شهدت الحرب بين إيران وإسرائيل، اليوم الاثنين 23 جوان 2025، تصعيدًا خطيرًا مع تكثيف الهجمات و الردود التي استهدفت منشآت عسكرية و نووية و إعلامية و مدنية في كلا البلدين. و بينما تتصاعد الإدانات الدولية، تزداد المخاوف من اندلاع حريق إقليمي شامل أصبح احتمالًا واقعيًا أكثر من أي وقت مضى. هجوم إسرائيلي واسع النطاق على إيران أعلنت القوات الإسرائيلية مسؤوليتها عن سلسلة من الضربات المتزامنة استهدفت ستة مطارات عسكرية في إيران، موزعة على المناطق الوسطى و الشرقية و الغربية من البلاد. و بحسب تل أبيب، أسفرت هذه الهجمات عن تدمير 15 طائرة حربية و مروحية إيرانية ، كما عطّلت القدرات التشغيلية للقواعد المستهدفة و تمّ تحييد عدة منصات لإطلاق الصواريخ. و من بين الأهداف التي طالتها الضربات قاعدة "رعد 5" في وسط البلاد و منشآت عسكرية قرب طهران، إضافة إلى مواقع مدنية حساسة على غرار مبنى تابع لجمعية الهلال الأحمر الإيراني و جامعة الشهيد بهشتي، بحسب ما أفادت به وكالة "مهر". كما أُبلغ عن أضرار لحقت بسجن "إيفين"، المعروف باحتجازه لمعارضين سياسيين. رد إيراني : وابل من الصواريخ و الطائرات المسيّرة على إسرائيل جاء الرد الإيراني غير مسبوق من حيث الشدة، إذ أطلقت طهران منذ اندلاع الصراع قرابة 500 صاروخ و أكثر من 1000 طائرة مسيّرة باتجاه الأراضي الإسرائيلية. و شهد يوم الاثنين موجتي قصف ثالثة و رابعة، استهدفت شمال و جنوب البلاد. و بحسب وسائل إعلام إسرائيلية ، فقد أصابت الضربات مدنًا مثل أشدود و القدس و صفد، مما أدى إلى انقطاع الكهرباء عن نحو 8000 منزل في الجنوب ، بالإضافة إلى اندلاع حرائق في مناطق حضرية متعددة. و أقرت القوات الإسرائيلية باختراق أربعة صواريخ لدفاعاتها الجوية، مؤكدة في الوقت ذاته اعتراض غالبية المقذوفات. كما أعلنت وكالة "تسنيم" أن الدفاعات الإيرانية أسقطت طائرات مسيّرة إسرائيلية فوق محافظة ألبرز. الصاروخ الباليستي "خيبر" يعود إلى الواجهة أعلن الحرس الثوري الإيراني عن استخدامه للمرة الثانية صاروخ "خيبر" الباليستي برؤوس حربية متعددة، ضمن آخر موجات الهجمات، مستهدفًا مواقع استراتيجية في ما وصفه ب"فلسطينالمحتلة". و يُعقّد هذا النوع المتطور من القدرات الباليستية جهود الدفاع الجوي الإسرائيلي، كما يثير القلق بشأن اتساع الترسانة الهجومية الإيرانية، لا سيما في ظل الصلة المحتملة مع برنامج طهران النووي. أزمة طاقة و تهديد للبنى التحتية الحيوية أسفرت الهجمات الإيرانية عن أضرار لحقت بمنشأة استراتيجية تابعة لشركة الكهرباء الإسرائيلية، وفق ما أكدته قناة "كان 12". و في المقابل، أدت ضربة إسرائيلية إلى انقطاع الكهرباء في شمال طهران، بحسب وكالة "رويترز". كما أُفيد بأن مركز البث التابع لقناة "خبر" الإيرانية قد تعرض للقصف، ما أدى إلى انقطاع مؤقت في إرسالها. إدانات دولية و مخاوف متصاعدة تتوالى ردود الأفعال الدبلوماسية في ظل التصعيد المستمر. فقد حذّر وزير الخارجية الإيرلندي من "خطر حقيقي لامتداد