سال حبر كثير في موضوع المصالحة وركب هذا الحصان أناس كثر منهم من كان يتطفل على الموضوع ومنهم جعل منه مطية لجني بعض الثمار" المرة" على حساب عويل عائلاتنا و دموع أبنائنا ومنهم من اجتهد فيه على حسن نية وطيبة نفس عساه يخفف من مصيبة تونس, وقد اخترت شخصيا البعد عن هذه "المعمعة" لأني قدرت أنها مضيعة للوقت وقد أكون مخطأ في ذلك فالكمال لله ربما موقفي هذا نتاج طبيعي لما تعرضت اليه من سلطة استهدفتني أنا وعائلتي بالتدمير الكامل وبطريقة خسيسة و متخلفة و أساليب بعيدة كل البعد عن عصرنا الحاضر وحتى لا أطيل أود في هذه الأسطر أن أرد على بعض ما راج ويروج وفي البداية و ردا على المرتزقة الذين أشاعوا عبر الفضائيات وفي مراسلات لبعض المنظمات الحقوقية والعلمية بوصفهم وكلاء الشيطان أنني حوكمت في قضايا عنف و ارهاب والواقع أنني حوكمت غيابيا من قبل محكمة أمن الدولة في 27 09 1987 ب10 سنوات أشغال شاقة و 10 سنوات مراقبة ادارية ولما اعترضت على ذلك في مارس 1988 ألغي هذا الحكم وعوض ب 6 أشهر مع تأجيل التنفيذ بتهمة الانتماء لحركة الاتجاه الاسلامي ثم حوكمت سنة 1990 ب3سنوات نافذة بسبب تصريح للصحافة فقط لكن التنفيذ كان 3سنوات و يومان سجنا و8سنوات وشهرين اقامة جبرية كما حوكم محامي الاستاذ النوري ب6اشهر و قضى12شهرا وراءالقضبان وهذا وسام على صدر دولة القانون و المؤسسات –ثانيا اتوجه للعقلاء من القراء سواء كانوا من صفي او ضدي بهذا التوضيح: ليس من طبعي ان ارفض الحوار مع أي كان و هذا ما جعلني انتخب على راس نقابة التعليم العالي بصفاقس بعدما اسستها لاربع دورات متتالية الى ان اعتذرت عن الترشح بسبب تكبيلي باعمال ادارية وفي البحث العلمي داخليا و خارجيا وذلك في وقت كان اليسار هو المسيطر سيطرة تامة على الجامعة والنقابة (1977983)و الجميع مما عاشوا تلك الفترة يذكرون دوري في اصعب فترة مر بها الاتحاد واعود الى موضوع الحال أي محنة النظام والحركة الاسلامية, في سنة 1988 وانا موقوف في قضية ما اصطلح عليها بالمجموعة الامنية وقعت بعض المراسلات في البداية ثم التقيت بالسيد مصطفى بوعزيز القائم باعمال وزير الدفاع و قلت له حرفيا ان مجموعتنا فكرت في عمل ما ضد بورقيبة ليوم 71987 مساء ولما اقدم عرفك على نفس العمل قبلنا بسويعات ساعدته مجموعتنا و الغت ما كانت تنوي فعله فاذا اردتم محاكمتنا المنطق يحتم عليكم اعادة بورقيبة لمنصبه و محاكمة الجميع نحن وأنتم على حد سواء و لربما سينالكم عقاب أشد هذا هو المنطق" أجابني بالحرف الواحد: أنتم الان في قاع قارورة ولا أحد يعلم هذا السر ويمكن أن نفعل بكم ما نشاء قلت له لا بالعكس قال كيف أجبته بأن الذين فروا للخارج من مجموعتنا حملوا كل شيء معهم و سيشرعون في نشر ذلك حالما تبدأ محاكمتنا عندها فكر قليلا وواصلت الحديث فقلت الحل هو أن تقبلوا التفاوض والحل ممكن وانطلقت المفاوضات وكان المرحوم أحمد الكتاري الوسيط الوحيد بيني وبين قرطاج توصلنا الى حل تم بمقتضاه اطلاق سراحنا ووقف التتبع في القضية مع مواصلة الحوار خارج السجن وكان في ذهني وأحسب ذلك عند السلطة أن حل قضيتنا سيليه حل شامل للحركة الاسلامية ينهي حالة الاحتقان والنفور والعداء لكن