نقل وزير الخارجية الإيراني منوشهر متقي دعوة من الرئيس التونسي بن علي إلى نظيره محمود أحمدي نجاد لزيارة تونس في أعقاب اجتماعهما في العاصمة التونسية الأسبوع الماضي. وفي اليوم نفسه نقل السفير الإيراني في الجزائر حسين عابدي أبيانه دعوة مماثلة من النائب الأول للرئيس الإيراني برويز داودي إلى رئيس الحكومة الجزائرية عبدالعزيز بلخادم لزيارة طهران. وأتت الدعوتان بعد زيارة رسمية لمتقي إلى الجزائر أواخر الشهر الماضي، وفي أعقاب زيارة رسمية لأمين اللجنة الشعبية العامة (رئيس الوزراء) الليبي البغدادي المحمودي إلى طهران يومي 19 و20 الشهر الماضي في خطوة للمصالحة بين البلدين، اجتمع خلالها مع الرئيس نجاد ونائبه داودي وعدد كبير من الوزراء. هناك اهتمام إيراني متزايد بتطوير العلاقات مع البلدان المغاربية، وسعي إلى كسب تأييدها في الأزمة النووية بين طهرانوواشنطن. وكان لافتاً أن وكالة الأنباء الإيرانية «إيرنا» أبرزت في تغطيتها زيارة متقي إلى تونس تصريحات للرئيس بن علي أكد فيها حق إيران بامتلاك التكنولوجيا النووية السلمية. ونسبت إليه قوله إن إيران لا تسعى إلى إنتاج السلاح الذري وأن جميع نشاطاتها النووية موجهة إلى أهداف سلمية وتتم في إطار المعاهدة الدولية لحظر انتشار السلاح النووي. وعلى رغم حرص الإيرانيين على حشد الدعم الدولي لموقفهم، خصوصاً من بلدان إسلامية حليفة للولايات المتحدة في «الحرب على الإرهاب»، إلا أن العلاقات الإيرانية – المغاربية تجاوزت هذا الإطار وتوسعت في الفترة الأخيرة لتشمل تعزيز المسارات الثنائية، حتى مع ليبيا التي مازال الخلاف السياسي – القانوني عالقاً معها حول ظروف اختفاء الرئيس المؤسس للمجلس الإسلامي الشيعي الأعلى الإمام موسى الصدر في طرابلس الغرب في أيلول (سبتمبر) 1978 مع رفيقيه الصحافي عباس بدر الدين والشيخ محمد يعقوب. وعلى الصعيد السياسي لوحظ أن طهران نشطت اجتماعات اللجان المشتركة مع البلدان المغاربية في الأشهر الأخيرة، ولم يكن هذا التطور خارجاً عن الرؤية الإيرانية للعلاقات مع العالم العربي منذ تولي الرئيس الأسبق علي أكبر هاشمي رفسنجاني سدة الرئاسة، وربما أدرك الإيرانيون أن وجود طوائف شيعية متفاوتة الحجم في دول الجوار العربي، سمَم علاقاتهم مع تلك الدول فاختاروا في الفترة الأخيرة التركيز على المغرب العربي حيث يستعيدون دائماً تاريخ الدولة الفاطمية التي انتقلت من مدينة المهدية التونسية قبل أكثر من ألف سنة إلى مصر أيام المعز لدين الله الفاطمي الذي أسس القاهرة. لكن الاحتكاكات بين الحكومات المغاربية ومعارضيها الإسلاميين في مطلع التسعينات أدت إلى توتير العلاقات مع طهران، وانتهى التدهور إلى قطع العلاقات مع كل من تونسوالجزائر قبل استئنافها لاحقاً. ومن علامات المرحلة الجديدة في العلاقات المغاربية – الإيرانية أن اللجان المشتركة التي يرأس اجتماعاتها عادة وزير الخارجية الإيراني ونظراؤه المغاربيون تعقد الدورات في مواعيدها السنوية وتتوصل إلى اتفاقات ترمي إلى تعزيز التعاون في مجالات مختلفة. وأعلن رئيس الحكومة الجزائرية عبدالعزيز بلخادم أخيراً أن اللجنة المشتركة ستجتمع قريباً. وأكد لدى استقباله السفير الإيراني في الجزائر حسين عابدي أبيانه الخميس الماضي لمناسبة انتهاء مهامه، أن العلاقات الثنائية جيدة واستدل باللقاءات الكثيفة بين المسؤولين في الحكومتين. ويمكن ملاحظة التطور نفسه مع ليبيا فالترحيب الذي لقيه المحمودي في طهران، خصوصاً خلال اجتماعه مع الرئيس محمود أحمدي نجاد كرس فتح صفحة جديدة في العلاقات الثنائية، وأكد نجاد أن التعاون بين ليبيا وإيران والبلدان الإسلامية عموماً «سيحبط مؤامرات الأعداء (المشتركين) الذين يسعون إلى تغطية نقاط ضعفهم بإثارة الخلافات والفتن بين المسلمين»، في