مشاهد مثيرة للجدل حول "مفاهمة" بين لاعبي فلسطين وسوريا خلال ضربة جزاء غير محتسبة    الإتحاد المنستيري يكشف عن هوية مدربه الجديد    عاجل: أجواء متقلبة تعود إلى شمال إفريقيا بداية من هذا التاريخ..هل تونس معنية؟    عاجل: الشؤون الدينية تُعلن عن تسعيرة الحجّ    أصلان بن رجب يدعو الشباب إلى الاعتماد على المبادرة الفردية والذاتية    تونس تنهي المونديال في المركز 20    الحماية المدنية: 574 تدخلا في ال 24 ساعة الماضية    ''التاكسي موتو'' في تونس العاصمة: هاو شنوّا يقول فيها القانون    عروض سينمائية ومسرحية وورشات متنوعة في الدورة الثانية لمهرجان أيام المسرح بمنوبة من 13 إلى 18 ديسمبر 2025    المركز الاجتماعي والثقافي بروما ينظم برنامجا احتفاليا لفائدة العائلات التونسية والعربية يوم 13 ديسمبر 2025    عمادة الأطباء تتقدّم بشكاية ضد برنامج تلفزي روّج لعلاج السرطان بالأعشاب والدجل    عاجل: أمريكا ترحّل 50 شخصًا وهذه جنسياتهم    عاجل/ معطيات جديدة تكشف لأول مرة عن اغتيال السنوار..    عاجل/ منخفضات جوية جديدة بداية من هذا التاريخ..    جريمة المنيهلة الشنيعة: تفاصيل جديدة..#خبر_عاجل    وزارة الداخلية تطلق منصة جديدة باش تراقب السلامة المرورية وتقلّص الحوادث!    عاجل/ اضراب عام في هذه القطاعات غدا..    الرابطة الثانية: تعديل في موعد إحدى المباريات وبرنامج الجولة الثالثة عشرة    طرابلس تستعد لافتتاح المتحف الوطني بعد 14 عامًا من الإغلاق... عودة مؤسسة ثقافية كبرى إلى الواجهة    استعمال الشيكات تنخفض والفلوس الكاش ترتفع.. الوضع في السوق التونسي شنوّة؟    بعد إيقاف العمل بصيغة الطرف الدافع: نقابة الصيادلة تكشف وتوضح..    عاجل: اتهمته بالترويج للشعوذة..سمير الوافي يرّد على عمادة الأطباء    وفاة هذا السفير..#خبر_عاجل    عاجل: انطلاق حجز تذاكر موسم 2026 لخطّي مرسيليا وجنوة بداية من هذا اليوم    إذا تعرّضت للعنف داخل الوسط المدرسي: اتّصل بهذه الأرقام    عاجل/ عمادة الأطباء تقاضي برنامج تلفزي..وهذا هو السبب..    كأس العرب 2025: شوف الماتشوات متع اليوم..التوقيت وشكون ضدّ شكون    الرابطة الثانية - هلال الرديف يعلن فك علاقته التعاقدية مع المدرب عثمان الشهايبي    عاجل: شكاية ضد برنامج ''الوحش بروماكس'' بعد ترويجه لعلاج السرطان بالأعشاب    شركة روش تعيّن السيد ماثيو جالاي مديرًا عامًا لتونس وليبيا    وزارة الصحة: تقنيات طبية جديدة لدعم مراكز المساعدة على الإنجاب بالمستشفيات العمومية    اليابان ترفع مستوى التحذير من تسونامي    "مازال في غيبوبة بعد تعرضه لحادث": ابنة صالح الفرزيط تكشف وتوجه نداء عاجل..    بسبب نزاع على المياه: ترامب يهدد المكسيك بزيادة رسوم جمركية    التوقعات الجوية لهذا اليوم..    استبعاد أودوجي لاعب توتنهام من مواجهة سلافيا براغ برابطة أبطال أوروبا    علامات تحذيرية تشير إلى نقص فيتامين ''د'' في بدنك    عاجل: شنيا حقيقة تحقيق من فيفا في مباراة فلسطين وسوريا؟.. هذه كل التفاصيل    شنيا حكاية مباراة تونس - بوتسوانا وراء الأبواب المغلقة؟...