قال فرانسوا بيرغه، الباحث الفرنسي في معهد البحوث والدراسات حول العالم العربي والاسلامي، ان التضارب في التصريحات بين الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي والمسؤولين الليبيين حول مسألة دفع تعويضات مالية لعائلات الأطفال المصابين بالايدز يعود الي التباس ترمينولوجي ، اي لا غير. وقال بيرغه ل القدس العربي بباريس امس الاربعاء ما نعرفه هو أن خلافا في المصطلحات المستخدمة لدي الليبيين والأطراف الأخري المعنية بالموضوع يقف وراء ما يبدو تضاربا في التصريحات ، مضيفا ان الاتحاد الأوروبي وفرنسا حوّلا بالفعل أموالا الي ليبيا لكن بهدف انساني ولتحديث واعادة تأهيل مستشفي مدينة بنغازي، ولم يقصد بهذه الأموال، من وجهة النظر الأوروبية والفرنسية، التعويض للضحايا . واوضح الباحث الفرنسي: هناك، اذاً، أموال ذهبت الي ليبيا لكن ليس بنِيّة التعويض لان التعويض سيعني ضمنيا الاعتراف بالذنب، وحتي عددا من الشركاء ساهموا فيها من زاوية المساعدة الانسانية لعلاج الأطفال الليبيين من داء الآيدز، وهذا ما جعل الرئيس الفرنسي يصر علي أن لا فرنسا ولا الاتحاد الأوروبي دفعا أموالا لتعويض عائلات الأطفال الليبيين. وأكد بيرغه صاحب عدد من المؤلفات القيمة حول الاسلام ان دولة قطر لعبت دورا هاما لطي الجانب المالي في هذا الملف العالق منذ سنوات بين الاتحاد الأوروبي وليبيا والذي بقي يسمم امكانية تطبيع العلاقات بين الطرفين: لقد دفعت قطر أموالا للمساعدة علي طي هذا الملف نهائيا، لكني لا أدري كم هو حجم مساهمتها المالية. وأعرف أيضا أن قطر لم تكن لديها مشكلة مع المصطلحات، بل كانت أكثر مباشرة في مسعاها الهادف الي مساعدة الأطفال الليبيين المتضررين و ذويهم . أما أبعاد ورهانات هذا الانفراج في العلاقات الليبية الفرنسية والليبية الأوروبية بعد حل معضلة الممرضات البلغاريات والطبيب الفلسطيني، فيراها الباحث الفرنسي سياسية واقتصادية: سياسية تنسجم مع وعود ساركوزي الانتخابية بخصوص أوضاع النساء في العالم الاسلامي التي وضع ضمنها قضية الممرضات البلغاريات أثناء حملته الانتخابية، وتهدف أيضا الي تحقيق مكسب ديبلوماسي سياسي له يدعم، علي الاقل من وجهة نظر الذين انزعجوا من التوظيف الاعلامي لدوره في حل هذه الأزمة مع ليبيا، عملية التلميع المتواصل لصورته وأنسنتها خصوصا في العالم العربي. غير أن بيرغه يري أن تأثير دور الرئيس الفرنسي في ملف الممرضات البلغاريات يبقي محدودا لدي الرأي العام العربي عكس ما جري في فرنسا وفي عدد من البلدان الأوروبية، لأن آلاف المساجين يقبعون في الزنزانات المغاربية دون مبررات مقبولة ، علي حد قوله، ودون أن يدفع ذلك ساركوزي الي القيام باي مسعي اتجاههم وهو الذي زار مؤخرا تونس والجزائر. ويقول الباحث الفرنسي ان الشيء نفسه ينطبق علي سجون أخري منها الاسرائيلية، حيث يقبع المئات من الأطفال، أو حتي في غوانتانامو وفي غيرها من السجون الأمريكية. ومن وجهة نظر بيرغه، لن يتمتع الرئيس الفرنسي بمصداقية لدي الرأي العام العربي من الناحية الانسانية الا عندما تتحقق عمليات تحرير أخري في مناطق أخري لفائدة ضحايا ومعتقلين لا يتمتعون بمزية الجنسية الأوروبية ، ليس فقط من طرف خصومنا الآنيين بل حتي من طرف حلفائنا بمن فيهم الاسرائيليين والأمريكيين . وعن الرهانات والأبعاد الاقتصادية، يقول بيرغه، ان الافراج عن الممرضات البلغاريات والطبيب الفلسطيني سوف يضع اللمسات الأخيرة علي عملية اعادة القابلية للاحترام لشريك اقتصادي تضعه احتياطاته من المحروقات، التي نكتشف أنها في كل يوم أهم من البارحة، في موقع كويت صغيرة مغاربية . ويمضي بيرغه قائلا الي حد الساعة، صحيح ان ليبيا ليست سوي الزبون السادس والسبعين لفرنسا والمورد الخامس والأربعين للمحروقات التي تحتاج اليها، لكن الاصلاحات الليبرالية الجارية منذ عدة سنوات تقوم، بعد كل السنوات التي تم تبذيرها في دبلوماسية غير واضحة كالمسودة، بوضع الاقتصاد في فلك تنمية قد تصل الي 8 بالمئة في العام الجاري . ويضيف ان ليبيا تشتري طائرات ايرباص وتطور شبكات توزيع المياه لديها وتثير، منطقيا، العديد من الأطماع، لذلك أصبح من المستعجل أن يعاد للقذافي مستوي من القابلية للاحترام يسمح بأن يباع له كل ما يمكن بيعه، دون حرج أخلاقي، لأناس محترمين . وفي هذا السياق لا يستبعد بيرغه ان تكون ليبيا قد تحصلت بموجب الاتفاق الذي أدي الي الافراج عن الممرضات البلغاريات عن التزام فرنسا ببيعها تكنولوجيا نووية مدنية حيث ستتولي شركة آريفا الأمر، ما يفسر، برأيه، ردود فعل بعض التنظيمات المدافعة عن البيئة والمناهضة للانتشار النووي. ويستخلص الباحث الفرنسي أن البلد الذي ساهم جاك شيراك في عهده في بيعه طائرات الميراج قد يصبح البلد الذي قد تسمح انسانية ساركوزي ببيعه طائرات رافال . وفي غياب الانسانية كل هذا يصبح انسانيا ، علي حد قوله.