إشارة غير مباشرة إلى الولاياتالمتحدة. وكان لافتاً أن المحمودي أعلن في اختتام الزيارة عن تأسيس صندوق مشترك للاستثمار في أفريقيا وأميركا اللاتينية، ما يشير إلى نقلة في العلاقات بين البلدين. وأفاد مصدر مطلع على المحادثات أن رئيس الوزراء الليبي درس مع النائب الأول للرئيس الإيراني داودي موضوع التوظيف المشترك للاستثمارات الاقتصادية والتجارية والمالية واستفادة ليبيا من الخبراء والعلماء الإيرانيين، إضافة إلى ملف حساس هو مستقبل العلاقات بين الشيعة والسنّة في ضوء المآسي الجارية في العراق. وأكد المصدر توافق الجانبين على هذه الملفات، خصوصاً «ضرورة توحيد المسلمين» على حد تعبيره. وأوضح أنهما اتفقا على تشكيل فريق عمل لإزالة العراقيل التي عطلت تنفيذ الاتفاقات المشتركة. وفي هذا السياق توقف المراقبون عند دلالات تصريح المحمودي قبل مغادرته طهران الذي شدد على أن «في إمكان إيران وليبيا إنجاز أعمال كبيرة على صعيد العالم الإسلامي»، مُؤكداً أنه «حان الوقت للتنسيق بين طهرانوطرابلس في شأن التطورات الراهنة في الشرق الأوسط خصوصاً العراق وفلسطين ولبنان». وما حصل مع الجزائر وليبيا ينطبق على تونس أيضاً، إذ ركز الإيرانيون على تطوير العلاقات الثقافية والدينية، في خطوة دلت على أنهم لا يعتبرون السياسة المدخل الوحيد للوصول إلى المجتمع المحلي، فهم يولون أهمية كبيرة لنشر اللغة الفارسية وفتح المراكز الثقافية وتنشيط العلاقات الاقتصادية والسياحية وتشجيع تبادل وفود رجال الأعمال. في هذا السياق افتُتح مركز ثقافي إيراني في تونس في آذار (مارس) الماضي، في حي «المنار» الراقي القريب من وسط العاصمة تونس، وهو الأول من نوعه في البلد منذ إقامة علاقات دبلوماسية بين تونسوطهران. وتزامن الافتتاح مع انطلاق تدريس الفارسية في تونس بإشراف القسم الثقافي في السفارة الإيرانية. وقال مدير المركز الدكتور سيد حسين عصمتي بايكي ل «الحياة» إن المركز سيكون جسراً قوياً بين النخب التونسيةوالإيرانية من خلال ندوات ثقافية ومحاضرات ومعارض فنية، بالإضافة إلى إيصال الكتاب الإيراني إلى تونس. واستضاف المركز مطلع الشهر الجاري ندوة فكرية أدارها شقيق مرشد الثورة الإيرانية آية الله محمد خامنئي رئيس مؤسسة «الحكمة الإسلامية للمُلا صدرا» في طهران والتي تحمل اسم الفيلسوف الإيراني صدرا (صاحب نظرية الفلسفة المتعالية الذي يعتبره الإيرانيون أحد أكبر الفلاسفة المسلمين بعد ابن رشد). وعلى هذه الخطى تسير العلاقات مع الجزائر، فالظاهر أن الإيرانيين طلبوا السماح بتدريس لغتهم في الجزائر، وعلى هذا الأساس نسبت وكالة الأنباء الإيرانية «إيرنا» إلى رئيس الحكومة بلخادم أنه «يأمل بفتح قسم لتدريس الفارسية في الجامعة الجزائرية وفتح فرع للمصرف الإيراني لتنمية الصادرات في العاصمة الجزائر». وفي سياق متصل حضت إيرانالجزائر على إرسال طلاب لتعلم علوم الدين في طهران «طبقاً للمذاهب السنية» ووعدت بالمساهمة في إنشاء «المسجد الكبير» في العاصمة الجزائر والذي يُتوقع أن يكون أكبر مسجد في أفريقيا، إضافة إلى دعوة وزير الشؤون الدينية بوعبدالله غلام الله إلى زيارة إيران. وكان وزير التعليم العالي التونسي الأزهر بوعوني قام بزيارة رسمية إلى طهران أواخر الشهر الماضي اجتمع خلالها بالنائب الأول لرئيس الجمهورية داودي ووقع في اختتامها مع نظيره محمد مهدي زاهدي وزير العلوم والبحوث والتكنولوجيا الإيراني على مذكرة للتعاون في مجال التعليم العالي، خصوصاً تبادل المدرسين الجامعيين والباحثين بين الجامعات التونسية وجامعات طهران وأمير كبير وأصفهان. جمعية للشيعة لكن اللافت أن هذا التقارب أدى إلى موافقة السلطات التونسية على منح إجازة عمل ل «جمعية آل البيت» ذات النزعة الشيعية التي يقودها مواطن