تستمر في العاصمة المصرية الاعتصامات، ضد قرارات الحكومة، آخذة في التصاعد مع مرور الوقت الذي يشهد انتهاكات كبيرة لحقوق الإنسان. وقد دخلت هذه التظاهرات والرد العنيف عليها من قبل الشرطة وعناصر الأمن السري، مرحلة اللاعودة؛ حيث يعض كلا الجانبين الأصابع؛ منتظرا سقوط خصمه مهزوما، وهو ما يبدو بعيد المنال في الوقت الراهن. وكان للرد العنيف الذي جوبه به رئيس محكمة شمال القاهرة "محمود حمزة" الذي قام بتصوير وقائع الاعتداء على المعتصمين، على قرار الحكومة، إحالة القاضيين "محمود مكي" و"هشام البسطاويسي" اللذين كشفا تزويرا لصالح الحزب الحاكم، إبان الانتخابات البرلمانية الأخيرة، فقام عدد من عناصر الأمن، يقودهم ضابط، بالاعتداء على المستشار "محمود حمزة" بالضرب وسحله على الأرض، ومحاولة خلع ملابسه عنه، وقاموا بإلقاء القبض عليه هو وشقيقه، وإيداعهما بإحدى السيارات التابعة لقوات الأمن. ردود فعل كبيرة في الشارع المصري، إذ يتم التنكيل والاستهانة بسلطة وهيبة القضاء التي ترفض الدخول لبيت طاعة الحكومة. وأدت هذه الحادثة وما تبعها من استخدام مفرط للقوة، ضد أي تظاهرة، إلى إحراج السلطة المصرية، خلال انتخابات مجلس حقوق الإنسان في الجمعية العمومية للأمم المتحدة، إذ لم تحصل على أي صوت لصالحها، سوى صوت واحد، هو صوت مندوبها؛ حيث حصلت دول عديدة على عدد كبير من المقاعد، مقارنة بمصر، مثل جنوب إفريقيا 179 صوتا والمغرب 178 صوتا وجيبوتي 172 صوتا وتونس 171 صوتا، خلال انتخابات مجلس حقوق الإنسان، في الجمعية العمومية للأمم المتحدة، التي جرت في التاسع من الشهر الحالي. ولم تؤد هزيمة السلطات المصرية في انتخابات حقوق الإنسان، إلى مراجعة مواقفها في الشارع المصري، والتقليل من استخدام العنف المفرط، ضد التظاهرات، بل زادها ذلك قسوة مستجيبة لتحدي الشارع، الذي تنظر إليه عناصر الأمن المصري، كند ٍ لها، ينازعها على مكانها، إذا ما سقط النظام، فكانت القسوة وسيلتها الوحيدة لإثبات الولاء للحكومة، التي تجتهد في تضييع فرص المصالحة مع الشعب، الذي يقدم لها مع كل تظاهرة أو اعتصام، حبل الإنقاذ للتصالح، عبر إنهاء حالة الطوارئ أو العفو عن معتقلي الرأي، أو معاقبة ضباط الأمن، الذين يتفننون في استخدام القسوة ضد المعتقلين أو المتظاهرين. وكانت محنة القضاة المحالين لمجلس التأديب، فرصة لتدخل الرئيس المصري؛ للإعفاء عنهم وفتح باب جديد لتعددية حقيقية. لكن اتضح للمتظاهرين الحانقين والمجروحين جسديا ونفسيا، من الرد السلطوي تجاه اعتراضهم السلمي، أن الحكومة منشغلة بمعالجة ملفات عربية خارج الحدود، كالمشاكل بين "فتح" و"حماس" والمشكلة اللبنانية السورية، والتحضير لمؤتمر الوفاق العراقي، فيما الواقع المصري الراهن، أحق بمؤتمر وفاق لجميع الأطراف المعارضة والموالية. ومنشغلة بتلميع صورة نجل الرئيس المصري "جمال مبارك" الذي لا"منصب أو سلطة له، سوى أن والده رئيس السلطة. الأمر الذي جعل المتظاهرين والمعتصمين، يتهكمون على هذا الواقع بالتجاوز على شخص الرئيس ونجله، وكان الرد هنا قاسيا جدا أيضا؛ إذ ينظر موالو السلطة للرئيس وذويه، بعين التبجيل، فقد تم الحكم، قبل أيام، على مواطن مصري، تجاوز على الرئيس "مبارك"، بالسجن بتهمة القذف. وتحاول السلطات تبرير قمعها ضد المعترضين على قراراتها، بأنها تعمل لصالح المواطن؛ لتظهر المعترضين الذين يزداد عددهم كل يوم، بأنهم ينفذون أجندة أجنبية. حتى حرية الإعلام، التي تتحدث بها الحكومة المصرية، فهي ضمن حدود لا يمكن تجاوزها. ولم يكن كاتب مثل مدير قناة العربية الفضائية "عبد الرحمن الراشد" محقا لحد بعيد، في تبريره للتفسير الحكومي للواقع المصري، إذ كتب قبل أيام (النقاد يتحدثون عن "مبارك" في قضية اعتقال "أيمن نور"، ويغفلون أنه الذي أطلق الحريات للمعارضة السياسية، وحرية الانتقاد للإعلام، بشكل لم تشهد مصر في كل تاريخها المعاصر مثله. يتحدثون عن خلاف حول محاكمة اثنين من القضاة، ولا أحد يذكر أن "عبد الناصر" طرد في عهده 200 قاض من وظائفهم، بعد أن عدل القوانين تعسفا. النقاد يحملون على "مبارك" في تعامل الأمن مع الإخوان المسلمين، ويتجاهلون حقيقة أنه الذي فتح الساحة للانتخابات، وأنه الوحيد الذي سمح بالتنافس الانتخابي على منصب الرئاسة). فالقمع الذي يجابه به المعترضين في مصر اليوم، يجعلهم ينسون أن هذه الحكومة التي تقمعهم هي التي فتحت كوة للحريات، بما في ذلك الترشح للرئاسة. غير أن تلك الكوة، حملت معها علاتها منذ البداية، فالترشح للرئاسة، جاء مشروطا ومفصلا على الرئيس ونجله، وكأن لا أحد غيرهما، يستطيع أخذ هذا المكان. وكانت هذه الكوة مصحوبة بتلويح بهراوة الشرطة، ضد كل من يتظاهر خارج الحدود المسموحة. وشمل ذلك حتى الصحافيين، إذ يتلقى صحافيون كثيرون، تهديدات بعدم تجاوز الخطوط الحمراء. وقد كانت الطريقة التي ردت بها السلطات على مراسل الجزيرة في مصر "حسين عبد الغني" مثار اشمئزاز الكثيرين، حتى الحانقين على قناة الجزيرة، إذ تم اعتقال "عبد الغني" في أثناء تواجده في أحد فنادق مدينة دهب؛ لتغطية التفجيرات الأخيرة، وعرضه على نيابة أمن الدولة، بتهمه بث دعايات مثيرة، حسب تقرير المنظمة المصرية لحقوق الإنسان الأخير، المعنون ب (ردة عن الإصلاح) الذي أسهم في الكشف عما يواجهه المعترضون على المسالمين. الواقع السياسي في مصر يقف على تقاطع طرق، فيما الحكومة وذووها، صعدوا على شجرة عالية، يرتبون أجندتهم الخاصة، بعيدا عن نداءات وصراخ الرعية، التي لن تصل لأذانهم، تاركين شرطتهم يعالجون الموقف، بحرفة استبدادية تضر بالجميع.