لقد علمنا بورقيبة نحن جيل الستينات ان تونس امة تستمد روحها وعبقريتها من جذورها الرومانية وان الانتماء الي العروبة والاسلام خور ومعرة وتخلف وان نظامه هو الافضل وزعامته لا تنافس وانجازاته نوع من الخوارق لكن تطور وسائل الاتصال وفشل سياسته الذريع كشف للتونسيين ان عالم العرب مختلف عما حاول هو ونظامه غرسه، ولعلي احد الذين تشكلت في اذهانهم صور مشوهة عن الشعوب العربية الاخري حتي سنحت لي الفرصة ووفرة وسائل الاتصال ان اطلع علي ما انجزته شعوب عربية ماضيا وحاضرا عبر السماع والقراءة والمشاهدة لذلك زرت دولا عربية كثيرة منها مصر التي وجدتها واقعا اعظم واحسن واكمل من صورتها الخيالية المرسومة في ذهني فعظمة مصر الحضارية والتاريخية لا ينكرها احد جمع بين القراءة عنها والتجول في ارجائها فضخامة الاثار وابداع النقوش وعبقرية المنحوتات وناحيتها واتقان تخطيط القصور والمدن واحكام استغلال نهر النيل.. يذهل المحدثين، وعظمة شعب مصر اسمي من ان تنافس لانه مبتكر حضارة اصبحت اساس الحضارات وليس مقلدا لاي حضارة ولانه امهر شعبين في اسلوب استغلال مياه الانهار بكيفية مبهرة جمعت بين فن الهندسة وفن الزراعة وفن المعتقد وفن الابداع الفكري والادبي والفلسفي والمعماري. وعظمة مصر الحاضرة اقل ما يقال فيها انها امتداد طبيعي لعظمتها التاريخية فالنظافة سمة غالبة عكس المتداول بين من لم يزوروها وشبكة الجسور العملاقة والطرقات السيارة لا نظير لها في الدول العربية الاخري والشوارع الواسعة الطويلة والعمارات الشامخة والمآذن العالية لا نظير لها عند الشقيقات. ان زائر مصر ليعجز عن وصف عظمتها الماضية والحاضرة عجزه عن ايجاد تفسير مقنع لضعف دورها الحالي في المنطقة والعالم الذي يتناقض وعظمتها، كانت مصر عبر التاريخ ماردا جبارا مكبلا بالسلاسل السياسية والمصالحة الانانية والقوي الاستعمارية الغاشمة لكن كلما سنحت له الفرص وهي قليلة حطم القيود وسجل اسمه بحروف غليظة من ذهب علي جبين العالم وقد كان ذلك ايام بعض الفراعنة الكبار قديما وسنوات حكم عبد الناصر حديثا لكن وارثي عبد الناصر نسيا مصريتيهما وعظمة شعبيهما واهراماتهما ونيلهما وقاهرتهما واعمدة هياكلهما وتماثيلهما وخصوبة ارضهما ومفكريهما.. وسلما مصير بلدهما الجبار ومصير العرب جميعا الي قوي اجنبية لقيطة لا تاريخ لها ولا حضارة. هذه حال مصر العظيمة بالقوة الصغيرة بالسياسة، لكن وعي المصريين العميق الحاد، الذي لمسته، بهذه المعادلة المعكوسة سيجعل مصر قريبا عظيمة بالقوة وعظيمة بالسياسة.