الحمد لله من قبل و من بعد, الحمد لله أن كنت من مؤسسي حركة الاتجاه الإسلامي سابقا والنّهضة لاحقا والتي- و بقلم جائر- أصبحت - في بلاد الديمقراطية الممسوخة- أمرا ممنوعا منكرا ... فإني كنت ومازلت أجد في بيانها التأسيسي المعلن عنه في 6 جوان 1981 أُُسسا صلبة للمشاركة مع غيري من المواطنين- مهما كانت وجهتهم- في ما ينفع البلاد و العباد. فمن أهم بنوده الإلتزام بممارسة السياسة من منطلق أرضية إسلامية باعتبار أن الإسلام هو منهج حياة وليس بعبادات وطقوس فقط -_هذا ما كنت تعلمته في حينها من شيخي المرحوم عبد الرحمان خليف - ومنها أن الحركة ليست الناطق الرسمي باسم الإسلام- فلم و لن تكفر أحدا- و من أولوياتها العمل على تحقيق الحرية للجميع- بد ون استثناء-وأن من وسائلها الدعوة بالحكمة والموعظة الحسنة و نبذ العنف والإكراه واحترام الرأي المخالف والعمل بالطرق السلمية على بناء مجتمع تديره مؤسسات مدنية لا تتأثر بتغير حكام اختارهم الشعب بعيدا عن البلطجة وكل أشكال التزوير وشراء الذمم! أجرم هذا- يا هذا- حتى يعاني أفرادها وأقاربهم و حتى أصدقاؤهم وكل المعارضين سلميّا-منذ نصف القرن و حتى الساعة قرارات الزّعيم الأوحد ؟! ولست هنا بصدد التذكير بهذه الإبتلاءات, فقد سبقني من هو أ قدر مني على وصفها بالكلمة والصورة الحية في مشاهد واقعية يتفتت منها القلب و تدمع لها العين ويندى لها الجبين!!.. والحمد لله أن مكنني من مكالمة بعض من خرج منهم من غياهب سجون قضوا فيها - ظلما و عدوانا - زهرة شبابهم كما قدر لي أن قرأت حوارات آخرين وكم سعد ت بزيارة القليل منهم وليت زيارتي كانت لجميعهم ! و قد نزلت حواراتهم العفوية على قلبي بردا وسلاما فترسّخت بها آمالي وتجدّد بفضلها إيماني, ويالها من نعم!... و لولا صبرهم الجميل-ابتغاء وجه ربهم- لنالت منهم تلك الشدائد و المحن . وإن عدم استعجالهم لثمرة النصر قد ساهم- بفضل الله- في تقوية عزيمتهم وتثبيت أقدامهم على صراط الحق فازدادوا يقينا بمنهجهم و إصرارا صادقا على تمسكهم بميثاقهم مع ربهم الذي بيده الأمر كله, وفي ملكوته لا ينازعه أحد ! أجرم هذا- يا هذا- أن يتعاون بعضنا مع مواطنين تونسيين- لحما ودما- و مهما كانت مشاربهم - لإقامة العد ل في بلادنا- العزيزة علينا جميعا- إذ بالعدل- والعدل جوهر ديننا- وبالعدل وحده يتأسس العمران وترقى حضارات كل الملل والنِّحل!-تلك سنة الله في خلقه ! وٍٍِإني لأرى في مواصلة الدرب من هؤلاء الأبطال بنفس العزم انكسارا لمكرالماكرين و لجاما لأفواه "البسيسين" إن كانوا حقا من العاقلين ودافعا فاعلا لكل المترددين أو المهزومين!! فلا خوف من غوغاء هؤلاء الجاهلين ! و إذا ما خاطبونا قلنا سلا ما ! إنّما خوفنا من أن يقع الخطأ لإنعدام إمكانية توسيع دائرة الشورى - لأسباب أمنية- ولن تكون أبدا –قراراتنا مجاراة لشركائنا في المعارضة على حساب مبادئنا أو أن يكون - حسب ظن بعضهم - مدفوعا تحت ضغط الواقعية فيصبح ضرر هذه الواقعية أكبر من نفعها. فالشورى الملزمة ضمان في الاجتهاد لدرء الخطأ وتكريس حق الإختلاف مع وحدة الصف وإنّها لأولى من منفعة مستَعجلة ! والحمد لله أن أرجو من الله أن يكون كل طالب - تخرّج من مدرسة سيدنا يوسف عليه السلام- بذرة لشجرة طيبة- أصلها ثابت وفرعها في السماء- إن شاء الله تؤتي أكلها - ولو بعد حين! أيعقل أن ييأس المرء من شعب معطاء- جنّد فلذات أكباده ضد قوات عاتية- كانت لوطنه مغتصبة-بأن ينجب - قريبا- فإن لم يكن اليوم فغدا- وغدا لناظره قريب- رجالا تضحي بكل غال ونفيس لتريح البلاد والعباد - مرة أخرى- و