مع بدء العد التنازلي للانتخابات التشريعية المقررة الخميس المقبل، تباينت مواقف قادة الجبهة الإسلامية للإنقاذ المحظورة في الجزائر إزاء المشاركة في الانتخابات، فبينما دعت بعض القيادات إلى مقاطعتها، رأت قيادات أخرى ضرورة والتصويت لصالح الأكفاء من المرشحين الملتزمين بسياسة المصالحة الوطنية والديمقراطية الحقيقية. وعلى مستوى القاعدة الشعبية ينوي أنصار الجبهة مقاطعة الانتخابات، ليس بسبب دعوات قيادتها، ولكن من جراء "الفشل الذريع الذي مني به الجيل الحالي من السياسيين في إنهاء الأزمة التي تتخبط فيها البلاد منذ أكثر من عشر سنوات"، بحسب توقعات خبير سياسي جزائري. الشيخ عباس مدني زعيم الجبهة المنحلة والمقيم حاليا بالعاصمة القطرية الدوحة دعا في بيان له الأسبوع الماضي الجزائريين إلى مقاطعة الانتخابات "كوسيلة وحيدة للتعبير عن رفض الشعب للواقع المفروض عليه". ووصف الانتخابات المقبلة باللعبة التضليلية والحيلة السياسية لتكريس ما أسماه ب"اللاحل واللامخرج من هذه المآسي"، معتبرا أن هذه الانتخابات نسخة طبق الأصل لسابقاتها. وفي موقف مشابه إلى حد بعيد لدعوة مدني دعا د.أنور هدام -رئيس ما يعرف بالبعثة البرلمانية لجبهة الإنقاذ في الخارج سابقا، واللاجئ حاليا بالولايات المتحدة- "نزهاء الطبقة السياسية" إلى إيجاد إرادة وطنية لإجراء إصلاحات سياسية تمكن الجميع من تقديم ترشيحاتهم، وتمكن الناخبين من معرفة برامج المرشحين والتصويت بحرية لمن يرون فيهم الكفاءة"، بحسب بيان صدر الخميس. ولم يحمل البيان الذي وقعه هدام باسم "حركة الحرية والعدالة الاجتماعية" التي أسسها في وقت سابق أي دعوة للشعب الجزائري بخصوص المشاركة من عدمها في الانتخابات. واستدرك هدام هذا الموقف بتصريح لصحيفة "الخبر" الجزائرية قال فيه: إن بيانه "يحمل في طياته دعوة للمقاطعة" على غرار الدعوة التي أطلقها مدني. وأضاف: إن بيانه "موجه للطبقة السياسية لتحميلها مسئولية ضرورة إجراء انتخابات ديمقراطية حقيقية". في المقابل أصدر الشيخ رابح كبير رئيس الهيئة التنفيذية للجبهة -والموجود حاليا في منفاه السابق بألمانيا- بيانا دعا من خلاله الشعب الجزائري إلى في الانتخابات المقبلة "لتفويت الفرصة على أعداء الشعب الذين يهدفون إلى إفشال مسار السلم والمصالحة الوطنية؛ لأنها الوسيلة الوحيدة لفرض التغيير ولو بعد حين". ولم يَدْعُ كبير إلى التصويت لصالح حزب بعينه، بل دعا الناخبين إلى انتخاب الشرفاء والأكفاء من المرشحين الملتزمين بسياسة المصالحة الوطنية الشاملة والديمقراطية الحقيقية. وأضاف في تصريح لصحيفة "الشروق اليومي" الجزائرية: إن "الشعب الجزائري ليس غبيا، ويستطيع على مستوى منطقته تمييز الشرفاء والملتزمين بالمصالحة الوطنية والديمقراطية الحقيقية". وفي ضوء هذه المواقف المتباينة، يقول المراقبون للشأن الجزائري: إن قادة جبهة الإنقاذ لم يتمكنوا من تجاوز خلافاتهم الداخلية، بل إنها على ما يبدو ازدادت بالنظر إلى تعدد بيانات وتصريحات قادة الجبهة لوسائل الإعلام الوطنية والأجنبية بمناسبة الانتخابات المقبلة. وتوقع المراقبون تواصل ما أسموه مسلسل العزف المنفرد من قبل "الإنقاذيين"؛ حيث إن علي بلحاج -الرجل الثاني في الجبهة- وعد خلال مداخلة له على قناة "الحوار" الفضائية بالتعبير عن موقفه في الأيام القليلة القادمة، وإن عبر عن دعمه لخيار المقاطعة. نفس المنحى سيسير وفقه مدني مزراق -أمير ما كان يعرف بالجيش الإسلامي للإنقاذ- الذي سيخرج عن صمته قريبا بالدعوة إلى المشاركة في الانتخابات وتحديد الجهة السياسية التي سيدعمها، بحسب بيان أصدره غداة الإعلان عن انسحابه من سباق التشريعيات بسبب منع وزارة الداخلية قيادات الجبهة من الترشح بدعوى أن "ميثاق السلم والمصالحة" يمنع قيادات الجبهة من العمل السياسي. هذا التباين في المواقف قال محللون: إن من شأنه إضعاف الجبهة أكثر مما هي عليه الآن، وأن المطلب الذي يرفعه قادتها بالعودة للساحة السياسية يبقى ضربا من الخيال في ظل تواصل حالة التشرذم التي يشهدها الحزب منذ منعه من ممارسة نشاطه السياسي في فبراير 1992. الأنصار في واد آخر الهوة السحيقة حاليا بين مختلف قيادات الإنقاذ يرى الصحفي سمير حميطوش -من صحيفة "الجزائر نيوز"، والمتخصص في متابعة شئون القوى الإسلامية- أن "تداعياتها امتدت إلى ما تبقى من القواعد النضالية للجبهة، وهو ما جعلها تعيش حالة من التململ بفعل تعدد مصادر القرار داخل الجبهة". ومن هذا المنطلق فإن هذه الدعوات -بحسب حميطوش- ليست المقياس الأساسي الذي سيتبعه أنصار الجبهة في تحديد موقفهم من الانتخابات. وذكر بأن آخر استطلاعات الرأي تشير إلى أن أكثر من 50% من الجزائريين سيقاطعون الانتخابات، ومن ضمنهم أنصار جبهة الإنقاذ الذين هم جزء من الشعب، "لذلك فامتناعهم عن التصويت ليس استجابة لدعوات قادتهم". وأوضح أن الواقع يفرض على عامة الجزائريين اللجوء إلى مثل هذا الخيار نتيجة عدة عوامل أبرزها الفشل الذريع الذي مُني به الجيل الحالي من السياسيين الذين عجزوا عن تقديم البدائل التي من شأنها إنهاء الأزمة المتعددة الجوانب التي تتخبط فيها البلاد منذ أكثر من عشر سنوات. يذكر أن السلطات الجزائرية بدعم من الجيش ألغت الانتخابات التشريعية عام 1992 بعد أن أظهرت نتائج الجولة الأولى من الانتخابات أن حزب الجبهة الإسلامية للإنقاذ يتجه لتحقيق فوز كاسح، وأدى هذا الإلغاء لدخول البلاد في دوامة من أعمال العنف طوال عقد التسعينيات. وبحسب وزارة الداخلية فإن العدد النهائي للجزائريين الذين يحق لهم الإدلاء بأصواتهم في الانتخابات المقبلة يبلغ 18.7 مليون ناخب، منهم 10 ملايين رجل تقريبا، وحوالي 8 ملايين امرأة.