كرة اليد: النجم يطالب بإعادة مباراة الكأس مع ساقية الزيت    اتلاف أكثر من 250 طنًا من المواد الغذائية الفاسدة في ميناء رادس..#خبر_عاجل    الكاف: تساقط البرد يخلف اضرارا بمزارع الحبوب    عاجل/ الاعلان عن اتفاق هام لنهوض بمنظومة اللحوم الحمراء…    مقتل31 شخصا واصابة 57 آخرين في باكستان أعقاب الهجوم الهندي..#خبر_عاجل    عاجل: قرارات ألمانية جديدة تُشدد الخناق على الهجرة    خبير: ''البيراتاج'' في تونس خطر صامت يتربص بنا جميعًا    عاجل/ نائب بالبرلمان يفجرها ويوجه اتهاما خطيرا لوزيرة التربية السابقة سلوى العباسي ويكشف..    بطولة روما للتنس للماسترز: أنس جابر الى الدور الثالث بعد انسحاب منافستها التشيكية بيترا كفيتوفا    فظيع/ هلاك امرأة وطفلها في انفجار قارورة غاز..    8 سنوات سجناً لعائد من صفوف تنظيم "داعش" الإرهابي: غادر بعد "دمغجة" في المساجد وفرّ من التنظيم ليسلّم نفسه    توقيع اتفاقية إطار للتعاون في مجال التكوين السياحي بين تونس وموريتانيا    إحالة وزير الشؤون الدينية السابق وإعلامي وصاحب وكالة أسفار على الدائرة الجنائية في قضايا فساد    كأس تونس 2025: تفاصيل المباريات المنتظرة في ربع النهائي    عاجل: 3 إعفاءات في وزارة العدل    عاجل | ضرائب العقارات والتجارة تخضع لمعاينات ميدانية صارمة بداية من جوان 2025    هذا فحوى لقاء رئيس الجمهورية برئيسي البرلمان ومجلس الجهات والأقاليم..    وزير الخارجية يؤكد على تعزيز الشراكة مع الاتحاد الأوروبي استعدادًا للذكرى الثلاثين لاتفاقية 1995    في اجتماع لجنة مقاومة الاحتكار: استعدادات لعيد الإضحى والموسم السياحي    قاض أميركي يوقف خطط ترامب لترحيل المهاجرين إلى ليبيا!    زلزال بقوة 5.1 درجات يضرب هذه المنطقة..#خبر_عاجل    البيت الأبيض بلا سيدة أولى.. ما سر غياب ميلانيا ترامب؟    اتحاد الفلاحة: بيع أضاحي العيد عبر الفايسبوك وسيلة للتقليص من الوسطاء    عيد السنة... ما ثماش قصّان: الماء حاضر في ''ديار التوانسة!''    بعد تنفيس سُد ملاق....اتحاد الفلاحة يُطمئن التونسيين    بعد كميات الأمطار الأخيرة...وادي مليز يتصدر ب 46 مم    مجموعة من صانعي المحتوى يروجون للسياحة بجهة جندوبة    فضيحة ''المدير المزيّف'' تطيح بأعوان بإدارة الفلاحة    الأمطار مستمرة في الشمال: التوقعات الجديدة لحالة الطقس هذا الأسبوع    هام/ تعرف على أسهل طريقة لخفض ضغط الدم دون التوقف عن تناول الملح..    كاس امير قطر - نعيم السليتي يضع بصمته في تاهل فريقه الشمال على حساب العربي    بداية من اليوم: الجامعة العامة للصحة تنظم تحركات احتجاجية يومية    بدلا من "الفارسي".. غوغل يعتمد اسم "الخليج العربي"    ثلاثة جرحى في حادث دهس في باريس وهذا ما قالته الشرطة الفرنسية    عاجل/ سيناريو ماي وجوان 2023 سيتكرر بقوة أكبر وأمطار غزيرة متوقعة..    اليوم: طقس ممطر والحرارة تصل إلى 38 درجة بأقصى الجنوب    رويز وحكيمي يقودان سان جيرمان لنهائي رابطة الأبطال على حساب أرسنال    النادي الافريقي.. عرض قطري ليوسف سنانة    صفاقس : بالشعر مهرجان سيدي عباس يُسدل الستار على دورته 31    عشرية الغنيمة لم تترك لنا غير الدّعاء    وزيرة الثقافة تطالب بحلول عاجلة لمراكز الفنون الدرامية    مصر.. رفض دعاوى إعلامية شهيرة زعمت زواجها من الفنان محمود عبد العزيز    ولاية أريانة تستعد لانطلاق فعاليات الدورة 29 لعيد الورد من 9 إلى 25 ماي 2025    طقس الليلة يكون احيانا كثيف السحب مع امطار مؤقتا رعدية    مطار قرطاج: ضبط كمية من الذهب وايقاف مسافرتين    اجتماع تنسيقي بين وزارة الشؤون الثقافية واتحاد إذاعات الدول العربية تحضيرا لمهرجان الإذاعة والتلفزيون    نفوق 7 أبقار بالمهدية.. الاتحاد الجهوي للفلاحة يوضح    مركز البحوث والدراسات والتوثيق والاعلام حول المرأة ينظم تظاهرة فكرية ثقافية حول 'المرأة والتراث بالكاف    تحذير هام من الإستخدام العشوائي للمكمّلات الغذائية.. #خبر_عاجل    كيف تتصرف إذا ''لسعتك عقرب والا عضّتك أفعى''    عاجل/ البحر يلفظ جثة بهذه الولاية    اليوم في المسرح البلدي بالعاصمة: فيصل الحضيري يقدم "كاستينغ" امام شبابيك مغلقة    عاجل/ نفوق عدد من الأبقار ببنزرت..