تونس - الصباح قطعت المواطنة الجزائرية رقية عبد العزيز البالغة 45 سنة من العمر والقاطنة بكولدة بكازامانس (أقصى الجنوب الشرقي للسنغال) يوم الخميس مسافة تفوق 700كم على متن حافلة لنقل المسافرين باتجاه داكار لأداء واجبها الانتخابي. وقالت رقية أنها نهضت باكرا لتقل حافلة لنقل المسافرين تسع ل7 أشخاص التي عبرت كل منطقة كازامنس مرورا بحوض فارافينيي ببانجول ونهر غامبيا لتصل أخيرا إلى داكار..
هذا التحمس من قبل هذه المواطنة للانتخابات التشريعية الجزائرية لم يشهد تحمسا مماثلا في جل المدن الجزائرية حيث لم تتعد نسبة المشاركة الرسمية ال36 بالمائة..أي أنها كانت أضعف مما توقعه كثير من المراقبين «المتشائمين» الذين أعلنوا سابقا أن نسبة المشاركة قد تتراوح بين 40 و50 بالمائة .. وقد قدر عدد المعنيين بهذه الانتخابات بنحو 18 مليونا و760 ألف ناخب.. خصصت لهم 10397 مركزا انتخابيا و42691 مكتبا للاقتراع.. لكن التقديرات الاولية أكدت منذ البداية ضعف نسب المشاركة نسبيا خاصة في العاصمة الجزائرية والمدن الكبرى.. وبدت مقرات الاقتراع شبه فارغة حسب مراقبين مستقلين.. فيما لوحظ أن الاقبال كان اضعف من العادة للتجمعات الانتخابية من قبل جمهور يبدو ان نسبة منه تجاوبت مع دعوات المقاطعة.. فيما تزايدت لا مبالاة قسم من الراي العام بالعملية السياسية.. بحكم تراكم مشاكلها ومشاغلها المادية.. ومنها نقص بعض المواد الاساسية وارتفاع اسعارها ومنها الحليب واللحوم والخضر والمياه.. 24مستقلون وحزبا في السباق لكن رغم هذا الفتور فقد اقترنت الحملة الانتخابية بحوارات سياسية مفتوحة على اعمدة الصحافة وفي فضاءات سياسية واعلامية متفرقة.. وأعلنت وزارة الداخلية الجزائرية أنه تم تنظيم 5880 تجمعا شعبيا من قبل الأحزاب المشاركة وعددها 24 حزبا إضافة إلى قوائم المترشحين الأحرار ورغم الانتقادات التي وجههتها عدة احزاب الى قيادة حزب جبهة التحرير الوطني الذي يتزعمه رئيس الحكومة عبد العزيز بالخادم، فقد تم تمكين المترشحين المستقلين والتابعين الى الأحزاب من توزيع مراقبين على مراكز الاقتراع للقيام بمتابعة التجاوزات التي قد تسجل هنا وهناك .. والإبلاغ عنها إن سجلت وأورد المتحدث باسم حزب غالبية المسؤولين في الرئاسة والحكومة ( حزب جبهة التحرير) «إن الذين يتهمون الإدارة بالتزوير لحزب الجبهة، برروا فشلهم مسبقا»، موضحا أنه «ليس ثمة مجالا للتزوير». لكن إطارات عدة احزاب لم يخفوا مخاوفهم منذ البداية من التزوير، حيث يقول الناطق الرسمي للأرسيدي إن تصريحات رؤساء أحزاب التحالف الرئاسي «(حزبا الجبهة وحمس والتجمع الوطني الديمقراطي)» الذين اقتسموا الغنائم مسبقا حول حصصهم في الغرفة السفلى «(الغرفة الثانية) تبقى عالقة بالأذهان الفصل الاخير من المصالحة الوطنية ورغم التعقيدات السياسية التي تشهدها الساحتان الرسمية والشعبية وبروز حديث عن انتخابات سياسية سابقة لاوانها ورغم احداث العنف التي سجلت منذ اسابيع قليلة كان من المفترض أن تكرس هذه الانتخابات الفصل الأخير من مسار الوئام والمصالحة الوطنية الذي بدأه الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة ونجح من خلاله في وقف الحرب المدمرة التي أقضت مضجع الشعب الجزائري والمنطقة طوال العقد الماضي.. ورغم عودة متقطعة لعمليات مسلحة مشبوهة فان المواجهات المسلحة بمفهومها التقليدي توقفت.. وانتشر الامن مجددا في العاصمة وأغلب المدن والقرى.. تشتيت الاصوات