نوفمبر: تضاعف عدد حالات ومحاولات الانتحار وهذه الولاية المتصدرة    الحجز المبكر: الترويج الرقمي خيار إستراتيجي    هام/ قافلة صحية مجانية بالمدرسة الابتدائية 2 مارس قصر السعيد الثاني..    جلسة عمل بوزارة الصحة مع وفد من كلية الطب بجامعة هارفارد الأمريكية حول تعزيز التكوين الطبي والتعاون الثنائي    السلطات الأمريكية تعتقل أكاديميا برازيليا أشهر سلاحه قرب كنيس يهودي    عاجل: تعرف على تصريحات الطرابلسي بعد مباراة تونس وفلسطين    عاجل/ وسط ظروف غامضة..العثور على جثة شاب داخل منزله..    تونس: 20 سنة سجنا لمختصّ في عمليات ''براكاج'' لسيارات التاكسي    لذاكرة حادة.. 10 أغذية تحافظ على قوة دماغك..احرص عليها..    كأس العرب: مواجهة حاسمة بين عُمان والمغرب في المجموعة الثانية    شويا ثوم وطماطم وبرشا بصل...وصفة من دكتورة تونسية    تظاهرة علمية لتسليط الضوء حول التحديات الحالية وآفاق مكافحة فيروس نقص المناعة البشرية في تونس    الرابطة الثانية: تعيينات حكام مباريات الجولة الثانية عشرة    مونديال كرة اليد للسيدات: المنتخب الوطني ينهزم أمام نظيره الهولندي    عاجل: 12 فصل إضافي في قانون المالية..أعرف التفاصيل    عام سجناً مع تأجيل التنفيذ لفتاة تواصلت مع خطيبها المنتمي لتنظيم داعش الإرهابي    حلا شيحة: "القرآن هو السبيل الوحيد للنجاة"    عاجل: ماشي 'للحج'' في 2026..رّد بالك تعمل الحاجة هذه    تزامنا مع موجة البرد..لجنة مجابهة الكوارث بولاية تونس تجتمع..وهذه أبرز التوصيات..#خبر_عاجل    باش تفهمها مليح: كان شهريتك مليون...الإقتطاع بش يكون 5 دينارات    المنسنتير: المؤتمر الدولي الثاني للتغذية الدقيقة في هذا الموعد    بشرى سارة للحوامل المصابات بالسكري.. تقنية جديدة تعيد الأمل..    حاتم الطرابلسي: تحميل لاعب واحد مسؤولية الإخفاق غير مقبول... والمنتخب هو المتضرّر الأكبر    تواصل البحث عن البحارة المفقودين..ساسي علية يوجه هذا النداء..#خبر_عاجل    عاجل: اليوم.. 18 ولاية تحت اليقظة الصفراء... أمطار، رعد ورياح قوية    رحيل ساحر "مورتال كومبات"    مصر.. مرشح يفوز في انتخابات النواب رغم وفاته    من بعد إيقاف الهجرة من 19 دولة... قرار جديد يشدّد أكثر على المهاجرين    قرعة كأس العالم 2026: متى تُقام؟ وكيف يمكن متابعتها؟    بعد إهانات ترامب.. اعتقال صوماليين في "حملة مينيابوليس"    تحسّن العجز الجاري إلى 1،6 بالمائة من الناتج الداخلي الخام في 2024    سعيد يفجرها: "البعض ما زال يتوهّم أنّه بإمكانه زرع اعوانه في كل مكان، كلهم مكشوفون.."    أمطار وتقلّبات اليوم... والشمس ترجع النهار هذا    خليفة "أبو شباب": سترى حماس الوجوه الحقيقية التي كان يجب أن تراها منذ وقت طويل    فانس يتهم الاتحاد الأوروبي ب"مهاجمة حرية التعبير" بسبب غرامة على "إكس"    تفكيك شبكة دوليّة لترويج المخدرات وحجز 420 كلغ من "الزطلة"    الندوة الصحفية لأيام قرطاج السينمائية..3،8 ملايين دينار ميزانية الدورة 36    الأمين السعيدي الرواية في أزمنة الغواية    اسألوني .. يجيب عنها الأستاذ الشيخ: أحمد الغربي    خطبة الجمعة .. التاجر الصدوق تحت ظل العرش يوم القيامة    شركة النّقل بتونس تعلن عن توقف الجولان كليا على الخط الحديدي تونس/حلق الوادي/المرسى (ت.