الحوار كالحب، لا يمكن ان ينجح اذا كان من طرف واحد. وهو كالحب، سيفشل اذا كان من اجل ذاته، اذ يجب ان يكون وسيلة لهدف، وقنطرة لضفاف، وجسر للعبور عليه الى الطرف الآخر، وبكلمة، فان الحوار كالحب مطلوب لامر اهم ولقضية اسمى ولهدف اكبر. انه احساس متبادل بالحاجة الى الآخر، وشعور متقابل بالاحترام، وايمان متوازن بالحق الذاتي وحق الآخر، وانصاف متزن بين الحب والبغض. انه محاولة للتعارف والتعايش والتجاوز والاعذار والتبرير ما استطاع الطرفان الى ذلك سبيلا، ما لم يخذل حقا او ينصر باطلا. ان كل محاولة للحوار تتأسس على هذه القواعد، فانها ستنجح بالتاكيد، بعد ان يستحضر المتحاورون العزم على النجاح والارادة للمضي قدما. فلماذا لم تنجح اغلب محاولات الحوار؟ او تتوقف في منتصف الطريق؟ او لم تؤت اكلها، بالرغم من كل الجهد والزمن المبذول؟. برأيي، فان المشكلة الاساسية تكمن في ان اغلب من يدعون (بفتح الياء) او يدعون (بضم الياء) الى الحوار، لا يؤمنون به، أو ان احد طرفي الحوار، على الاقل، لا يؤمن به، فهو يقبل به او يحضره مضطرا وليس مختارا، فالحوار عنده ليس ذات قيمة، وانما لاسقاط واجب او ذر الرماد في العيون. لقد كانت مشكلة الامام علي بن ابي طالب عليه السلام مع مناوئيه، تتركز في هذه النقطة على وجه التحديد، فالحوار بالنسبة للامام كانت سلاحه الوحيد، اما بالنسبة الى مناوئيه فقد كان حوارهم السلاح، فكيف يمكن الجمع بين من سلاحه الحوار والاخر الذي حواره السلاح؟. ذات المشكلة عاشها سبط رسول الله (ص) سيد الشهداء الامام الحسين بن علي عليهما السلام، فبينما كان الامام يبذل جهدا كبيرا ويصرف وقتا طويلا في صحراء كربلاء من اجل محاورة اعدائه لثنيهم عن التورط بدمه الزكي، لم يجد اعداءه الا السهام والنبال والرماح وسيلة للحوار معه، ولذلك باء حوار علي والحسين ب (الفشل) ليس لانهما لا يؤمنان بالحوار او لانهما لا يعرفان سبل الحوار وادواته، ابدا، بل لان الآخر اختار الحوار بالسلاح معهما حصرا. ان من ابرز شروط الحوار، هي التالي: اولا؛ ان يضع الطرفان هامشا من الخطأ لانفسهما ولما يعتقدان به، اما اذا كان احدهما يعتقد انه على حق بالمطلق ولا يسمح لنفسه بالتردد او لغيره بتخطئته، فيما يضع الاخر هامشا من هذا الخطا على نفسه وعلى كل ما يعتقد ويؤمن به، فان الحوار سوف لن يستمر ابدا، فضلا عن انه سوف لن يثمر اي شئ بالمرة، والى هذا المعنى اشار القرآن الكريم بقوله على لسان رسل الله وانبيائه، بالرغم من انهم مرسلون من قبل الخالق جل وعلا، فهم لا ينطقون عن الهوى ان هو الا وحي يوحى {وانا او اياكم لعلى هدى او في ضلال مبين}. انه احد اهم شروط الحوار، ان يرسم الطرفان مساحة من الصح والخطا لبعضهما البعض الاخر، اما ان تعتقد بانك على الحق المطلق وانا على الباطل بالمطلق، ثم نسعى للحوار، فهذا ما لا يمكن ابدا. ثانيا؛ ان يتحلى الطرفان بمكارم الاخلاق، بدءا من بشاشة الوجه وسعة الصدر ورقة القلب، مرورا بالروح الرياضية التي تتمكن بها من قبول راي الاخر اذا ثبت عندك صحته، والتنازل عن رايك اذا تاكد لك خطؤه، والى ذلك تشير الاية الكريمة في قول الله عزوجل {فبما رحمة من الله لنت لهم ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك}. ان تحلي المحاور بمكارم الاخلاق، هي التي تقوده للاعتراف بالاخر واحترام الراي الاخر، وتلمس الاعذار والتغاضي عن الزلات، كلما استطاع الى ذلك سبيلا، وبعكس ذلك، فان حوارا مع نموذج يحمل في ذاته صفات تتناقض مع كل هذه المميزات، سوف لا يعدو كونه يشبه حوار الطرشان، يقول صاحبه شيئا ويقصد شيئا آخر، تراه متشنجا ومأزوما طوال الوقت، متربصا بالاخر يحسب عليه هفواته وسقطاته، وكل ذلك من اجل ان يسجل عليه النقطة تلو الاخرى، فهل يمكن تسمية ذلك حوارا؟. ثالثا: ما احلى كلمة الحوار، فان لها وقعا في النفوس يشبه الى حد بعيد وقع كلمة الحب على قلب الانسان ومشاعره، بل ان الحوار هي الحب، فالمحاور الذي لا يعتمد الحب مع الاخر، فتكون قاعدته الكراهية والبغضاء، محكوم عليه بالفشل المؤكد. وان من ابرز مصاديق الحب، هو ما اوصى به الامام امير المؤمنين ولده الامام الحسن السبط عليهما السلام، عندما قال له في وصيته المعروفه {يا بني اجعل نفسك ميزانا فيما بينك وبين غيرك، فاحبب لغيرك ما تحب لنفسك، واكره له ما تكره لها، ولا تظلم كما لا تحب ان تظلم، واحسن كما تحب ان يحسن اليك، واستقبح من نفسك ما تستقبحه من غيرك، وارض من الناس بما ترضاه لهم من نفسك، ولا تقل ما لا تعلم وان قل ما تعلم، ولا تقل ما لا تحب ان يقال لك}. هذا يعني ان الحوار مع المعاند والحاقد والاناني ومن لف لفه، لا يجدي نفعا، لان حوارا من هذا النوع، يفتقد الى كل اسباب النجاح والديمومة، كما يفتقد الى المصداقية الدينية والعلمية. ........ ملاحظة : تم اختصار الموضوع نزولا عند بعض شروط الافتتاحية.