخرج في نظرنا عن أجندات وطنية تقدم المصالح الاستراتيجية على الاعتبارات السياسية والحزبية الظرفية وتسعى الى ايجاد مناخ سياسي محلي واقليمي ناضج يحترم قيم المأسسة ويعزز من مربعات الحريات . هذه الرؤية السياسية المنبثقة من مفهوم اسلام حضاري وتوجه وطني في العلاقات بين الدول والشعوب , لاتخل بأي حال من الأحوال من استقلالية القرار الوطني وسيادة بلدان المنطقة كما رغبة شعوبها في معايشة تجارب سياسية أكثر نضجا وانفتاحا وتأقلما مع متطلبات الأصالة ومقتضيات الحداثة والعصر. أما على مستوى مراعاة المصالح الاقتصادية الأوروبية والغربية في بلادنا عموما , فاننا نعتقد أن على التيارات الاسلامية المعتدلة واجب حفظ وتعهد كل الاتفاقات الدولية القائمة في هذا المضمار ,مع الحرص على ايجاد علاقات دولية مالية متوازنة تحفظ مصالحنا الوطنية وتتعهد بحماية منشاتنا العامة . نفس هذا التصور لابد أن ينسحب على حفظ حقوق الأقليات الدينية وتعهدها بالحماية ضمن اطار يعمق احترام حرية المعتقد ويجذر حق الاخرين في ممارسة الطقوس والشعائر الدينية وهو ما يقتضي طبعا تحمل الاختلاف مع أصحاب الملل والنحل من رعايا مصالح الدول الأجنبية لينصرف الأمر الى حماية دور العبادة ومؤسساتها الدينية القائمة أو القابلة للانشاء والرعاية من قبل مصالح دولها أو جماعاتها الوافدة ضمن الأطر الاقتصادية أو الديبلوماسية المتعارف عليها في اطار العلاقات الدولية الراسخة. رؤية اسلامية أكثر انفتاحا على الادارة الأمريكية : اذا كنا نسجل كغيرنا من المثقفين المسلمين احترازنا على السياسة الأمريكية الخارجية في دول العراق وفلسطين وبعض بلدان الشرق الأوسط ذات الاحتكاك المباشر بصراعات تدور رحاها في هذه البلدان , فاننا بالمقابل نرى بأن هذا لا يوجب على شعوب المنطقة الاسلامية وممثليها مماهاة الموقف السياسي الخارجي مع اكراهات الوضع الحساس في بؤر التوتر العربي والاسلامي , بل ان الأمر يقتضي في نظرنا رؤية مستقبلية واستراتيجية أكثر فرزا واقترابا الى مصالح بلداننا مع التحفظ والاحتراز في الموضوعات الأخرى التي لانعتقد بأن الحل فيها سيكون من خلال توتير العلاقات مع أكبر دولة مؤثرة في السياسة العالمية ,بل اننا نراه من خلال نسج علاقات أكثر توازنا وتفهما لمصالح شعوبنا في حياة أكثر أمنا واستقرارا واحتراما للذات البشرية وتطلعاتها الى مناخات سياسية أكثر انفتاحا والى مناخات اقتصادية أكثر رفاها والى عالم أقل نزاعات وحروب مدمرة . ان الحل للقضية الفلسطينية أو المعضلة العراقية سيكون بالدرجة الأولى فلسطينيا وعراقيا , وهو مايعني أن دعم هذه الشعوب ونصرتها لايمر عبر تغذية الصراعات الداخلية واللعب على التناقضات في الساحات الاقليمية أو النفخ في التمايزات المذهبية والطائفية ... ان الايمان الراسخ بحق الشعب الفلسطيني في دولة مستقلة عاصمتها القدس لابد أن يمر عبر مناخ فلسطيني أكثر نقاء وتماسكا ووحدة وطنية داخلية, وهو مايستوجب تباعا تقليص التلاعب الاقليمي بمصالح الشعب الفلسطيني وترك القوى الفلسطينية أمام مسؤوليتها الوطنية والتاريخية والانسانية من أجل اعادة الأمل للشعب الفلسطيني في مساحة معتبرة من الشرعية الدولية العادلة والضامنة للحقوق الدينية والوطنية الأساسية . ان التيار الاسلامي الوسطي في منطقة المغرب العربي مطالب اليوم وأكثر من أي وقت مضى بتفكيك التوترات السياسية الخارجية عبر نسج شبكة من العلاقات الدولية الطبيعية التي تدفع باتجاه الاعتراف بمصالح الاخرين والتعاون المثمر معهم مع تعهد المصالح الوطنية والاقليمية بالحماية والرعاية ضمن توافق حضاري أكثر تفهما لواقع العولمة وتحدياتها الثقافية والاقتصادية والسياسية على الساحة القطرية والمغاربية والمتوسطية . من هذه المنطلقات فان الاستثمار في تطوير العلاقات الأوروبية الاسلامية لابد أن يسير بالتوازي مع عمل دؤوب في تطوير العلاقة مع مؤسسات البحث السياسي الأمريكي وخاصة القريب منها الى دوائر صناعة القرار , اذ أننا بهذا الصدد نرى في قضايا الدمقرطة والاصلاح والمأسسة والانفتاح واحترام معتقدات الشعوب وحقوقها الدينية الأساسية موضوعا خاضعا لمدى تطوير العلاقات الايجابية مع الادارة الأمريكية ومن ثمة الابتعاد بهذه العلاقات عن دائرة التشنج والكراهية والتوتر المدفوعة بواقع الفرز السياسي لما يحدث في العراق وأفغانستان . وللتدليل أخيرا على قيمة المحور الأمريكي في أي عملية اصلاحية سياسية اقليمية مغاربية فاننا نرصد بأن التركيز الأوروبي على الاستثمار في البنية الأساسية المادية كان أكثر من الاستثمار في عمليات بناء القدرات الإنسانية أو حقوق الإنسان. إذ لم تتجاوز على سبيل المثال قيمة المساعدات الأوروبية المقدمة للمغرب الأقصى لبناء القدرات الإنسانية 5% من إجمالي المساعدات الأوروبية، مقارنة بنحو 50% في حالة المساعدات الأمريكية. خلاصة القول بأن التجديد والمراجعة الذان طرحتهما في أوقات سابقة على التيار الاسلامي الوسطي التونسي وغيره من التيارات المعتدلة والشقيقة في بلدان المنطقة لايشمل في نظرنا فقط قراءتها الداخلية لجملة من القضايا الفكرية والسياسية المحلية والداخلية , بل انه يتعداه-أي التجديد- الى مسائل أخرى ذات بعد استراتيجي عالمي لها تأثيرها المباشر الحاسم على أوضاعنا الأمنية والسياسية والاقتصادية والثقافية في الدوائر الوطنية والاقليمية . -حرره مرسل الكسيبي* بتاريخ 16 أكتوبر 2007 نشر على صحيفة حقائق اللندنية بتاريخ 17-10-2007+ ميدل ايست أون لاين بتاريخ 19-10-2007 *كاتب واعلامي تونسي مقيم بألمانيا *رئيس تحرير صحيفة الوسط التونسية