ما هيش المرة الأولى    الطقس مُستقر اليوم..لكن التقلُبات جاية في هذا الموعد    ترامب: "إنفيديا" ستتمكن من تصدير شرائح الذكاء الاصطناعي المتقدمة إلى الصين    إسرائيل تشن غارات على جنوب لبنان    بعد 3 أيام من اختفائه.. إنقاذ طفل سوري دفن حيا في تركيا    الكوتش وليد زليلة يكتب ..حين يتحدث القلب قبل اللسان ..كيف نساعد أطفالنا على التعبير عن مشاعرهم؟    مُربّ في البال...محفوظ الزعيبي مربيا وشاعرا وأديبا    بعث أقسام مختصة    بنزرت: ...في الاجتماع الموسع للنقابة التونسية للفلاحين ..«لوبيات» البذور الممتازة تعبث بالموسم    توقيع مذكرة تفاهم لإدارة وتسيير مركز تونس للتميز ' كايزان '    عاجل/ إقرار هذه الإجراءات لتأمين التزويد بقوارير الغاز    وزارة الفلاحة.. وضعية السدود الموسم الجاري كانت أفضل من السنة السابقة    توقيع مذكرة تفاهم بين البنك المركزي التونسي والبنك المركزي العُماني    عاجل/ بالأرقام: سدود الشمال تتدعّم بكميات هامة خلال الاسبوع المنقضي    شوف شنوة ال 5 حاجات تقولهم المرأة والراجل يفهمها بالعكس    التسامح وبلوى التفسّخ    حَقُّ التّحْرِيرَيْنِ وَوَعْيُ التّحْرِيرِ: جَدَلِيّةُ الْوَعْيِ الْمُحَرر    رأي .. قرنٌ من التطرف، والإرهاب ... من حسن البنّا إلى سلطة الشرع... سقوط الإمارة التي وُلدت ميتة!    أولا وأخيرا .. أزغرد للنوّاب أم أبكي مع بو دربالة ؟    غدوة اخر نهار للأيام البيض.. اكمل صيامك واغتنم الثواب    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



بورقيبة العلماني والمجاهد الأكبر

عاد الجدل يدور من جديد حول شخصية الرئيس التونسي السابق الحبيب بورقيبة، بعد نشر قناة العربية لأشرطة وثائقية حول الزعيم العربي الوحيد، بين الزعماء التاريخيين الذي وصل إلى السلطة ليس من خلال انقلاب مسلح، وان كان طوال حياته السياسية الحافلة قد قام بأكثر من انقلاب.
أتاتورك المدني
تجربة بورقيبة بنجاحاتها وإخفاقاتها تستحق الوقوف عندها ومراجعتها، بعد فشل التجارب الأخرى التي قادت شعوبها إلى الكارثة، فبورقيبة هو مؤسس ثاني جمهورية في البلاد العربية، بعد جمهورية عبد الناصر، التي استقطبت الجماهير كما لم تستقطبها أي جمهورية أخرى، والتي شكل خطابها خطرا على كل الأنظمة التقليدية في المنطقة، بما في ذلك نظام الحبيب بورقيبة، الذي ناور بدهاء كي ينجو بنظامه من القوميين المتشددين، ومن الاشتراكيين المنغلقين، وكان عليه في كل مرحلة أن يعين رئيس وزراء من هذا التيار، أو ذاك التيار كي يعلق في رقبته كل أخطاء المرحلة، ويحافظ على صلب نظامه العلماني، الذي أخفاه بمهارة وسط نصوص قانونية، وليس داخل هتافات، وشعارات أيديولوجية. انتهت الايدولوجيا، وبقي القانون يحرس ما غرسه بورقيبة منذ زمن بعيد في مجلة الأحوال الشخصية.
