هل نجحت القيادة النقابيّة في تأكيد حسن تصريفها لشؤون الاتّحاد بما منحها الخروج مستفيدة من المجلس الوطني الأخير ؟ هذا هو السؤال المضجر لقيادة نقابيّة لم يكن لها أن تلغي من ''أجندتها'' إنجاح هذاا لموعد. وكما يقول النقابيّون هناك ''المتربّصون'' من داخل المنظّمة وخارجها، وربّما يفسّر هذا الأمر ما تداول عند بدء عقد أشغال المجلس الوطني من منع لبعض النقابيين من دخول المجلس الوطني وما يؤكّد أنّ الأمور محكومة بالبحث عن انسجام النقابيين. كما أنّ ذلك السؤال هو المحفّز لبعض الألسن لبثّ مواقفها المنتقدة والمناهضة لأداء هذه القيادة كلّ حسب وضعه إذ لا خصوم ولا مناصرين دائمين لمنظّمة متحرّكة، وطبيعي أن تشهد الخلافات داخلها باستمرار وأن تتشابك التحالفات والمصالح مع إطلالة المؤتمر القادم. لعلّه إن طويت ورقة المجلس الوطني حاسمة في بعض المسائل فإنّ ذلك لم يمنع المتابعين والملاحظين من استخلاص أنّ الأمين العام عبد السلام جراد مسك بكلّ تفاصيل ذلك الموعد، مبديا حرصا شديدا على متابعة كلّ الأشغال بشكل أثار انتباه الحاضرين بكلّ ألوانهم. لقد اختلفت التقييمات حول هذا المجلس الوطني. البعض تحدّث عن أنّ ترتيباته لم تكن عاديّة والبعض الآخر أقرّ أنّه مجلس وطني منغلق اصطدمت فيه رغبة بعض المسؤولين النقابيين برفض طلبهم التواجد في قاعة الأشغال أو حتّى في بهو النزل لبعضهم الآخر حتّى أنّ أحد الوجوه النقابيّة تحدّث عمّا أسماه ''تطويق المجلس ومحاصرته''، وآخرون ثمّنوا فعاليّاته وما طرح خلالها من نقاش وأفكار. كان شاغل الانضباط وتفادي أيّة انزلاقات قد يعرفها هذاالمجلس الوطني، كلّ ذلك قد يكون سمح بأن يتحدّث البعض عن إقصاء متعمّد لوجوه نقابيّة، وأيّا كانت الدلالات ترى الأغلبيّة الحاضرة أنّ هذا المجلس الوطني أعاد خلط الأوراق والتحالفات لمؤتمر تحرّك الجميع استعدادا له. قد يكون البعض فكّر في الأمر خلال الفترة السابقة اعتبارا للمرض الذي ألمّ بالأمين العام، لكن هذه المرّة قد تكون من قبيل المقامرة الانتخابيّة غير المضمونة حتّى إن اقتنعنا بأنّ حصر الأمانة بهذه الطريقة يعيد فرض منطق الشخصنة. لكنّه مقابل إمكانيّة غياب أيّ تنافس على الأمانة العامة خلال المؤتمر الذي تفصلنا عنه بضعة أشهر تبدو التحرّكات كما كشف هذا المجلس الوطني كبيرة من أجل بحث الحظوظ والتحالف مما دفع بعض المطّلعين والمتابعين لكامل أيّام ذلك المجلس إلى الإقرار بأنّ عدد المترشّحين لعضويّة المكتب التنفيذي خلال المؤتمر القادم سيكون كبيرا خاصّة أنّ الأعضاء الحاليين لم يحافظوا في أغلبهم على إمكانات أن يكونوا أوراقا انتخابيّة حاسمة ومحددة للفوز خلال المؤتمر القادم. فالبعض من الحاضرين وصف أداء بعضهم بالضعيف وبغلبة الطرح السياسي على ردود بعضهم إلى غير ذلك من المؤاخذات والانتقادات التي كانت كلّها في السابق توجّه لشخص الأمين العام وللمقرّبين منه. ولعلّه في استنتاج ترجمه من التقيناهم هو انشغال بعض