النزاع"، داعيًا الاتحاد الأوروبي إلى الاضطلاع بدور في التهدئة و العودة إلى طاولة الحوار. كما ندد بالضربات على المنشآت النووية، معتبراً أنها مشكوك في قانونيتها و تتعارض مع المعاهدات الدولية. من جهته، أعلن المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية، رافاييل غروسي، استعداده للحوار مع جميع الأطراف لتفادي كارثة نووية أو تسرب إشعاعي محتمل. أما الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، فقد وصف الضربات على إيران بأنها "استفزاز لا مبرر له"، مشيرًا إلى أن موسكو لم تُبلّغ مسبقًا من قبل دونالد ترامب. و ندّد الكرملين بما أسماه "تورطًا أمريكيًا يزيد عدد أطراف النزاع" و يعرض الأمنين الإقليمي و الدولي للخطر. من جانبه، اتهم ممثل إيران لدى الوكالة الدولية للطاقة الذرية إسرائيل بانتهاكات خطيرة للقانون الدولي، مؤكدًا أن الأضرار البيئية و الإنسانية التي تسببت بها الضربات الأمريكية على منشآتها النووية جسيمة. نحو قطيعة نهائية في الحوار النووي ؟ أكدت طهران أن مواقعها الحساسة لم تُصب بشكل حرج و أن أياً من المواد النووية لم تتعرض للخطر. غير أن المسؤولين الإيرانيين شددوا على أن الحوار حول الملف النووي لم يعد مجديًا ما دامت إسرائيل تواصل الهجمات بدعم مباشر من واشنطن. و أعلن نائب وزير الخارجية الإيراني أن بلاده ستواصل تخصيب اليورانيوم، مؤكدًا في الوقت ذاته أن برنامجها ليس ذا طبيعة عسكرية. و أضاف : "حين يتم قصفنا، ما الذي يتبقى من الحوار ؟". حرب بتداعيات عالمية تشكل المرحلة الراهنة أخطر تطور في الصراع بين إيران و إسرائيل منذ بدايته. فالاستخدام المتزايد للصواريخ الباليستية المتقدمة و التدخل المباشر للولايات المتحدة في استهداف منشآت نووية و التقلبات الحادة في مجالات الطاقة و الفضاء السيبراني، كلها تشير إلى تصعيد عسكري و دبلوماسي و تكنولوجي غير مسبوق. ثلاثة عوامل تجعل من هذا الصراع حالة شديدة الخطورة : * الشلل الدبلوماسي العالمي : فالدور التقليدي للوسطاء (أوروبا، الأممالمتحدة) تراجع، ومع غياب تنسيق دولي فعال، يتعمق الفوضى. * استهداف البنى التحتية الحيوية : إذ لم تعد الهجمات تقتصر على الأهداف العسكرية، بل طالت رموزًا للسيادة الوطنية، من جامعات ومحطات كهرباء إلى مؤسسات إعلامية، مما يعزز من عداء الشعوب. * الغموض النووي : فالإبهام المقصود حول القدرات النووية الإيرانية و استهداف مواقع ذات صلة نووية، يزيد من خطر الانتشار غير المقصود أو حتى وقوع حادث إشعاعي كارثي. و في حال لم تبادر الولاياتالمتحدة و إسرائيل و إيران إلى مراجعة استراتيجياتها فورًا ، فإن رقعة النزاع قد تمتد إلى لبنان و العراق و سوريا و ربما البحر الأحمر حيث التوتر البحري مرشح للتصعيد. و ستكون الكلفة باهظة على الجميع : في مجال الطاقة و على الاقتصاد و الأخطر من ذلك على المستوى الإنساني. السؤال لم يعد إن كانت هذه الحرب قابلة للاحتواء، بل إلى أي مدى سيسمح لها بالتمدد قبل أن تنهار جميع آليات السلام بالكامل.