لا يعد التحول في مجال الطاقة في تونس مجرد تحول تقني أو اقتصادي بل هو كفاح من أجل السيادة والعدالة والاستدامة على المدى الطويل. وفي حال تواصلت الاصلاحات الجريئة المعتمدة في هذا المجال، يمكن للبلاد أن تشكل نموذجا على المستوى الاقليمي تخدم فيه مصادر الطاقة المتجددة المجهود التنموي وتطوير الاقتصاد الوطني. وأصبح اليوم اعتماد الطاقة المتجددة في تونس ضرورة ملحّة تفرضها تحديات أمن الطاقة والتغير المناخي، فضلًا عن تذبذب أسعار الوقود فرغم أن التكلفة الاستثمارية الناتجة عن تنفيذ سيناريو التحول إلى الطاقة المتجددة بالكامل بحلول 2050 تبدو باهظة في ظاهرها؛ فإنها تحمل في طياتها فرصًا اقتصادية طويلة المدى. نحو تقليص الاعتماد على الوقود الأحفوري في هذا الصدد، ووفقا ل "وحدة ابحاث الطاقة" التابعة لمنصة الطاقة المتخصصة (الطاقة)، فقد كشف تقرير حديث أن تونس بحاجة إلى 239 مليار دينار (قرابة 82 مليار دولار) لتغطية استثمارات توليد الكهرباء والتدفئة حتى عام 2050. ومع ذلك، يمكن للبلاد تعويض جزء كبير من هذه التكلفة من خلال الاقتصاد في فاتورة الوقود، خصوصا أنها تعتمد على واردات الطاقة لتلبية معظم احتياجاتها. هذا وتم التأكيد على انه مع اتجاه دول العالم لتقليص الاعتماد على الوقود الأحفوري، يسير قطاع الطاقة المتجددة في تونس بخطوات متسارعة لترسيخ مكانته وتوفير مليارات الدولارات التي تنفق سنويًا. غير أن زيادة الاعتماد على الكهرباء في مختلف القطاعات سترفع من تكاليف الاستثمار في التوليد، إلى جانب ارتفاع إجمالي تكاليف التزويد بالكهرباء. وعلى نحو مفصل، يتطلب توليد الكهرباء وحده استثمارات تبلغ 110 مليارات دينار (38 مليار دولار)، في حين يحتاج قطاع التدفئة إلى تمويل إضافي قدره 129 مليار دينار (44 مليار دولار)، حسب مؤسسة "باور شيفت أفريكا" المعنية بالمناخ. ورغم أن هذه الأرقام تعكس حجم التحدي، فإنها ليست عبئًا طويل الأمد، إذ يمكن تعويض الاستثمارات الإضافية في قطاع توليد الكهرباء خلال العقد نفسه الذي تُنفذ به عبر توفير نفقات ضخمة في فاتورة الوقود. تحقيق اقتصاد هائل في تكلفة الطاقة ويكشف سيناريو التحول الكامل إلى الطاقة المتجددة في تونس بحلول 2050، عن أن البلاد يمكنها تحقيق اقتصاد هائل في تكلفة الوقود تصل إلى 170 مليار دينار (58 مليار دولار)، ويعادل هذا التوفير 4 أضعاف التكلفة الاستثمارية الإضافية في توليد الكهرباء. ورغم أن توقعات تكلفة الوقود المستقبلية تبقى رهينة تقلبات الأسواق، فإن الأرقام الحالية تمنح تونس سببًا قويًا للمضي قدمًا نحو التحول إلى الكهرباء المتجددة. بالإضافة إلى ذلك، أشار التقرير إلى أن تونس من بين أبرز الدول الأفريقية في قطاع طاقة الرياح حيث حددت التحاليل الحديثة مساحة تبلغ 26.5 ألف كيلومتر مربع مناسبة لتطوير مشروعات طاقة الرياح على نطاق المرافق. ووفقًا لتقييم الإمكانات، تمتلك تونس ما يصل إلى 133 جيغاواط من طاقة الرياح، بحسب ما رصدته وحدة أبحاث الطاقة. وسجّلت البلاد قفزة تاريخية في قطاع الكهرباء المتجددة، بعدما تخطت قدرتها على التوليد حاجز 1 جيغاواط لأول مرة خلال عام 2024 اذ بلغت سعة توليد الكهرباء المتجددة 1.08 جيغاواط خلال عام 2024، مقارنة ب817 ميغاواط في عام 2023 . وتحقّقت هذه القفزة بفضل الزيادة في سعة الطاقة الشمسية التي بلغت 506 ميغاواط في 2023، و773 ميغاواط في 2024، في حين بقيت قدرات توليد الكهرباء من الرياح والكهرومائية ثابتة عند 245 و66 ميغاواط على التوالي، منذ عام 2018. ووضعت هذه الأرقام تونس ضمن أكثر 10 دول عربية امتلاكًا لقدرة توليد الكهرباء المتجددة نهاية العام الماضي. تعليقات