متحدر من مدينة قابس الجنوبية، ما دل على تسامح غير معهود مع التنظيمات التي ترتدي طابعاً دينياً. ولوحظ أن رئيس الجمعية أصدر بياناً قوياً ضد «حركة النهضة» الإسلامية المعارضة إثر انتقادها رفض طهران منح تأشيرة لرئيسها الشيخ راشد الغنوشي للمشاركة في مؤتمر إسلامي لنُصرة فلسطين. وتحدثت مصادر مطلعة عن انتشار ظاهرة التشيع في مدن تونسية عدة، خصوصاً في بعض ضواحي العاصمة تونس، وهي ظاهرة سُجلت أيضاً في عدد محدود من المدن الجزائرية طبقاً لما أوردت صحف جزائرية. وعلى رغم القلق الذي أبدته الولاياتالمتحدة، الحليف الرئيسي لتونس في ملف مكافحة الإرهاب، من تعزيز العلاقات التونسية – الإيرانية انتقل التونسيون أخيراً إلى مرحلة أكثر تقدماً عندما توصلوا مطلع العام الجاري إلى اتفاق تفضيلي مع طهران يرمي إلى تعزيز التبادل التجاري بين البلدين لمناسبة زيارة رسمية لوزير التجارة التونسي منذر الزنايدي إلى طهران، وأتى الاتفاق تتويجاً لزيارات متبادلة بين وزيري التجارة ووفود من رجال الأعمال التونسيينوالإيرانيين. سياح إيرانيون ومن هذه الزاوية لوحظ تحسن كبير في مستوى التبادل التجاري في حجم السياح المغاربيين الذين يزورون إيران. ودشنت شركة الطيران الخاصة التونسية «الطيران الجديد» في أيار (مايو) الماضي رحلات مباشرة بين مطاري طهران ومنتجع المنستير السياحي في تونس. وأفادت مصادر في الشركة بأن الرحلات المباشرة إلى طهران كانت ترمي إلى نقل سياح إيرانيين إلى تونس لمناسبة أعياد النوروز، لكنها تدرس تسيير رحلات دائمة بين البلدين في فصول السنة الأخرى. كما أعلن في الجزائر أخيراً عن بدء تسويق سيارات «خودرو سامند» الإيرانية بكميات تجارية. وتتولى شركة «فاموفال» التجارية بيع هذه السيارات المقتبسة من السيارة الفرنسية «بيجو 405» بسعر 840 ألف دينار (نحو 8700 يورو). ولوحظ أنها لاقت إقبالاً لدى أصحاب سيارات التاكسي كونها متوافرة في طراز يشتغل بالغاز الطبيعي الذي تنتجه الجزائر بكميات كبيرة. وأفاد مسؤولون في «فاموفال» أنها تعتزم قريباً استيراد طراز آخر من السيارات الإيرانية هو «سايبا» المقتبس من طرازات قديمة لسيارتي «كيا» و «مازدا». أما مع تونس، فإضافة إلى الاتفاق التفضيلي، زار وفد من رجال الأعمال التونسيين قاده الوزير السابق الصادق بن جمعة بصفته رئيس نادي المصدرين المتفرع من اتحاد الصناعيي ن والتجار، إيران في الربيع الماضي وناقش مع المسؤولين هناك آفاق تنشيط التبادل التجاري بين البلدين بغية زيادة حجم المبادلات الثنائية من 70 مليون دينار (60 بليون دولار) حالياً إلى 100 مليون دينار (85 مليون دولار) في الفترة المقبلة. وفي الإطار نفسه أقيم الأسبوع الثقافي الإيراني في تونس في أواخر أيار(مايو) الماضي بإشراف مساعد نائب الرئيس الإيراني حسين جعفري ووزير السياحة التونسي التيجاني الحداد، وأعلن أن أسبوعاً تونسياً مماثلاً سيعقبه في إيران. قُصارى القول أن تكثيف زيارات المسؤولين الإيرانيين إلى كل من الجزائر وليبيا وتونس يدل على مرحلة جديدة في العلاقات عززتها عشرات الاتفاقات المشتركة في الفترة الأخيرة. وعدا موريتانيا التي ظلت العلاقات معها مقطوعة منذ إقدام الرئيس المخلوع معاوية ولد طايع على السماح بفتح سفارة إسرائيلية في بلده، أظهرت العواصم المغاربية حماسة لتطوير العلاقات مع طهران على رغم الضيق الأميركي الواضح من تنامي التعاون مع بلد تضعه واشنطن في خانة الدول المارقة. ويُؤشر التجاهل المغاربي للتبرم الأميركي إلى أن العلاقات مع إيران مُرشحة لمزيد من التطور على رغم الحذر الرسمي غير المعلن من الانعكاسات الممكنة على صعيد نشر المذهب الشيعي في منطقة تتسم بانسجامها الديني وتجانسها المذهبي كونها ظلت تاريخياً سنية على مذهب الإمام مالك بن أنس.