من المؤكد يكون إنشاء بنك بريدي في البلاد سيكون حافزا رئيسيا في مكافحة الإقصاء المالي حسب التصريحات الأخيرة التي أدلى بها ممثل عن البنك المركزي خلال جلسة استماع أمام لجنة المالية والميزانية بمجلس نواب الشعب. تقدم هذه المبادرة بصيص أمل لجزء كبير من الشعب التونسي الذي لا يزال حاليا مستبعدا أو يعاني من نقص في الخدمات من قبل النظام المالي التقليدي. إشكال الإقصاء المالي على الرغم من التقدم الكبير في مجال الادماج المالي، لا يزال الحصول على الخدمات المالية مصدر اهتمام في تونس. ففي الوقت الذي تمتلك فيه البلاد شبكة بريدية مهمة توفر خدمات الادخار الأساسية بنسب فائدة مقبولة للعديد من الشرائح الاجتماعية لا سيما من ذوي الدخل المنخفض، فضلا عن القوانين العديدة التي تشجع القروض الصغيرة، إلا أن الشمول المالي لا يزال مجزأ ويصعب الوصول إليه بالنسبة للكثير من المواطنين. تشير التقديرات إلى أن ما بين 2.5 و3.5 مليون بالغ في تونس، أو 30 إلى 40 في المائة من السكان البالغين، فضلا عن أكثر من نصف الشركات، لديهم إمكانية محدودة أو معدومة للحصول على الخدمات المالية. فوائد الخدمات المصرفية البريدية من شأن إنشاء بنك بريدي في البلاد أن يفتح آفاقا واعدة في مكافحة الإقصاء المالي. ومن الأكيد ان هذه المبادرة ستزيد من فرص النفاذ الى الخدمات المالية من خلال الاستفادة من الشبكة البريدية الواسعة التي تضم ما يقرب من 1000 فرع، علاوة على إمكانيات الوصول إلى المناطق النائية التي تفتقر حاليا إلى الخدمات المالية. وبالإضافة إلى ذلك، يمكن للبنك البريدي أن يقدم مجموعة شاملة من الخدمات المالية، بما في ذلك حسابات الادخار والقروض ميسورة التكلفة ووسائل الدفع المستحدثة، وبالتالي تلبية الاحتياجات المتنوعة لفئات اجتماعية مختلفة من الاسر والافراد وكذلك الشركات الصغيرة. ومن خلال إزالة الحواجز التقليدية، مثل متطلبات الحد الأدنى للدخل والضمانات، ستجعل هذه المؤسسة المالية الخدمات المالية في متناول الفئات ذات الدخل المنخفض وأصحاب المشاريع الصغيرة، مما يساعد على الحد من الفوارق المالية في البلاد. كما سيلعب البنك البريدي دورا رئيسيا في تعزيز التثقيف المالي. ويمكنه، بالشراكة مع سلطات الاشراف، أن يوفر برامج توعوية تهدف إلى تحسين فهم وإدارة الشؤون المالية الشخصية، مما يعزز المهارات المالية للأفراد. هذا البعد التحسيسي ضروري لتمكين المواطنين ومساعدتهم على اتخاذ قرارات مالية مستنيرة، بما يدعم مشاركة أكثر نشاطا ومسؤولية في النظام المالي من خلال الجمع بين إمكانية الوصول وتنوع الخدمات والتثقيف المالي، وذلك في سياق إحداث تغيير كبير في مكافحة الإقصاء المالي وتعزيز نمو اقتصادي أكثر شمولا واستدامة. التحديات والفرص في حين أن هناك تفاؤلا واسع النطاق حول فكرة إنشاء بنك بريدي، إلا أن التحديات لا تزال قائمة. وسيتعين النظر بعناية في مسائل من قبيل الحوكمة والاستدامة المالية والتنسيق مع الجهات الفاعلة الأخرى في القطاع المالي لضمان نجاح هذه المبادرة على المدى الطويل. وبالإضافة إلى ذلك، من الأهمية بمكان مراعاة التحفظات التي سبق أن أعرب عنها الخبراء، بما في ذلك الحاجة إلى هيكلة أوسع للقطاع المصرفي. ويمكن لنهج متوازن، يجمع بين إنشاء بنك بريدي وإصلاحات هيكلية أخرى، أن يوفر أفضل مسار للشمول المالي على نطاق واسع في تونس. يمثل إنشاء بنك بريدي في تونس فرصة فريدة لتعزيز الوصول إلى الخدمات المالية للفئات المهمشة والشركات الصغيرة. كما انه ومن خلال اتباع نهج شامل والتغلب على التحديات المحتملة، يمكن للبلاد إحراز تقدم كبير في معالجة الإقصاء المالي وتعزيز النمو الاقتصادي الشامل لجميع مواطنيها. يذكر أنه خلال يوم دراسي عقد في نوفمبر 2023 في العاصمة، أعرب المحافظ السابق للبنك المركزي التونسي، مروان العباسي، عن تحفظاته بشأن إنشاء بنك بريد في تونس. وقد استند المحافظ في موقفه، إلى عدة اعتبارات موضوعية، بما في ذلك الحاجة إلى إصلاح معمق للقطاع المصرفي في البلاد، في إطار دمج المؤسسات المالية لإنشاء بنوك ذات حجم مهم مليا واقتصاديا.
