لقد سبّب موضوع إعدام الرئيس العراقي صدام حسين هزة في الفكر السياسي، وعلى الأقل في الملف العراقي بشكل خاص، والملف الشرق الأوسطي بشكل عام ،لأننا لو ذهبنا لبحث ديكتاتورية وأخطاء صدام حسين فهي كثيرة، وهي السبب الذي جعل هناك معارضة واسعة جدا ضد نظام صدام حسين ( عراقية وعربية وإقليمية وعالمية) وهو النظام العربي الوحيد الذي كانت له معارضة بهذا الحجم ، بحيث لو بحثتم في أرشيف وسائل الإعلام، والصحافة العربية والعالمية ستجدون أن صدام حسين ونظامه حصلا على حصة الأسد من الأخبار والتقارير والندوات والنقاشات، ومنذ عام 1979 ولحد هذه اللحظة، لهذا فالرجل كان غير طبيعي، ونظامه هو الآخر كان غير طبيعي، وهو ليس موضوعنا ، بل موضوعنا يتعلق بهزة الفكر السياسي عندما تحول صدام حسين من الديكتاتور الى الشهيد الخالد، وعندما أصبح المعارضين له يمدحونه ويدافعون عنه منذ لحظة إعدامه ولازالوا، و من خلال وسائل الإعلام والمواقف الإجتماعية والسياسية والمذهبية والوطنية . ومن ثم يتعلق موضوعنا ب لماذا لم يُعدم صدام حسين بتهمة ديكتاتوريته؟ فنتيجة عدم محاسبته، وحتى إعدامه على أخطاءه بحق الشعب العراقي والعراق والمنطقة والأمة العربية زادت شعبيته مقابل النقمة على الولاياتالمتحدة وبريطانيا، وعلى الحكومات والأنظمة الغربية والإقليمية والعربية التي شاركت بالحروب والمؤامرات ضد العراق والشعب العراقي ولا زالت، فهذا هو السبب الذي جعل معظم المعارضين له ولنظامه يقفون معه بعد إعدامه، أما السبب الآخر هو صلابته وقوته وشموخه أثناء عملية الإعدام، هو الآخر وحد الناس والمعارضين تقريبا معه بل غفرت له الأكثرية التي نالت الأذى من نظامه، لأن تلك اللحظات التاريخية شفعت للرجل ولتاريخه السياسي، و أشفت نوعا ما غليل الشعب العراقي والعربي من المحتلين والعملاء والمستوطنين والمستعرقين الوافدين من خارج الحدود. ولقد لعب بترسيخ هذه القناعة لدى معظم العراقيين هو طبيعة الثقافة الإجتماعية لدى الشعب العراقي والعربي ،والذي يستند على الرجولة والشجاعة والشهامة والصمود عند الشدائد ،وفي مقدمة هؤلاء الذين عارضوا نظام صدام حسين ليس من أجل قتل صدام ، بل من أجل إصلاح العراق وأنتشال العراقيين من مؤامرات الأعداء والدول الكبرى والإقليمية التي غفل عنها صدام في محطات معينة وكانت النتائج كارثية. ولهذا نشاهد انه هناك مئات المآتم على روح الرئيس العراقي المرحوم صدام حسين وقد إنتشرت في جميع أنحاء العالم إنطلاقا من داخل العراق نحو العواصم العربية، ثم الدول الغربية، والكل يردد ( نعم كان ديكتاتورا ,, ولكنه مات واقفا و شجاعا وشامخا) هذا من جانب. أما الجانب الآخر، فالرئيس العراقي صدام حسين لم يُحاسب على قضية واحدة كان الشعب ينتظرها وينتظر أسرارها مثل قضية تصفية خصومه السياسيين بشكل جماعي، و قضية الأنفال ،والحرب العراقية الإيرانية، وقضية أحداث عام 1991 وما تلاها من أحداث تتعلق بالشأن العراقي السياسي والإقتصادي والجغرافي، وكذلك تتعلق بشأن الأمن القومي العربي، لهذا جاءوا على قضية بسيطة جدا في عرف النظام السياسي في منطقة الشرق الأوسط بشكل خاص، وفي العالم الثالث بشكل عام ،وهي قضية الدجيل، لذا هي ردة فعل عنيفة ومبرره في عالمنا الثالث و ضد من يعترض مواكب الرؤساء والملوك والأمراء ( علما أننا ضد جميع ردات الفعل العنيفة من قبل السلطات والأنظمة، فالإنسان هو الإنسان، ولا يختلف من الناحية الإنسانية، لذا يحرّم قتله أو الإعتداء عليه وعلى كرامته) فلقد تم إختيار هذه القضية التي هي شبه منسية وصغيرة جدا لو قورنت بالأخطاء والتصرفات وردود الأفعال الأخرى، ولكنهم أرادوها حجة للقضاء على شخص صدام حسين ثأريا ، وأرادوها كارت أحمر بوجه الرؤساء والملوك والقادة