وزارة التشغيل والتكوين المهني تطلق اختصاصا تكوينيا جديدا لمهنة "مرافق حياة"    متابعة تنفيذ برنامج عقد الأهداف للشركة التونسية للكهرباء والغاز    المنستير: إحداث جائزة أفضل مشروع خلال الدورة 20 لتظاهرة "موداستير" للمعهد العالي للموضة يوم 28 جوان (مديرة المعهد)    تونس تصدّر منتجاتها من الفلاحة البيولوجية إلى 38 دولة و تحقق أكثر من 420 مليون دينار في 5 أشهر    عاجل/ الجيش الأمريكي كان على علم بالضربة الايرانية على قاعدة العديد في قطر    عاجل/ قطر تُغلق مجالها الجوي    رضا الشكندالي: غلق مضيق هرمز سيُفجّر أسعار النفط ويُهدد الاقتصاد التونسي بعدة مستويات    عاجل/ إيران تقصف قواعدا أمريكية في قطر والعراق    الليلة: البحر هادئ مع ضباب محلّي بهذه السواحل..    جندوبة .. محمد أمين مناعي الأول جهويا بمعدل 19,66    وزير الصحة ونظيره المصري يتناولان تعزيز الشراكة بين البلدين في عدّة مجالات صحية ذات أولوية    تأجيل النظر في قضية بوغلاب الى هذا الموعد.. #خبر_عاجل    للناجحين في الباكالوريا: كلّ ما تريد معرفته عن الاكاديمية العسكرية بفندق الجديد    نسب النجاح في الدورة الرئيسية لبكالوريا 2025: تفاوت جهوي لافت وتفوّق لبعض المعاهد النموذجية    وزارة الدفاع الوطني تُعلن عن شروط جديدة للالتحاق بالأكاديميات العسكرية 2025 : التفاصيل كاملة للناجحين في البكالوريا    آية البرهومي... التلميذة التونسية التي صنعت الفرق ب19.76...سر التفوق مع تفاصيل مهمة    مونديال كرة اليد تحت 21 عاما - كاس الرئيس : المنتخب التونسي يفوز على نظيره البحريني 39-27    السياحة البديلة: خيار إستراتيجي مكمّل للسياحة    مُشطّة ومرتفعة جدا: هذه كُلفة يوم واحد اصطياف لعائلة من 4 أفراد    لاعبات التنس المحترفات: أنس جابر تتقدم إلى المركز ال59 عالميا    معين الشعباني يقود نهضة بركان المغربي الى نهائي كأس العرش    مباراة إنتر ميامي ضد بالميراس فى كأس العالم للأندية...التوقيت    تعرف على أول حارس عربي يحصد أول جائزة في كأس العالم للأندية    القصرين.. المصادقة على مقترحات مشاريع المخطط التنموي بسبيطلة للفترة 2026-2030    منتجات تونس البيولوجية تغزو 38 دولة: زيت الزيتون في الصدارة    في تحذير رسمي : مديرة صندوق النقد الدولي، كريستالينا غورغيفا تدلي بهذه التصريحات    إيران تتعهّد بردّ قوى على الهجمات الأميركية    عاجل : كوريا الشمالية تخرج عن صمتها و تصدر هذا البلاغ التحذيري    عاجل/ بعد المنستير: نفوق كميات كبيرة من الاسماك بهذا الشاطئ    طبيبة تونسية تحذّر من التعرّي في الشواطئ: خطر صيفي حقيقي يهدّد صحتنا وصحة صغارنا!    تحذير للتوانسة: هواء بيتك ملوّث أكثر من الشارع ب5 مرات بسبب ''الكليماتيزور''    الصهد يبدّل المزاج؟ الحرارة العالية تنفع وتضر نفسيتك... هذا إلي لازم تعرفوا!    من "لعنة الفراعنة" إلى علاج السرطان.. اكتشاف مذهل في فطر قاتل    صفاقس: 100 % نسبة نجاح التلاميذ المكفوفين في بكالوريا 2025    7 سنوات سجنا لوالد عنّف ابنه الرضيع وتسبّب له في إصابة خطيرة    في العيد العالمي للموسيقى: الأوركستراالسيمفوني التونسي يقدّم روائع الموسيقى الكلاسيكية    جبال الظاهر: وجهة سياحية أصيلة تنبض بالسكينة والتراث    بقلم مرشد السماوي…بعد أن توزعت ظاهرة مجموعات الغناء بالمنازل و الجمعيات في جل المدن الكبرى جل روادها من كبار السن هل أصبحنا في مجتمعنا نعيش فراغ أسري و عاطفي مريب ؟    