تهوى الصالونات في العاصمة الموريتانية نواكشوط عادة تعاطي الشائعات التي يتناقلها رجل الشارع خاصة منها تلك المتعلقة بالحياة الاجتماعية. ويطغى هذه الأيام على أحاديث الناس ما يقال إنه نشاط شبكة منظمة لاختطاف الأطفال لغرض الاغتصاب أو الاتجار ببعض أعضائهم كالكلى مثلا، بعد قتلهم بالطبع. ومع أن السلطات الأمنية في نواكشوط تمتنع عن إضفاء المصداقية على عمل منظم إلى هذه الدرجة، فإن تكرر الحوادث والمؤشرات ينبيء بعكس ذلك. فقبل ثلاثة أيام، تم إنقاذ الفتاة "اخديجه" من براثين امرأة متحجبة تناهز الخمسين من العمر حاولت أن تدفعها داخل سيارة أجرة لولا الشكوك التي راودت الشيخ "أحمدو" وهو يقف أمام منزله بأحد الأحياء الشعبية. بدأت الحكاية عندما لحظ الشيخ هذه السيدة المتحجبة وهي تقترب من مجموعة أطفال يلعبون في ساحة عمومية ثم تتودد إليهم عن طريق إعطائهم بعض الحلوى قبل أن تجتذب فتاة لم تتجاوز الخامسة من العمر. سلمت المرأة قطعة حلوى للصغيرة في الوقت الذي حملتها فيه بين ذراعيها واتجهت بها صوب الشارع المعبد لاستيقاف سيارة نقل، لكن الشيخ "أحمدو" أدرك بغريزته أن في الأمر غرابة وانبرى نحو السيارة الموقوفة حيث انتزع البنت من ذراعي المرأة المتحجبة، ما أثار انتباه السائق الذي نزل بدوره ليستفسر عن الأمر بينما أخذت الخاطفة في تمثيل دور الضحية مدعية أن الشيخ يريد بها مكرا. غير أن الجلبة جذبت أعدادا من المارة المتطفلين استهواهم المشهد فأقبلوا للاستفسار عن الموضوع وما كان منهم بعد أن اطلعوا على حيثياته إلا أن انهالوا بالضرب على المرأة المتحجبة قبل أن يتم اقتيادها إلى مفوضية شرطة "عرفات". وسرعان ما انتشر الخبر في أوساط السكان الذين أقبلوا من كل حدب وصوب إلى مبنى المفوضية بحثا عن أخبار أطفالهم المفقودين منذ أيام وحتى منذ أسابيع بالنسبة للبعض. فقبل ثلاثة أسابيع، وبالتحديد في 26 كانون الثاني (يناير) الماضي، اختفت الطفلة "فاطمة بنت معطلل" البالغة من العمر 13 سنة وهي في طريقها ليلا لتشتري علبة صابون لغسيل أواني أهلها من الحانوت الواقع قرب المنزل. قام الأهل بطبيعة الحال بالإجراءات الاعتيادية كتبليغ جميع مفوضيات الشرطة بالعاصمة لكن دون جدوى، فقد ظلت البت مختفية عن الأنظار طيلة هذه الفترة حتى تم العثور عليها بشكل مفاجيء وبطريقة غريبة. وحسب رواية الجيران، فإن أحد أقرباء الأسرة أبصر الطفلة المفقودة وهي تدخل حانوتا لشراء بعض الحاجات في حي من أحياء العاصمة نواكشوط بعيدا عن مكان تواجد ذويها فتتبعها حتى عرف المنزل الذي تقيم فيه ثم سأل ربة البيت عن أسباب وجودها عندهم فأخبرته بأنها طرقت بابهم ذات يوم تبحث عن العمل وقبلوها شغالة في المنزل. عندها أبلغ القريب أهل الفتاة المختفية بالعثور عليها وحضروا لاستلامها بعد أن بلغوا الشرطة التي حرصت على استجواب البنت لمعرفة خفايا القضية. ويقول أهل الفتاة "فاطمة منت معطلل" إن ابنتهم تعرضت لمعاملة خطيرة أفقدتها ذاكرتها بحيث أنها لم تعد قادرة على التعرف عليهم ولا على المكان الذي ولدت وتربت فيه ولا حتى على الأحداث التي تعرضت لها ليلة مغادرتها منزل ذويها. غير أن للشرطة رأي آخر وإن لم تفصح عنه وذلك من خلال التعامل مع الفتاة الغريبة التي أخضعت للقيد في مباني المفوضية دون السماح لأهلها برؤيتها إلا في حالات نادرة، خوفا على ما يبدو من تكرار حادثة الفرار. هذه القصة الواقعية ليست إلا نموذجا من ما أصبح شبه اعتيادي في ليالي نواكشوط وحتى في وضح النهار أحيانا. فحوادث محاولات اختطاف الفتيات بشكل عام، والقاصرات منهن بشكل خاص، كثيرة وكثيرة، وبعضها يتم إحباطه في حين يتمكن المجرمون من النجاح في البعض الآخر. وفي هذا المنوال تورد إحدى الصحف الموريتانية – وهي يومية الفجر – أن سيدة روت لها أنها أبلغت عن اختفاء ابن صديقتها والعثور عليه مقتولا بعد ذلك وقد انتزع قلبه من بين أضلعه. وهو ما أجج الشائعات التي تتحدث عن وجود عصابة منظمة لقتل الأطفال بغية انتزاع بعض أعضائهم كالكلى والقلوب وبيعها لأطراف خارج البلد. لكن الصحيفة تضيف أنها أجرت تحريا دقيقا أوصلها إلى نتيجة مفادها أن السيدة صاحبة الرواية نقلتها عن صديقة لها نقلتها هي الأخرى عن زميلة وهكذا دواليك دون الوصول إلى المصدر الأصلي. كما ذهبت الجريدة أبعد من ذلك فتقصت الأمر لدى مفوضيات الشرطة بنواكشوط حيث لم تسجل أية حالة مشابهة عند أي منها على الإطلاق. ولإن كان حديث بتر أعضاء الأطفال عاريا من الصحة أو على الأقل مبالغا فيه، فإن اختطاف الفتيات من طرف الشبان المنحرفين لغرض الاغتصاب بات أمرا معروفا في العاصمة الموريتانية. حتى الشرطة تعترف بتنامي هذه الظاهرة لكنها تعتقد أن بعض المراهقات تختفين لأسابيع مع مراهقين بإرادتهن الحرة ويقضين الوقت في غرف مظلمة في أحد أحياء العاصمة. وبعد هذه المغامرة الاختيارية تعود الفتاة إلى ذويها مدعية أنها كانت عرضة للاختطاف من طرف شبكة من المجرمين المنحرفين. وفي مثل هذه الحالات يقود أهل الفتاة الماكرة حملة عنيفة في هذا الاتجاه، خاصة إذا ما ظهرت على ابنتهم مؤشرات الحمل. ومن المؤسف أن هذه الشائعات سواء عكست الحقيقة أو كان مبالغا فيها تربك الشارع في نواكشوط وتبث مشاعر الخوف والقلق في أوساط المجتمع – المحافظ أصلا – وتخلف آثارا سيئة على بعض الأطفال الذين امتنع ذووهم عن إرسالهم إلى المدرسة خوفا من تعرضهم لمثل هذه الأخطار أثناء رحلة الذهاب والإياب إلى الدرس. كما تتحدث بعض الأسر عن التفكير في مغادرة العاصمة إلى مواطنها الأصلية بعيدا عن المدن الكبرى وفظاعاتها المخيفة.