ويرفض رسميون جزائريون الحديث عن فشل المسار السياسي الحالي.. ويعتبرون أن النظام بقيادة الرئيس بوتفليقة سيعيد ترتيب الاوراق لصالحه مثلما فعل بعد الانتخابات الرئاسية الماضية عند استبعاد الوزير الاول وزعيم جبهة التحرير آنذاك علي بن فليس وجماعته.. وبالنسبة لضعف المشاركة في الانتخابات يبدو أن كثرة عدد المترشحين( 11229 مرشحا من أجل 389 مقعدا في «المجلس الشعبي الوطني») من بين العوامل التي ساهمت في تخفيض نسبة المشاركة في الاقتراع.. وحسب الصحف الجزائرية فان نسبة المشاركة الضعيفة ناجمة عن عجز الحملة الانتخابية عن استقطاب اهتمام المواطن سواء لعدم تطرقها إلى «قضاياه ومشاغله الحقيقية» أو لتشابه فحوى البرامج والخطب السياسية لمختلف الاحزاب.. واقتصارها على الخطوط العامة دون الخوض في التفاصيل. ومعظم الأحزاب الكبرى (جبهة التحرير الوطني، والتجمع الوطني الديمقراطي، وحتى حركة الإصلاح الوطني وحركة مجتمع السلم) تستخدم نفس مفردات الخطاب الرئاسي للسيد عبد العزيز بوتفليقة وفي مقدمته «المصالحة والوئام والتغيير». المعارضة غير القانونية في نفس الوقت يتعقد المشهد السياسي غير الرسمي بدخول أطراف عددية على الخط مجددا.. وعودة الصحف لابراز تصريحات رموز سابقين لحزب جبهة الانقاذ المحضور.. فبالنسبة للمعارضة المحضورة وعلى راسها ماتبقى من حزب «الجبهة الإسلامية للإنقاذ» تباينت مواقفها بين الدعوة المشاركة وبلاغات تدعو الى المقاطعة، حيث دعا عباسي مدني، القيادي الأول السابق في الجبهة، المقيم في العاصمة القطرية الدوحة وعلى بلحاج الرجل الثاني في جبهة الانقاذ سابقا إلى المقاطعة، بينما دعا رابح كبير رئيس الهيئة التنفيذية للجبهة، المقيم في ألمانيا إلى المشاركة معتبرا ان المقاطعة "استقالة سياسية يستفيد منها أعداء الوطن". وسار في نفس المنحى مدني مزراق، زعيم تنظيم الجيش الإسلامي للإنقاذ المًحل ، إلى ممارسة الحق الانتخابي وتجنب خيار المقاطعة. وطالب مدني مرزاق في بيان نشرته الصحف الجزائرية، الناخبين «بالتصويت للمترشحين الشرفاء من بين مختلف القائمات». الحكومة القادمة لكن بصرف النظر عن نتائج الانتخابات من حيث نسب المشاركة وتوزيع المقاعد تبقى نتائجها السياسية ثانوية في نظام رئاسي مثل الجزائر.. ومن المنتظر أن يقوم الرئيس بوتفليقة خلال الايام القليلية القادمة بالاعلان عن قرارات سياسية مهمة.. قد يكون من بينها تعديل في تشكيل الحكومة.. وعلى ضوء التشكيلة الحكومية الجديدة ستتوضح التوجهات.. وهل ستعني الرهان مجددا على نفس التحالف الرئاسي الثلاثي الحالي أم انفتاحا عل سياسيين جدد من اليسار واليمين ..من المعارضة القانونية وغير القانونية.. وبالنسبة للفريق المضيق فإن تجديد الثقة في حكومة السيد عبد العزيز بلخادم يعني رهان على التحالف السياسي الحالي في قيادة جبهة التحرير.. أما في صورة تغيير رئيس الحكومة فقد يعود الرهان مجددا على قيادة التجمع الوطني الديمقراطي بزعامة احمد اويحي.. مع ما يعنيه ذلك من تحالفات جديدة قد تشمل التجمع من اجل الثقافة والديمقراطية لسعيد سعدي وعدد من الزعامات المحسوبة على التيارالعلمانية وانصار اللائكية.. والتيار الاقرب الى فرنسا واوروبا.. على حساب انصار التوجه نحو امريكا الذين هيمنوا في الفترة السابقة.. وفي كل السيناريوهات تبقى المؤسسة العسكرية لاعبا رئيسيا.. والتوازنات داخلها حاسمة في التاثير في ملامح المشهد السياسي الجديد.. والفريق القادم..