في علاقة بملف فسفاط قفصة:أحكام سجنيةوخطايا مالية للطفي علي ومن معه    مول 35 مشروعا/ ناجي غندري: بنك الأمان يعمل على تشجيع الشركات للانخراط في مجال الإنتقال الطاقي..    بوتين لعراقجي: "العدوان" على إيران غير مبرر وجاهزون للمساعدة    بوتين خلال استقباله عراقجي: العدوان المستفز ضد إيران لا يستند إلى أي مبررات أو أعذار    الجولة القارية البرونزية لألعاب القوى : رحاب الظاهري تحرز ذهبية 3000 متر موانع    في سابقة في إفريقيا: 733 عملية مجانية في مجال صحة العيون في يوم واحد بتونس    بعد ما نجحت في ''باكالوريا ''2025 ...احسب سكورك بهذه الخطوات    مهرجان تيميمون الدولي للفيلم القصير بالجزائر يفتح باب الترشح للمشاركة في دورته الأولى    تونس تدين الاعتداءات الصهيونية على ايران ، وتدعو الى ايقاف العدوان    كأس العالم للأندية 2025: ريال مدريد يتغلب على باتشوكا المكسيكي 3-1    عانت من ضعف التمويل وسوء التسيير .. هل تتجاوز المهرجانات الصيفية مشاكلها؟    النجم الساحلي: موعد استئناف التمارين    في مهرجان الفيلم العربي بالدار البيضاء: محمد مراد يُتوّج عن دوره في فيلم «جاد»    في مسابقة دولية بلشبونة: تتويج التونسية ملاك العبيدي بجائزة أفضل مؤلف عن الطبخ في العالم    المعهد الوطني للتراث:انجاز نشاط ميداني حول مشروع بحث عن موقع تابسيس الاثري    اليوم: أطول نهار وأقصر ليل في السنة    اليوم: الإنقلاب الصيفي...ماذا يعني ذلك في تونس؟    الانقلاب الصيفي يحل اليوم السبت 21 جوان 2025 في النصف الشمالي للكرة الأرضية    السبت 21 جوان تاريخ الانقلاب الصيفي بالنصف الشمالي للكرة الأرضية    ملف الأسبوع...ثَمَرَةٌ مِنْ ثَمَرَاتِ تَدَبُّرِ القُرْآنِ الْكَرِيِمِ...وَبَشِّرِ الْمُخْبِتِينَ    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



بقلم أحمد نجيب الشابي: ضد التيار من أجل فتح طريق للخروج من الأزمة
نشر في تونس الرقمية يوم 14 - 06 - 2021


بقلم: أحمد نجيب الشابي
ثلاث كلمات منسوبة الى رئيس الدولة شدت الانتباه واثارت كالعادة عاصفة من ردود الفعل. هذه الكلمات وردت على لسان السيد نور الدين الطبوبي على قناة الحوار التونسي، يوم الجمعة المنقضي.
الأولى، أن رئيس الدولة يفكر في اقتراح العودة الى دستور سنة 1959 بدلا عن دستور 2014.
والثانية نيته دعوة الشعب الى اختيار النظام السياسي من خلال الاستفتاء
والثالثة استعداده لتنظيم انتخابات عامة، رئاسية وتشريعية، سابقة لأوانها للخروج من عنق الزجاجة.
الدستور عقد يجمع الاسرة الوطنية حول طبيعة وكيفية ادارة مؤسسات الدولة بما يكفل حقوق وحريات المواطن، وهو واجب الاحترام لضمان الاستقرار والسلم الاهلية.
غير ان الدساتير ليست مقدسة وتخضع الى قانون التطور والتحديث. وللاكتفاء بأمثلة قريبة من ثقافتنا، تجدر الاشارة الى ان فرنسا عرفت في تاريخها الحديث تعاقب خمس دساتير جمهورية، دون احتساب النظم الملكية والامبراطورية التي تلت ثورة 1789، اما الولايات المتحدة الامريكية فلم تعرف سوى دستور واحد منذ قيامها في عام 1787، لكن أدخل عليه منذ ذلك التاريخ 27 تعديلا جوهريا.
الدساتير اذن عقود واجبة الاحترام ما لم تقم الحاجة الى تطويرها او تغييرها، والتغيير لا يحدث عادة الا في اعقاب ازمة سياسية كبرى.
