لاحظ مصطفى الفيلالي أن «تفويض السلطة إلى شخص واحد يؤول حتماً إلى الاستبداد»، مشدداً على «ضرورة وضع الآليات الكفيلة بتمكين السلطات من مراقبة بعضها بعضاً»، وعلى أن «تتوافق أحكام الشريعة مع المصالح لتفعيل الحقوق والحريات»، وأن «يُفهم تطبيقها من الجانب الأخلاقي والمحافظة على الضروريات، وكل ما فيه مصلحة الوطن». أجمع شيوخ السياسة التونسية وحكماؤها، والذين كانت لهم تجارب نضالية خلال مرحلة الاستعمار وفي الحكم، أن الإسلام، باعتباره دين الدولة، هو القاسم المشترك والمرجعية لجميع التونسيين، داعين إلى الابتعاد عن القضايا الخلافية، وتأكيد القيم الديمقراطية في الدستور التونسي الجديد الذي استضافت لجان المجلس الوطني التأسيسي في تونس نقاشاً حوله. وفي هذا الإطار، اقترح عضو المجلس التأسيسي التونسي الأول لعام 1956 أحمد المستيري، الاحتفاظ بالفصل الأول من دستور 1959، الذي ينص على أن تونس «دولة حرة مستقلة ذات سيادة، الإسلام دينها، والعربية لغتها، والجمهورية نظامها» باعتباره يمثل صيغة «وفاق» بين التونسيين حول الهوية. مبادئ أساسية وقال خلال جلسة استماع خصصتها اللجنة إن التونسيين «تعودوا على اعتبار الدين من المسائل الشخصية التي تهم الفرد وبعيداً عن الإكراه، وهذا في حد ذاته من مبادئ الإسلام.» وطالب المستيري، الذي تحمل مسؤوليات سياسية عدة في مرحلة حكم الرئيس الأسبق الحبيب بورقيبة، وانشق عنه عام 1978، ب«مواصلة السير على طريق هذه الفلسفة في الدستور الجديد»، مؤكداً أن «الديمقراطية الصحيحة تنبني على الحق في الاختلاف واحترام المعتقدات الشخصية، بشرط ألا تضر بتوازن المجتمع». وأفاد أن «محاولات فرض النقاب على المجتمع التونسي وتكفير الرأي المخالف، هي من الظواهر الخطيرة التي تهدد الوحدة الوطنية وأهداف الثورة التونسية»، مضيفاً أن «وضع حرية المعتقد وحرية الفرد والحق في الاختلاف والمساواة أمام القانون، وتقييد سلطة الحاكم ومراقبتها، هي من المبادئ الرئيسة التي يجب أن ينبني عليها الدستور الجديد». و تابع أن «دستور 1959 تضمّن جملة من المبادئ الديمقراطية، إلا أن القيادة السياسية فرضت القيود عليها خوفاً من الصراعات السياسية»، مذكّراً بأن «العديد من الانتفاضات لم يُكتب لها النجاح في عهد بورقيبة، ثم في عهد زين العابدين بن علي، خلافاً لثورة 14 يناير 2011». مسألة متحركة أوضح عضو المجلس التأسيسي لعام 1956 مصطفى الفيلالي، أن الدستور «مسألة متحركة وغير ثابتة، خاصة في ما يتعلق بالعلاقة بين الحاكم والمحكوم». وقال إنه «لا يمكن من هذا المنطلق الاعتماد على 1959 في هذه المرحلة التي تعيشها تونس، باعتبار أن كل دستور يجب أن يكون صالحاً لفترة معينة من الزمن». وأكد الفيلالي أن الحرية «تُعَد حقاً طبيعياً، باعتبارها أساس الكرامة البشرية والقيم الأخلاقية السامية، الدينية منها والدنيوية»، مشيراً إلى أن «الحريات السياسية والمدنية والاقتصادية والاجتماعية، هي من منظور الميدان الدستوري مفاهيم تتطور بحسب الزمان، وبحسب ما يبلغه المجتمع من تطور». ولاحظ الفيلالي أن «تفويض السلطة إلى شخص واحد يؤول حتماً إلى الاستبداد»، مشدداً على «ضرورة وضع الآليات الكفيلة بتمكين السلطات من مراقبة بعضها بعضاً»، وعلى أن «تتوافق أحكام الشريعة مع المصالح لتفعيل الحقوق والحريات»، وأن «يُفهم تطبيقها من الجانب الأخلاقي والمحافظة على الضروريات، وكل ما فيه مصلحة الوطن». مرجعية قيمية أما مقرر دستور 1959، والمسؤول الكبير في نظام بورقيبة خلال فترة الستينيات من القرن الماضي أحمد بن صالح، فأعرب عن قناعته بأن الابتعاد عن التوافق في مسألة الدستور «هو تلاعب بالثورة»، مؤكداً أن «الإسلام كمرجعية قيمية، قاسم مشترك بين جميع الأطراف الممثلة في المجلس التأسيسي والمجتمع، ويجب ألا يكون محل تجاذبات أو احتكار من أي جهة كانت». وأشار إلى «ضرورة الاهتمام باللغة العربية في الدستور ومؤسسات الدولة المقبلة». ست مرجعيات عرض أستاذ القانون الدستوري ورئيس هيئة الخبراء ورئيس الهيئة العليا لتحقيق أهداف الثورة والإصلاح السياسي والانتقال الديمقراطي عياض بن عاشور، أمام لجنة التوطئة والمبادئ الأساسية وتعديل الدستور، التابعة للمجلس الوطني التأسيسي، تصوره لمحتويات هذه الجوانب الدستورية، من حيث الشكل والمضمون، مسدياً العديد من النصائح والتوصيات للجنة، حتى تتوصل إلى أفضل النتائج في المهمة الموكولة إليها. وأوضح أن الرجوع إلى القيم الإسلامية لا بد أن يكون باعتبارها أحد روافد التطور الإنساني ككل، مؤكداً وجوب أن تتفادى اللجنة كل ما يجر إلى الخلافات أو التناقضات، وأن تكتفي بكل ما هو محل توافق، مشيراً إلى أن القواسم المشتركة بين كل الكتل والأحزاب موجودة. -البيان الاماراتية -التاريخ: 23 مارس 2012