العرب وغير العرب في منطقة الشرق الأوسط كي لا يجرأوا على قول كلمة لا ، وللعلم فإن من ثأر من صدام وبدوافع شخصية هم ( جورج بوش الأب والإبن ، وعبد العزيز الحكيم، وحزب الدعوة، ومقتدى الصدر، وآل صباح في الكويت، والملالي في أيران ، وآل برازاني الأكراد ) وكل جهة لها أسبابها المقتنعه بها ،ولكنها جميعا تصب في خانة الثأر الشخصي، وكأن فقط دماء ذوي وكرامة هؤلاء هي المنزلّه من الله وبشكل خاص وإعتباري، وإن الباقين مجرد بشر من الدرجة العشرين ولا قيمة لدمائهم، لأن الضحايا كثر ومن جميع المذاهب والأحزاب والأقوام والأعراق، فلماذا يمنعون هؤلاء من معرفة أسرار مقتل ذويهم ومطاردتهم والحكم عليهم سجنا فعليا أو غيابيا ، ولماذا طمروا حقبة طولها 35 عاما بهذه السرعة وهذه البربرية والهمجية؟. لهذا فإن المحاكمة وخاتمتها التي كانت بالإعدام جاءت ليس بسبب ديكتاتورية صدام حسين ،أو بسبب أخطاء صدام حسين بحق شعبه وشعوب المنطقة ، بل جاءت لأنه كان عنيدا وتمرد على الولاياتالمتحدة والغرب، ولأنه قال للولايات المتحدة ولإسرائيل وللحركة الصهيونية العالمية وللدول الغربية المارقة التي ركبت في مركب الإدارة الأميركية (لا) نعم قال لهم جميعا لا للإستسلام ولهذا حصل الحصار والحرب والتجويع والإذلال للعراقيين ، ومن ثم مسلسل إذلال صدام حسين من الحفرة الى المحكمة ومحطاتها وصولا لحبل المشنقة المهزلة، والذي تحول من خلالها الى إسطورة أمام الشارع العربي، ومن خلال تحديه للموت بإباء وثبات وهو يقاوم بلسانه أي حتى لحظات الإعدام وهو يردد ( لا للإحتلال .. وعاش الشعب ، وعاشت فلسطين والأمة) لذا شنقوا الرجل نتيجة صموده على كلمة ( لا) التي تشبث بها حتى الموت، وهي قضية ليست بسيطة إطلاقا بل هي تحتاج الى باحثين في علم الإجتماع والنفس والبيولوجيا والفقه والأديان لمعرفة أسرار الصمود حتى الموت. ولهذا فإن الذي عذبهم هو وليس هم،و من خلال الصمود والثبات والتحمّل ، فعندما يصمد المتهم أمام التعذيب والحرب النفسية يتحول ليكون هو المُعَذّب للجلاد وليس العكس، وإن الطرف المهزوم هم وليس هو ،لأنهم إخطأوا سياسيا وأخلاقيا ودينيا ومذهبيا وإستراتيجيا ودستوريا ووطنيا عندما قرروا إعدامه في هذا التوقيت، وبهذه الطريقة، وبتلك الخطوات اللاإنسانية . فإفتضحوا بين الأمم والشعوب بحق.... ومُدح المرحوم صدام حسين من قبل الشعوب والأمم بحق. فإن كاتب السطور من ضحايا النظام الذي كان يديره الرئيس الراحل صدام حسين وعلى المستوى الشخصي والعائلي، فلا زالت آثار التعذيب في الجسد ،ولقد فقد أعز أحبابه إعداما وموتا بالتعذيب، ناهيك عن الحكم عليه بالإعدام، وحرمانه من رؤية ذويه 15 عاما، ولكن والله الشاهد سامح الرئيس الشرعي للعراق المرحوم صدام حسين بسبب صموده وكبرياءه وهو يتقدم للموت صامدا محتقرا للمحتلين والعملاء والوافدين من وراء الحدود....!.فنحن لا نقبل أن يحاكم من قبل المحتلين والعملاء والوافدين من وراء الحدود، وإن كان لنا معه ثأر أو خلاف ، بل كنّا نريد أن يحاكم من قبل العراقيين وعلى حقبة كاملة دون إنتقاء أو قفز على المراحل كي يُقر الحق والعدل والقانون، لهذا نحن ضد إنتقائيتهم وإستهتارهم بنا وبدماء ضحايانا وبمناسباتنا الإسلامية المقدسة ، فليس من حقهم إهانة الإسلام والمسلمين والمسيحيين الشرقيين بأعيادهم، وليس من حقهم إهانة العروبة والعرب بهذه الطريقة الهمجية الحاقدة ، فنحن ضد محكمتهم المهزلة وإحتلالهم للعراق ومنذ البداية وضد حمايتهم لحكم العملاء ، لذا نحن نغفر للمرحوم صدام حسين ونقف مع الشرفاء والأبطال الذين يقاومون الإحتلال الأميركي والإيراني والتدخل من دول الجوار، والنصر قادم وقريب جدا بعون الله ، وستجدون العراق الموحد وبغداد الشامخة إن شاء الله.