واليوم، وبعد عشر سنوات من الثورة، تعرف البلاد أزمة سياسية غير مسبوقة، يتفق الجميع على توصيفها: عدم الاستقرار الحكومي، التنازع بين مختلف مؤسسات الدولة وتشظي المشهد النيابي، حد الشلل.
ابرز علامات الازمة التونسية اذن معضلتان: عدم الاستقرار الحكومي والتنازع بين مؤسسات الدولة.
واذا كان الناس يتفقون على توصيف اعراضها فهم يختلفون في تشخيص اسبابها: منهم من يردها الى النظام الانتخابي ومنهم من يراها تكمن في بنية النظام السياسي ذاته.
من المسلمات، ان للنظام الانتخابي تأثير على النظام السياسي، لكن النظم الانتخابية تتأثر بدورها، بل تعكس عادة حالة الانسجام أو الانقسام السياسي الذي يكون عليه المجتمع.
اختارت تونس نظام النسبية في الانتخابات وهو الاتجاه الذي تسير عليه المجتمعات منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، لما يحققه من تعددية وعدالة في التمثيل النيابي، لكن من مساوئ هذا النظام عامة انه لا يسمح ببروز قوة اغلبية قادرة على الحكم بمفردها ما يضطرها الى اقامة تحالفات حزبية، يتوقف استقرارها على مدى انسجام او انقسام الطبقة السياسية (مثال المانيا واسبانيا وايطاليا وغيرها كثر اليوم).
يمكن لتونس ان تحدث ما تشاء من تعديلات على النظام الانتخابي الحالي (اقرار العتبة) أو حتى ادخال جرعة من الاقتراع على القائمات الفردية كما هو الحال في المانيا او اليابان وايطاليا، لكن لن تمكننا هذه التعديلات من معالجة عاملين اساسيين (العزوف الانتخابي وتشظي الخارطة الحزبية)، وهما العاملان اللذان يقفان وراء اضطراب العمل البرلماني وعدم الاستقرار الحكومي، الى ذلك لن تنفذ هذه التعديلات الى مسألة تنازع السلطات بين مؤسستي رئاسة الجمهورية ورئاسة الحكومة.
وبإمعان النظر يتضح ان بيت الداء في النظام السياسي الذي قام منذ سنة 2011 (الدستور الصغير) وكرسه دستور 2014 يكمن في احادث ازدواجية على رأس السلطة التنفيذية، بين رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء ، وإيداع حقيقة السلطات التنفيذية بين يدي هذا الاخير واخضاعه الى سلطة الاحزاب.
وكان لهدا الخيار نتيجتان: تنازع وتنافر حد الشلل بين رأسي السلطة التنفيذي (المرزوقي في وجه الجبالي ثم العريض فجمعة، ومن بعده التنازع بين قائد السبسي والشاهد واليوم بين سعيد والمشيشي). اما النتيجة الثانية فتمثلت في قيام نظام الاحزاب وما فتح عليه من تملك للدولة وعدم استقرار حكومي.
وإذا كان الامر كذلك، فإن الحل يكمن في اعادة الوحدة للسلطة التنفيذية في ضل احد النظامين: البرلماني أو الرئاسي.
لا تملك تونس شروط النظام البرلماني، إذ من شروطه قيام منظومة حزبية منغرسة في المجتمع، تحمل رؤى ومشاريع يمكن ان يصطف حولها المواطنون، وقد ولد هذا النظام البرلماني في ضل ثنائية حزبية (بريطانيا) او قطبية (فرنسا) شجع عليها نظام الاقتراع على القائمات الفردية (في دورة او دورتين) وقد اثبتت التجربة اجحاف هذا النظام من جهة التعددية والتمثيلية النيابية وبدأ يظهر علامات الانهاك في مسقط رأسه، بريطانيا منذ مطلع الالفية الحالية، اما في الولايات المتحدة فقد حافظ على حيويته بفضل الانتخابات التمهيدية التي تعطي الاولوية للناخب على حساب الاجهزة الحزبية المركزية.
وفي المقابل، يتميز النظام الرئاسي الذي ولد بالولايات المتحدة منذ مائة وخمسين سنة خلت، بإقامة فصل حقيقي بيل السلطتين التشريعية والتنفيذية: السلطة التشريعية تشرع وتراقب والسلطة التنفيذية التي تستمد شرعيتها من الاقتراع العام ويعود فيها تشكيل الحكومة الى رئيس الجمهورية برقابة من مجلس النواب، وهكذا لا يكون الفصل بين السلطتين مطلقا وانما يقوم على التوازن وتبادل الرقابة بينهما.