ح.م) نهاية الأسبوع    جائزة البابطين للإبداع في خدمة اللغة العربية : يوم 31 ديسمبر آخر أجل للترشح للدورة الثانية    كأس العرب قطر 2025: منتخب جزر القمر يتمسك بآمال التأهل في مواجهة نظيره السعودي غدا الجمعة    حفل تقديم الكتاب الجديد للدكتور محمّد العزيز ابن عاشور "المدينة في زمن الباشا بايات" بقصراحمد باي بالمرسى الاحد 7 ديسمبر 2025    تفاصيل برنامج الدورة 36 لأيام قرطاج السينمائية..    تشكيلة المنتخب التونسي في مواجهة فلسطين..#خبر_عاجل    إتحاد الفلاحة يكشف عن حجم صابة البرتقال المالطي لهذا العام..#خبر_عاجل    عاجل: تونس تتعرّف على منافسيها في المونديال في هذا التاريخ    توقيع مذكرة تفاهم بين جامعة تونس المنار والشبكة العربية للإبداع والابتكار    الجزائر: وفاة طفل وإصابة 15 شخصا في انقلاب حافلة    وزير التجارة يؤكّد حرص الدولة على مساندة المؤسسات الناشطة في مجال زيت الزيتون    عاجل/ نشرة استثنائية: أمطار غزيرة ورياح تتجاوز 70 كلم/س حتى هذا الموعد..    بعد صدمة وفاة ابنها.. شوفوا شنوا صاير لفيروز والشائعات اللي تحوم عليها    مناظرة هامة: إنتداب 90 عونا وإطارا بهذه المؤسسة..#خبر_عاجل    قابس: البحث عن 3 بحارة غرق مركبهم بالصخيرة بعد ان انطلق من قابس    فخر لكل التوانسة: تونس تتوّج وجهة سياحية جذابة وممتعة عالميًا!    عاجل: مدينة العلوم بتونس تكشف موعد ''رمضان'' فلكيّا    بدأ العد التنازلي..هذا موعد شهر رمضان فلكيا..#خبر_عاجل    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



بورقيبة العلماني والمجاهد الأكبر

عاد الجدل يدور من جديد حول شخصية الرئيس التونسي السابق الحبيب بورقيبة، بعد نشر قناة العربية لأشرطة وثائقية حول الزعيم العربي الوحيد، بين الزعماء التاريخيين الذي وصل إلى السلطة ليس من خلال انقلاب مسلح، وان كان طوال حياته السياسية الحافلة قد قام بأكثر من انقلاب.
أتاتورك المدني
تجربة بورقيبة بنجاحاتها وإخفاقاتها تستحق الوقوف عندها ومراجعتها، بعد فشل التجارب الأخرى التي قادت شعوبها إلى الكارثة، فبورقيبة هو مؤسس ثاني جمهورية في البلاد العربية، بعد جمهورية عبد الناصر، التي استقطبت الجماهير كما لم تستقطبها أي جمهورية أخرى، والتي شكل خطابها خطرا على كل الأنظمة التقليدية في المنطقة، بما في ذلك نظام الحبيب بورقيبة، الذي ناور بدهاء كي ينجو بنظامه من القوميين المتشددين، ومن الاشتراكيين المنغلقين، وكان عليه في كل مرحلة أن يعين رئيس وزراء من هذا التيار، أو ذاك التيار كي يعلق في رقبته كل أخطاء المرحلة، ويحافظ على صلب نظامه العلماني، الذي أخفاه بمهارة وسط نصوص قانونية، وليس داخل هتافات، وشعارات أيديولوجية. انتهت الايدولوجيا، وبقي القانون يحرس ما غرسه بورقيبة منذ زمن بعيد في مجلة الأحوال الشخصية.