وممثّل نقابة الفلاحين بالجهة يكشف ويُوضّح..    سامي المقدم: معرض تونس للكتاب 39... متاهة تنظيمية حقيقية    وزارة الصحة: احمي سَمعِك قبل ما تندم... الصوت العالي ما يرحمش    قبل أن تحج: تعرف على أخطر المحرمات التي قد تُفسد مناسك حجك بالكامل!    دليلك الكامل لمناسك الحج خطوة بخطوة: من الإحرام إلى طواف الوداع    أولا وأخيرا: أم القضايا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



العلاقات الفرنسية التونسية والإرث الاستعماري.. محاولات الهيمنة لم تتوقف
نشر في الوسط التونسية يوم 13 - 02 - 2013

ما تبديه فرنسا من عداوة صريحة للتيار الإسلامي يكشف عن طبيعة العقلية الاستعمارية التي يصدر عنها العقل السياسي الفرنسي في تعامله مع الديمقراطية الناشئة في تونس حيث يرفض الرئيس الفرنسي زيارة البلاد قبل الانتخابات القادمة (على أمل فوز أتباع فرنسا فيها) وهو أمر سيكون له اثر عكسي من حيث انه سيخلق اصطفافا على خلفية ثقافية بين تيار الهوية وأنصار الفرنكوفونية وهو ما قد يمنح الفرصة للإسلاميين للفوز في الانتخابات القادمة نكاية بفرنسا ورفضا لحالة الوصاية التي تحاول فرضها على شعب قام بثورة طلبا للانعتاق وللحرية في أسمى معانيها .
تكشف التصريحات الرسمية الفرنسية والتي أدلى بها وزير الداخلية الفرنسي مؤخرا عن الوضع في تونس والتي يكشف فيها عن حالة عدائية متأصلة للتيارات الإسلامية ،ومن قبلها تصريحات وزير خارجية ساركوزي الذي أعرب فيها عن استعداد فرنسا للتدخل أمنيا وإجهاض الثورة التونسية قبل فرار المخلوع بيومين فقط وهو ما يظهر طبيعة العلاقة بين تونس والمنطقة المغاربية عموما وبين الدولة الاستعمارية السابقة التي لم تتخل عن ارثها الاستعماري بعد. وهو ما يدفع إلى السؤال عن طبيعة العقلية التي يصدر عنها التعامل الفرنسي مع الأوضاع في تونس؟ وهل تخلى السياسيون الفرنسيون عن تعاملهم الاستعماري مع مستعمراتهم السابقة أم أنهم لازالوا بصدد إنتاج ذات الخطاب السائد والذي ينطلق من حالة نفي للآخر العربي الإسلامي والتعامل معه بمنطق القاصر المحتاج لوصاية دائمة ثقافيا وسياسيا وحتى امنيا وعسكريا؟. تاريخيا تميز الاحتلال الفرنسي لتونس (ولباقي المستعمرات الأخرى) بجملة من السمات الأساسية التي يمكن اختصارها في جملة من النقاط المركزية حيث:
ركز الاستعمار الفرنسي لتونس على استنزاف المستعمرة ( بفتح الميم ) اقتصاديا ومارس عليها أقصى أشكال العسف عسكريا.
حرصت فرنسا على تذويب هوية البلاد التي احتلتها حيث قامت بمسخ الشخصية الوطنية وقامت بتركيز ثقافتها ولغتها في تونس بصورة قد لا نجدها لدى نظام استعماري آخر(بل حاولت تغيير عقيدة أهل تونس من خلال انعقاد المؤتمر الافخارستي سنة 1930 والذي وضع استراتيجيا تنصير الشعب التونسي).
خلافا للاستعمار الانغلوفوني الذي ترك هامشا للحريات الثقافية والسياسية (وجود أحزاب وبرلمانات وانتخابات في مصر والهند على سبيل المثال) فإن فرنسا عملت على منع أي تجربة سياسية مستقلة وعاملت شعب تونس بمنطق القاصر الذي ينبغي فرض الحماية عليه بصورة لا تترك له أدنى هامش للحضور خارج المنظومة الفرنكوفونية.