للأسف الشديد ما تم هو ما يلي : قمت وحسب الاتفاق بمحاولات عديدة لبناء جسر الحوار واتصلت بالمرحوم الكتاري مرات ومرات اخرها قال لي بالحرف الواحد : "أنصحك بمغادرة تونس في أقرب فرصة أما أنا حياتي صارت في خطر فلا تعد تزورني" أرسلت عدة رسائل للرئاسة ثم حاولت تسليم رسالة مباشرة الى مدير التشريفات بقرطاج فمنعت من ذلك وجاءني رجل قال أنه فرنسي من أصل تونسي ويعمل ضابطا ساميا في المخابرات الفرنسية وله علاقة خاصة مع الرئيس التونسي طلب مني أن أسلمه رسالة للرئيس وستكون بين يديه مساء ذلك اليوم في الأثناء خاطبني شخص أثق فيه ليأكد لي صحة رواية الزائر فسلمته رسالة في تلك الفترة دخل السيد المنصف بن مراد مدير مجلة حقائق انذاك على خط المصالحة وهو ما أشار اليه في مقال نشر بجريدة أخبار الجمهورية في أوائل جوان 2001 وكان رد السلطة دائما مزيد من الحصار والتهميش رغم ذلك لم تحبط عزيمتي واصلت مكاتبة الرئاسة وكان اخرها يوم 21 04 1990 بتلاكس من صفاقس ويوم 22 04 1990 على الساعة 11 ليلا ألقي علي القبض في منزلي وأودعت السجن وحتى في السجن حاولت احياء الحوار عن طريق نفس الشخص أي السيد أحمد الكتاري الا أن هذا الأخير تعرض لحادث مرور أودى بحياته, قبل مغادرة السجن ووضعي في اقامة جبرية غير قانونية تم تفتيش منزلي وترويع أبنائي وأخذت عدة ملفات ووثائق ومنها كل مراسلاتي أما ممارسات السلطة معي ومع أبنائي بعد خروجي من السجن فهي تؤكد أن هذه الأخيرة لا تعترف بي كانسان ولربما وضعتني في منزلة دون الحيوان لأن للحيوان حقوق حرمت منها أنا وأمثالي من اخواني المناضلين والمجال لا يتسع لذكرها ومن شروط المصالحة أن يعترف كل طرف بانسانية الاخر قبل كل شيء لا أن يعتبرنا اصحاب السلطة "ذبابة في قاع قارورة مغلقة" في الاخير لي بعض الملاحظات: 1) أدعو العقلاء أن يتقوا الله فينا وفي اخواننا القابعين في السجون منذ ما يزيد عن عقد ونصف ,منهم من دخل في مقتبل الشباب وقد دخل الان في الكهولة منهم الطالب والتلميذ والأستاذ الجامعي والمهندس والطبيب,هل هؤلاء سجناء أم رهائن؟ 2) هل ما يجري الان على الساحة السياسية في تونس يسمح بالحديث عن المصالحة؟ 3) اذا كانت للعقلاء النزهاء فكرة عن حسنات نظام تونس فليمدوها لي حتى أحاول اقناع نفسي بأني مخطئ, 4)لماذا نحصر المشكلة بين النظام القائم والحركة الاسلامية , ألم تتصادم السلطة مع الشعب , كل الشعب التونسي بعدما شهرت الحرب على أصالته وعقيدته وهدمت صرح الثقافة والعلم فحطمت بذلك أجيالا(انظر مقال ج. ل. روبنسن في مجلة الصحافة الفرنسية عدد خريف 1997). 5) لا أنكر أنني شعرت بجدية السلطة معي أثناء المفاوضات الأولى وبعد خروجي من السجن تأكدت من ندم السلطة على تلك المفاوضات و أعتبرتها خطأ فادحا قامت به معنا. 6) ليكن في علم العقلاء المخلصين لوطنهم أن سلطتنا الحالية لا تقبل مصالحة أو مفاوضة الا مع من سجد لها وتخلى عن حقوقه واعترف لها بالربوبية والملكية لتونس الخضراء وساهم معها في مزيد معاناة الشرفاء وهذا ما لا أستطيع فعله. وفي النهاية أدعو الله بالتوفيق في مساعي كل مخلص صادق فلعل نظرتي قصيرة وتحليلي خاطئ والحكمة ضالة المؤمن أينما وجدها أخذ بها.