يمكن القول أن بورقيبة هو أتاتورك آخر خلع ثيابه العسكرية، وعاد إلى بلاده المحتل بعد أن تحصل على شهادة في القانون من فرنسا عام 1927. القانون هو الذي راهن عليه بورقيبة، عكس أتاتورك الذي راهن على السلاح، والأمر العسكري لإنقاذ البلاد أولا، ثم لفرض العلمانية على المجتمع بأسره.
الخفيف والثقيل
لم تمر تونس بكفاح مسلح شامل لتحرير البلاد مثلما حدث في الجزائر. لقد اعتمدت على خطب بورقيبة، وهو يجوب البلاد أكثر من اعتمادها على رصاص أعمى لا يصيب الهدف، لهذا انتبهت فرنسا مبكرا للمحامي الشاب، الذي تعرض للاعتقال، والنفي داخل البلاد وخارجها عدة مرات، ومن المصادفات العجيبة أن تونس نالت استقلالها قبل الجزائر بعدة سنوات، رغم الثمن الباهظ الذي دفعه الجزائريون من أجل استقلال، أصبحوا رهائن له، وأفضى بهم إلى حرب أهلية، زادت من ثمن الاستقلال، بينما تنعم جارتها الصغيرة بالهدوء، والأمن رغم الفارق الهائل في موارد الدولتين، فعندما كان هواري بومدين يبنى الصناعة الثقيلة، كان بورقيبة من موارد زيت الزيتون، ومن عائدات نخل الجنوب، يبني المشاريع السياحية، لقد انهارت مشاريع الصناعات الثقيلة الجزائرية، لأنها كانت سقفا ثقيلا ليس هناك من أعمدة تسنده على الأرض، ونجحت الصناعات الخفيفة التونسية، بما في ذلك السياحة لأنها كانت الأرض التي عليها ترتفع الأشياء.
الوطن البحري والوطن القبلي
كان بورقيبة الذي ولد في مطلع القرن العشرين في حي "الطرابلسية" بمدينة المونستير، والذي تعود جذوره إلى منطقة مصراتة في ليبيا، قد نشأ بعيدا عن تأثير جامع الزيتونة، ومن البداية اختار أفق البحر الأزرق الذي تطل عليه المونستير، أكثر من أفق الجنوب الصحراوي الأصفر، وأختار أن يدرس في فرنسا حيث تأثر بشدة بمؤلفات جان جاك روسو، ومنتيسكيو. لم يتلقف العقد الاجتماعي، وروح القانون فحسب، بل عاش مع سيدة فرنسية دون زواج، تكبره باثنتي عشر عاما، كان زوجها العسكري قد لقي حتفه خلال الحرب العالمية الأولى، ثم تزوجها في ما بعد، وأنجب منها ابنه الوحيد، وعاشت معه 22 سنة، قبل أن يطلقها، ويتزوج من السيدة وسيلة بن عمار، التي تحولت إلى أقوى شخصية بعد بورقيبة، وأحيانا أقوى منه، حتى طلقها هي الأخرى في آخر سنوات حكمه بحجة تدخلها في شئون الدولة.
كان بورقيبة طاغية في زي علماني، ألغى كل الأحزاب، وأبقى حزبه فقط، وطارد معارضيه وسجنهم بالآلاف، وشطب على كل رفاقه في الكفاح من أجل الاستقلال، وأعلن نفسه "المجاهد الأكبر"، وفي منتصف السبعينات عدل الدستور، الذي أصبح ينص على أن بورقيبة هو رئيس تونس مدى الحياة.