يمكن القول أن بورقيبة هو أتاتورك آخر خلع ثيابه العسكرية، وعاد إلى بلاده المحتل بعد أن تحصل على شهادة في القانون من فرنسا عام 1927. القانون هو الذي راهن عليه بورقيبة، عكس أتاتورك الذي راهن على السلاح، والأمر العسكري لإنقاذ البلاد أولا، ثم لفرض العلمانية على المجتمع بأسره.
الخفيف والثقيل
لم تمر تونس بكفاح مسلح شامل لتحرير البلاد مثلما حدث في الجزائر. لقد اعتمدت على خطب بورقيبة، وهو يجوب البلاد أكثر من اعتمادها على رصاص أعمى لا يصيب الهدف، لهذا انتبهت فرنسا مبكرا للمحامي الشاب، الذي تعرض للاعتقال، والنفي داخل البلاد وخارجها عدة مرات، ومن المصادفات العجيبة أن تونس نالت استقلالها قبل الجزائر بعدة سنوات، رغم الثمن الباهظ الذي دفعه الجزائريون من أجل استقلال، أصبحوا رهائن له، وأفضى بهم إلى حرب أهلية، زادت من ثمن الاستقلال، بينما تنعم جارتها الصغيرة بالهدوء، والأمن رغم الفارق الهائل في موارد الدولتين، فعندما كان هواري بومدين يبنى الصناعة الثقيلة، كان بورقيبة من موارد زيت الزيتون، ومن عائدات نخل الجنوب، يبني المشاريع السياحية، لقد انهارت مشاريع الصناعات الثقيلة الجزائرية، لأنها كانت سقفا ثقيلا ليس هناك من أعمدة تسنده على الأرض، ونجحت الصناعات الخفيفة التونسية، بما في ذلك السياحة لأنها كانت الأرض التي عليها ترتفع الأشياء.
الوطن البحري والوطن القبلي
كان بورقيبة الذي ولد في مطلع القرن العشرين في حي "الطرابلسية" بمدينة المونستير، والذي تعود جذوره إلى منطقة مصراتة في ليبيا، قد نشأ بعيدا عن تأثير جامع الزيتونة، ومن البداية اختار أفق البحر الأزرق الذي تطل عليه المونستير، أكثر من أفق الجنوب الصحراوي الأصفر، وأختار أن يدرس في فرنسا حيث تأثر بشدة بمؤلفات جان جاك روسو، ومنتيسكيو. لم يتلقف العقد الاجتماعي، وروح القانون فحسب، بل عاش مع سيدة فرنسية دون زواج، تكبره باثنتي عشر عاما، كان زوجها العسكري قد لقي حتفه خلال الحرب العالمية الأولى، ثم تزوجها في ما بعد، وأنجب منها ابنه الوحيد، وعاشت معه 22 سنة، قبل أن يطلقها، ويتزوج من السيدة وسيلة بن عمار، التي تحولت إلى أقوى شخصية بعد بورقيبة، وأحيانا أقوى منه، حتى طلقها هي الأخرى في آخر سنوات حكمه بحجة تدخلها في شئون الدولة.
كان بورقيبة طاغية في زي علماني، ألغى كل الأحزاب، وأبقى حزبه فقط، وطارد معارضيه وسجنهم بالآلاف، وشطب على كل رفاقه في الكفاح من أجل الاستقلال، وأعلن نفسه "المجاهد الأكبر"، وفي منتصف السبعينات عدل الدستور، الذي أصبح ينص على أن بورقيبة هو رئيس تونس مدى الحياة.