خلقت فرنسا نخبا محلية تدين لها بالولاء والتبعية ثقافيا وسياسيا (وهو أمر أشار له فرانز فانون في كتابه 'معذبو الأرض') تعاونت معها في قمع الهوية المحلية وفي ترسيخ نمط ثقافي هجين يستلهم النموذج من فرنسا الأم الحامية.
واصلت فرنسا بعد انتهاء احتلالها المباشر للأرض سياسة دعم الفرنكوفونية الثقافية وترسيخ التبعية السياسية والثقافية وأحيانا العسكرية بشكل قد لا نجده لدى قوى استعمارية أخرى .
تعاملت فرنسا مع تونس ( ومع مستعمراتها السابقة جميعا) بنمط من المركزية الثقافية وحتى السياسية إلى الحد الذي جعلها تتدخل في شؤونها الداخلية بصورة فجة وهمجية أحيانا.
وانطلاقا من كل هذه العوامل القائمة على فكر الوصاية المعتل واصل السياسيون الفرنسيون بمختلف توجهاتهم (يمينا ويسارا) التعامل مع مستعمرتهم السابقة (وأنا هنا أستعير اللفظة التي استخدمتها مذيعة قناة فرانس 24 الإخبارية عند حديثها عن تونس) بذات العقلية الاستعمارية وهو الأمر الذي مثل عائقا في تواصلهم مع القوى الرافضة لسياساتهم الهيمنية خاصة بعد بداية التحولات الديمقراطية الحاصلة في المنطقة . فبعد ثورة شعب تونس وما أفرزته الانتخابات من وصول الإسلاميين المعتدلين إلى السلطة تحركت فرنسا بشكل يكشف عن انزعاجها من هذه الثورة التي أطاحت بإحدى أعتى الدكتاتوريات الحليفة لها وأدت إلى وصول خصومها الثقافيين إلى السلطة بصورة اعتبرتها تهديدا لما راكمته من ميراث لغوي وفكري ومسا بمصالحها في البلاد .
فالإرث الاستعماري الفرنسي في تونس له تجلياته السياسية والاقتصادية ولكن الأهم هو جانبه الثقافي والفكري الذي تعبر عنه نخب متفرنسة في البلاد تعادي الدين الإسلامي واللغة العربية ولأن تونس تخلو من الأقليات الدينية والعرقية مما يجعل إمكانية التدخل تحت لافتة هذين العاملين غير ذات جدوى، تعاملت فرنسا بنوع من التشنج مع الانتقال الديمقراطي التونسي وعملت على تأزيمه منذ لحظاته الأولى وإذا كان ساركوزي اليميني قد كشف عن خلفياته الاستعمارية من خلال رغبته الواضحة في إنقاذ نظام بن علي فإن فرنسوا هولند الاشتراكي تعامل مع التيار الإسلامي المشارك في الحكم بعدائية واضحة سواء من ناحية إعلامية (الأجهزة الإعلامية الفرنسية بما فيها الحكومية منها تشن حملة متواصلة على القوى الإسلامية التونسية وبصورة تكاد تكون يومية) ليتأكد الأمر مع التصريحات العلنية لوزير الداخلية الفرنسي حيث وصف حزب النهضة المشارك في السلطة بأنه حزب ظلامي مغلق يشكل تهديدا على الديمقراطية والحريات داعيا وبكل صفاقة إلى دعم ما أسماها القوى اللائكية في الانتخابات القادمة للإطاحة بالإسلاميين مستندا إلى صرخات الاستغاثة الوهمية التي يطلقها أتباعهم في تونس والتي لا تخفي رغبتها في إقصاء الإسلاميين ودعوة فرنسا إلى التدخل المباشر في الشأن التونسي لوقف ما تسميه أسلمة المجتمع (هكذا ؟؟).
إن تعقد المشهد السياسي التونسي وتصاعد حالة التجاذب الحزبي والإيديولوجي ودخول البلاد في مضيق انتقالي لازالت لم تخرج منه بعد يجعل كل مراقب يدرك طبيعة الدور السلبي الذي تساهم به فرنسا في إفشال العملية الديمقراطية في تونس ومحاولتها استنساخ النموذج الانقلابي سيء الذكر ضد النظام التعددي الناشئ .
فما تبديه فرنسا من عداوة صريحة للتيار الإسلامي يكشف عن طبيعة العقلية الاستعمارية التي يصدر عنها العقل السياسي الفرنسي في تعامله مع الديمقراطية الناشئة في تونس حيث يرفض الرئيس الفرنسي زيارة البلاد قبل الانتخابات القادمة (على أمل فوز أتباع فرنسا فيها) وهو أمر سيكون له اثر عكسي من حيث انه سيخلق اصطفافا على خلفية ثقافية بين تيار الهوية وأنصار الفرنكوفونية وهو ما قد يمنح الفرصة للإسلاميين للفوز في الانتخابات القادمة نكاية بفرنسا ورفضا لحالة الوصاية التي تحاول فرضها على شعب قام بثورة طلبا للانعتاق وللحرية في أسمى معانيها .
' كاتب من تونس
القدس العربي - 12 فبراير 2013


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.