تشكيل الحكومة من قبل الرئيس يخلص الدولة من استبداد الاحزاب، فالأحزاب لا تشكل الحكومة في النظام الرئاسي وانما تراقبها وتختص بوظيفة التشريع ويكون لها من الوقت ما يكفيها للتطور الى احزاب عصرية، منغرسة في المجتمع، حاملة لرؤى ومشاريع وبرامج قادرة على تأطير المجتمع، وهي وظيفتها الرئيسية والاصلية. فتكون الاحزاب في خدمة الدولة ولا تكون الدولة مجالا لتنازع النفوذ بينها.
دستور 2014 ليس سيئا، فقد احتوى على ابواب لم يتضمنها دستور 1959: لائحة الحقوق والحريات وباب السلطة القضائية والمحكمة الدستورية والحكم المحلي والهيئات الدستورية المستقلة… لكن العلاقة بين السلطتين التشريعية والتنفيذية مثلت بيت الداء في المنظومة السياسية التي ارساها هذ الدستور، بناء على حسابات حزبية لا غير.
المسألة تنحصر اذن في كيفية اجراء هذا التعديل الدستوري وفي من يجريه. الاصل ان ينقح الدستور وفقا للقواعد الواردة به (ثلثا اعضاء المجلس النيابي)، لكن هذا الشرط بعيد المنال في ظل التركيبة الحالية لمجلس النواب والدستور لم يضع آلية اخرى تمنح الشعب التونسي حق ابداء رأيه في الازمات عن طريق الاستفتاء، على الرغم من أن الدستور اقر في فصله الثالث بان الشعب يمارس سيادته من خلال نوابه أوعن طريق الاستفتاء.
وهنا تكمن اهمية الكلمات الثلاثة التي وردت في حوار السيد نور الدين الطبوبي، بقطع النظر عما اذا كانت منسوبة لرئيس الجمهورية او لم تكن، فهو لم يعلنها حتى اليوم. فإزاء استفحال الازمة وتكلس النظام الدستوري القائم لم يبق سوى الالتجاء الى الاستفتاء ليختار الشعب بين الابقاء على النظام السياسي الحالي او الاستعاضة عنه بنظام رئاسي، تتبعه مباشرة انتخابات عامة، رئاسية وتشريعية، سابقة لأوانها.
يمكن لهذه المقترحات ان تشكل ارضية للخروج من الازمة، بقى ان حق الاستفتاء الذي صادره دستور 2014 يمكن ان يدرج ضمن تعديل يقره حوار وطني جامع وجاد او تفتكه حركة مواطنية عارمة من مجلس النواب.
سبق لي ان اقترحت سنة 2011 الاكتفاء بتنقيح دستور 1959، وقد اثار هذا المقترح عاصفة قامت ولم تقعد. وفي ظروف لا زالت غامضة بالنسبة الي "تقرر الاتجاه الى انتخاب مجلس تأسيسي"… وكان ما كان.
إني ادرك تمام الادراك بان دفاعي عن المحكمة الدستورية يمكن ان تستفيد منها النهضة في صراعها مع سعيد، لكني اوقنن بأنها مصلحة محدودة (بتركيبة مجلس النواب وبالفصل بين السلطات الثلاثة) وزائلة فيما تبقى المحكمة الدستورية ابرة الميزان في نظامنا الدستوري الحديث ونبراسا للأجيال القادمة جيلا بعد جيل.
كما اني ادرك بأن دفاعي (المستمر) عن تغيير النظام السياسي يمكن ان يستفيد منه اليوم قيس سعيد في صراعه ضد حركة النهضة ولكني اوقن بأن سعيد زائل وبأن النظام السياسي يبقى حيا لا يموت، طالما استجاب لحاجيات شيء اسمه تونس.
واود ان اذكر بالمناسبة بان "الشعبوية" تعبير سياسي عن ازمة اجتماعية وثقافية عميقة، لا تزول الا بزوال اسبابها، وبأن الدكتاتورية والحكم الفردي المطلق يمكن ان يتأقلم مع كل انواع النظم السياسية وليتأمل القارئ في التجربة البرلمانية الالمانية والايطالية بين الحربين والتين افرزتا للعالم اشنع انواع الدكتاتورية (هتلر وموسليني)، واختم بما قاله الطبوبي خلال حواره : "ومن يخشى اختيار شعبه فليمكث ببيته".


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.