خريف البطريرك
كان بورقيبة طاغية من نوع خاص، فقد عاش معتمدا على راتبه من وظيفته كرئيس للدولة، ربما لعدم ظهور النفط في تونس الذي بامكانه أن يفسد كل نساك العالم، وكان بورقيبة منذ وقت بعيد حسب ما جاء في كتاب "بورقيبة..سيرة شبه محرمة" للصحفي والكاتب التونسي الصافي سعيد، عندما خاطب معاونيه قائلا ذات يوم سأحيد عن الطريق، وسيطالني الفساد، وعندها لن يستطيع أحد منكم أن يقول لي ذلك.
ترى لو جاء بورقيبة من الجنوب الذي لا يزال حتى الآن يعرف بالوطن القبلي*، كان سيكون مختلفا عن بورقيبة الساحلي؟ لاشك أن بورقيبة يلخص مزايا الساحل التونسي وعيوبه، والقدرة على الجمع بين العلمانية المستندة على قوة القانون، وأيضا على نوع من الطغيان المديني، الذي يتراجع للصالح العام، ولا يعاند مثل شجرة صلبة لا تنحني للعاصفة، ربما لهذا السبب أهمل بورقيبة الجنوب حتى أصبح خطرا على نظامه في انتفاضة قفصة في آخر السبعينات، وأيضا في ظهور الجماعات الإسلامية.
في أواخر سنوات حكمه تحول بورقيبة إلى بطريرك في خريفه الطويل، كان التلفزيون التونسي يخصص فقرة قبل الأخبار"لأحاديث المجاهد الأكبر"، وتستهل الأخبار "بسيادته"، وهو يسبح، أو وهو يتأرجح من حبل مربوط في غصن شجرة، أو وهو يستعرض زهوه على كبار معاونيه في قصر قرطاج، أو وهو يستمع إلى فرقة الموشحات التقليدية التي تخصصت في مدحه.
بعد خروجه من قصر قرطاج في يوم 7 نوفمبر 1987، اختار أن يعيش في قصر في المونستير، وهناك لم يتحمل الوحدة، والإهمال، بعد أن كان ملء السمع والبصر، فأخذ يتصل بالهاتف بلا اتفاق، ويتحدث مع أول شخص يرفع سماعة الهاتف، ويسأله من بنى تونس، ومن حقق الاستقلال. تقول أخبار غير مؤكدة بأن الدولة انتبهت إلى ذلك فنظموا له دائرة مغلقة، يتولى فيها موظفون الرد على مكالماته بكل ما يرضيه، أما التلفزيون فكان يبث له خصيصا كل ما تغنت به فرقة المدائح والموشحات، التي أصبح أفرادها عاطلين عن العمل بعد خروج بورقيبة من قصر قرطاج إلى الأبد.
الإرث الباقي الوحيد
انتهى تقريبا كل ما تركه الرؤساء العرب الذين انتزعوا الاستقلال، أو من خلفهم ليمسح كل أثر لهم، اختفت الناصرية من مصر، بمجرد رحيل عبد الناصر، أما بقية الأنظمة فلم يكن لها من المشاريع حتى للاستمرار في ظل وجود مؤسسيها، كانوا يتقلبون بين الاشتراكية، والرأسمالية عدة مرات، دون أن يرمش لهم جفن. الوحيد الذي بقي تراثه بعده يحرسه غيره هو الحبيب بورقيبة، الذي كان متأكدا قبل رحيله عن قرابة قرن كامل من حياة حافلة بالانتصارات والهزائم، أن من المستحيل أن تعود المرأة في تونس، كما كانت عليه عندما وصل بورقيبة في عام 1957 إلى قمة السلطة.
ملاحظة : *تلفت الوسط التونسية نظر قرائها الى خطأ جغرافي فادح ورد بالتقرير وهو أن جهة الوطن القبلي تقع بالشمال الشرقي لتونس في شكل شبه جزيرة يحيط بها البحر من ثلاث جهات وليس بالجنوب التونسي كما ورد في تقرير كاتب هذا التحليل .
تمت اعادة النشر على الوسط التونسية بتاريخ 18 ماي 2007


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.