بدون منّ ولا كلل- من زمر "المافيات" التي تنهب خيرات وطنهم وتستبيح البلاد من غير خوف من الله ولا من الناس حياء ولا وجل -فلا تبقي فيه ولا تذر! وقد كبّلوه مدة خمسين سنة - بسلا سل محكمة وكمّموا أفواهه وتكلموا باسمه بصلف منهم وبدون خجل. و سيصدق في أبطال المستقبل ما صدق في أبطال الأمس قوله تعالى: "رجا ل صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا" الأحزاب آية-23– وإنّ لهم ولكل المخلصين يقينا في وعده سبحانه :" وعد الله الذين آ منوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف اللذين من قبلهم و ليمكّننّ لهم دينهم الذي ارتضى لهم وليبدّلنّهم من بعد خوفهم أمنا" - من آية 55 سورة النور- أليس لنا في موقف رسول الله صلى الله عليه وسلم مع سراقة بن مالك و مع ما قاله عند ضربه بفأسه على الصخرة في غزوة الأحزاب الأسوة الحسنة لنتمسّك بالأمل أيام االشِدّة و الكُرب؟! أليس في أطفال الحجارة وفي شهداء فلسطين والعراق وأفغانستان والصومال والشيشان -وفي غيرهم في أنحاء العالم- شرقا وغربا, ماضيا وحاضرا, ومن أبطالهم, أطفالا وشيوخا، نساء ورجالا ما به يدرك كل إنسان عاقل سرّ الحياة ومعنى التضحية ؟! أليس في من سَكن ديار الغربة قهرا صابرا صبرا جميلا على الأهل والوطن رافضا الرجوع ذليلا مستجديا وكذلك في من ركب قوارب الموت طوعا ومغامرا بحياته, عنوانان بارزان للجور من غير الصابرين لا يحتمل! ؟ وغير بعيد منّا ,أّليس في إقدام امرأة تونسيّة على التضحية – نحيف جسمها ولكن وزن وطنيّتها يفوق وزن الجبال- ما يوقد همة من أصابه الوهن و خمدَت فيه شعلة حب العطاء لدحر الظلم عن كل الوطن ؟ ! وكم من أمثالها قد تسلّحوا من قبل ومن بعد بسلا ح إضراب الجوع -شيوخا وشبابا ومرضى- داخل السجن وخارجه- لأنه في بلادنا هو السلاح سلاحنا اليوم ومع كل الحسرة والأسف الوحيد لدرء قليل –وقليل جدا-من الجور والنّقم ! أما آن لك أن تستحي من نفسك يا من تبرر تخاذلك بأوهى العلل و بتشكيك مريب في نوايا الأبطال فترميهم- جزافا- بأرخص التّهم؟! أما آن لك أن تستحي يا متفرج فوق الربوة زاعما أن النّصر على المغتصبين لخيرات البلاد لن يتحقق ولو مع طول الزمن؟! أما آن لك أن تستحي يا من علم الحق علم اليقين وله منبر إعلامي من المنابر العصرية الحديثة أو من بعض منابر القديم من الخشب, فسكتّ عن الظلم البواح فأصبح لك بذلك مقام شيطان أخرس, علّته الجشع والوهن!؟ أما آن لك أن تستحي يا من ركنت للظالمين خوفا أو طمعا أو بكليهما معا فقد جلبت غضب الله وخسرت من الشعب كل عطف وسند! فانظر يا أخي العزيز إلى لوحة بديعة رسمتها –في كل مخيلة وطنيّ غيورأبيّ –أصابع مبدع : "جمع غفير من أمّتنا-شيب وشباب-على صعيد واحد-على قمّة الجبل –أمام جيش بالهراوات وخراطيم المياه وبالسلاح مدجج, يقف صامدا وشبابه مرصوف الصفوف يحمل –عاليا- زهور يانعة مع أعلام كل الأوطان مرفرفة – وفوق الرّؤوس المرفوعة – في السماء الزرقاء وتحت شمس بازغة لافتة كبيرة كتب عليها بحروف من أ نوار ساطعة :"لا مكان اليوم في جميع أوطاننا لوجود الفراعنة" يا لها من لوحة مشرقة تمرّ بمخيّلة كلّ مواطن حرّ لا يرضى لشعبه بالضّرر! فهل أعيشها قريبا و أنا شيخ كبير قصير الأجل؟ فيا ربّي لا تؤاخذني بتقصيري في البذل و العمل, وحقّقها لأراها بعيني أو بأعين أحفادي من الجيل القادم .. والحمد لله أنّ لنا في شباب تونس - أنثى وذكر- جيل بعد جيل شموع تنير القلوب بفيض الأمل.. فنِعمُ الرحمان لا تحصى بالعدد .. عبد الوهاب الكافي سجين سياسي سابق القيروان في 2 ديسمبر 2007