خريف البطريرك
كان بورقيبة طاغية من نوع خاص، فقد عاش معتمدا على راتبه من وظيفته كرئيس للدولة، ربما لعدم ظهور النفط في تونس الذي بامكانه أن يفسد كل نساك العالم، وكان بورقيبة منذ وقت بعيد حسب ما جاء في كتاب "بورقيبة..سيرة شبه محرمة" للصحفي والكاتب التونسي الصافي سعيد، عندما خاطب معاونيه قائلا ذات يوم سأحيد عن الطريق، وسيطالني الفساد، وعندها لن يستطيع أحد منكم أن يقول لي ذلك.
ترى لو جاء بورقيبة من الجنوب الذي لا يزال حتى الآن يعرف بالوطن القبلي*، كان سيكون مختلفا عن بورقيبة الساحلي؟ لاشك أن بورقيبة يلخص مزايا الساحل التونسي وعيوبه، والقدرة على الجمع بين العلمانية المستندة على قوة القانون، وأيضا على نوع من الطغيان المديني، الذي يتراجع للصالح العام، ولا يعاند مثل شجرة صلبة لا تنحني للعاصفة، ربما لهذا السبب أهمل بورقيبة الجنوب حتى أصبح خطرا على نظامه في انتفاضة قفصة في آخر السبعينات، وأيضا في ظهور الجماعات الإسلامية.
في أواخر سنوات حكمه تحول بورقيبة إلى بطريرك في خريفه الطويل، كان التلفزيون التونسي يخصص فقرة قبل الأخبار"لأحاديث المجاهد الأكبر"، وتستهل الأخبار "بسيادته"، وهو يسبح، أو وهو يتأرجح من حبل مربوط في غصن شجرة، أو وهو يستعرض زهوه على كبار معاونيه في قصر قرطاج، أو وهو يستمع إلى فرقة الموشحات التقليدية التي تخصصت في مدحه.
بعد خروجه من قصر قرطاج في يوم 7 نوفمبر 1987، اختار أن يعيش في قصر في المونستير، وهناك لم يتحمل الوحدة، والإهمال، بعد أن كان ملء السمع والبصر، فأخذ يتصل بالهاتف بلا اتفاق، ويتحدث مع أول شخص يرفع سماعة الهاتف، ويسأله من بنى تونس، ومن حقق الاستقلال. تقول أخبار غير مؤكدة بأن الدولة انتبهت إلى ذلك فنظموا له دائرة مغلقة، يتولى فيها موظفون الرد على مكالماته بكل ما يرضيه، أما التلفزيون فكان يبث له خصيصا كل ما تغنت به فرقة المدائح والموشحات، التي أصبح أفرادها عاطلين عن العمل بعد خروج بورقيبة من قصر قرطاج إلى الأبد.
الإرث الباقي الوحيد
انتهى تقريبا كل ما تركه الرؤساء العرب الذين انتزعوا الاستقلال، أو من خلفهم ليمسح كل أثر لهم، اختفت الناصرية من مصر، بمجرد رحيل عبد الناصر، أما بقية الأنظمة فلم يكن لها من المشاريع حتى للاستمرار في ظل وجود مؤسسيها، كانوا يتقلبون بين الاشتراكية، والرأسمالية عدة مرات، دون أن يرمش لهم جفن. الوحيد الذي بقي تراثه بعده يحرسه غيره هو الحبيب بورقيبة، الذي كان متأكدا قبل رحيله عن قرابة قرن كامل من حياة حافلة بالانتصارات والهزائم، أن من المستحيل أن تعود المرأة في تونس، كما كانت عليه عندما وصل بورقيبة في عام 1957 إلى قمة السلطة.
ملاحظة : *تلفت الوسط التونسية نظر قرائها الى خطأ جغرافي فادح ورد بالتقرير وهو أن جهة الوطن القبلي تقع بالشمال الشرقي لتونس في شكل شبه جزيرة يحيط بها البحر من ثلاث جهات وليس بالجنوب التونسي كما ورد في تقرير كاتب هذا التحليل .
تمت اعادة النشر على الوسط التونسية بتاريخ 18 ماي 2007


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.