الحاضرين بوتائر أكثر من انشغالهم بأشغال المجلس الوطني. وبات البعض يتحدّث عن وجود تحالفات ما بين اتّحادات جهويّة تحديدا. الملفّات والحسم شكّل التقرير العام الذي قدّمه الأمين العام وثيقة مهمّة تناولت مسائل وملفّات في صيغة تقييميّة لمسيرة السنوات الأخيرة في كلّ أبعادها ومحاورها وتحديدا منذ المؤتمر الأستثنائي بجربة. وكانت إعادة هيكلة الاتّحاد مبتدى ذلك التقييم. نقائص وثغرات بانت مع تطبيق هذا الملفّ، وبغاية أن لا يبقى من هو خارج ''الخيمة النقابيّة'' دعا التقرير ''جميع الإطارات والهياكل النقابيّة إلى تعميق التفكير في صياغة جديدة لهيكلة الاتّحاد''.. خاصّة أنّ أغلب المتدخّلين أكدّوا فشلها. انطلق التقرير من الديمقراطيّة والاستقلاليّة ليعود إليها في الجزء الثاني منه. كانت هناك تحدّيات في هذا المجال فرضت على قيادة الاتّحاد أن توشّح سجلّها بطريقة تعاطيها مع ساحة نقابيّة داخليّة متحفّزة وساحة سياسيّة متوتّرة في فترات. وهو يبرز معاني هذه الاستقلاليّة التي انتهجها الاتّحاد بدا السيد جراد حاسما من خلال ذلك التقرير حينما أكّد أنّ ''الاستقلاليّة لا تعني العداء للسلطة كما أنّ الدفاع عن حرّية القرار النقابي لا يعني استعداء الأحزاب السياسيّة وهي لا تعني أيضا نفي الالتزام السياسي أو الابتعاد عن الشأن الوطني، إنّها تعني فقط احترام الجميع للقرار النقابي وعدم التدخّل في شؤون الاتّحاد الداخليّة أو الزجّ به في الصراعات بين الكتل والأحزاب السياسيّة''. تلك هي الخصوصيّة التي أرادتها هذه القيادة في ردّها على أحداث ومواعيد سالفة وحاضرة وعلى خيارات في معناها العام حددت القياة النقابيّة معها علاقتها على غرار الرابطة التونسيّة للدفاع عن حقوق الإنسان ومؤسسات المجتمع المدني. ملفّ آخر تعاطت معه قيادة الاتّحاد بشكل مغاير وهو المتعلّق بماليّة الاتّحاد. فالإقرار الحاصل من أغلب من التقيناهم هو أنّه تمّ التعامل خلال هذه المناسبة مع الملفّ المذكور بأكثر شفافيّة. وبالإضافة إلى ملفّات أخرى عديدة يعسر الاتيان عليها في هذا المقال فإنّ ما يمكن الإشارةّ إليه هو أنّ هذا التقرير الذي حرص الأمين العام على تلاوته عكس رؤية وموقفا أرادت القيادة النقابيّة توجيهه أوّلا للنقابيين ولغيرهم. أمّا بخصوص خطاب المتدخّلين فقد طغى عليه الطابع السياسي وافتقد في عمومه الاعتدال على عكس خطاب الأمين العام وخاصّة خلال الافتتاح. ولعلّ أهمّ الملفّات التي تناولها المتدخّلون تعلّقت بالخوصصة والمناولة والتربية والتعليم والتشغيل والرابطة والمجتمع المدني والحرّيات النقابيّة... وقد أعطت هذه المداخلات الانطباع بحملة انتخابيّة ساخنة للمؤتمر القادم الأكيد أنّ هذا المجلس الوطني هو اختبار جيّد لهذه القيادة ولعموم النقابيين. فبالنسبة لهذه القيادة ستستفيد من جدل الأيّام الثلاثة عبر ترتيب أوضاعها أمّا عموم النقابيين فقد وقفوا على حقيقة آداء المكتب التنفيذي وعطائه من المؤتمر الإستثنائي بجربة.