اليوم : شيماء عيسى أمام الدّائرة الجنائيّة بمحكمة الإستئناف العسكريّة بتونس    رفض الإفراج عن رياض المؤخر    بداية من الغد ولمدة 3 أيام: تخفيض سعر ''العلّوش'' بهذه المنطقة    بداية من اليوم : رحبة تونس تفتح أبوابها للعموم    الكاف: 3 مليون دينار لصيانة فرن اسمنت أم الكليل    تلبّي احتياجات دولة لمدّة عام.. الصين تشغّل أكبر محطة طاقة شمسية    300 مليون دينار اعتمادات إحداثها: هل تحسم المنطقة الحرة ببن قردان أزمة البوابة؟    عاجل : النادي الإفريقي يؤجل الجلسة العامة الإنتخابية    بعد إنسحابه من رولان غاروس: نوفاك ديوكوفيتش يخضع لجراحة ناجحة في الركبة    عاجل: هيئة كبار علماء السعودية تكشف موعد عيد الأضحى    تزامنا مع ارتفاع درجات الحرارة: وزارة الصحة تصدر بلاغ هام وتحذر..#خبر_عاجل    انطلاق أولى السفرات التجريبية لقطار المسافرين بين تونس والجزائر    علي العابدي: لقد قدّم اللاعبون مباراةً طيبةً وكان بالإمكان أن تكون الحصيلة أفضل    وزارة التربية تنفي تسريب اختبارات اليوم الثاني لإمتحان الباكالوريا    وفاة مُواطن نهشته كلاب شرسة أمام مستودع بلدي.. فريد بن جحا يوضّح بخصوص المسؤوليات    حوادث: 8 حالات وفاة خلال 24 ساعة..    هلاك شيخ 78 سنة في حادث مرور مروع بسيدي بوزيد..    معرض الصحافة لليوم الخميس 6 جوان 2024    العدوان الصهيوني على غزة: دولة جديدة تنضم لقضية الإبادة الجماعية أمام محكمة العدل الدولية..#خبر_عاجل    الحماية المدنية: تسجل 8 وفيات و 356 إصابة في حوادث مختلفة    الرابطة المحترفة الثانية : تعيينات حكام مقابلات الجولة الخامسة والعشرين    فرنسا وإسبانيا وبلجيكا تنجح في اختباراتها الودية استعدادا ليورو 2024    رئيس الحكومة يلتقي عددا من أفراد الجالية التونسية بسيول    الجيش البريطاني يؤكد عدم جاهزيته لحرب عالمية ثالثة    جمعية موجودة في تونس تثير الجدل ...ما قصتها ؟    محمد بوحوش يكتب.. التّونسيّون والبيئة: أنقذونا!    تعقب العناصر الإجرامية الخطيرة المفتش عنها في باجة    أبرز اهتمامات الصحف التونسية ليوم الخميس 06 جوان    الناقد سعد الدّغمان يكتب عن «الحداثة في شعر ساجدة الموسوي»    تأسيس نادي الأدب والفكر بمكتبة الشبّان والكهول بمقرين    أوجاعُ الغائبين    خبير بيئي: الصيد بالكيس ساهم في تصحّر خليج قابس من الثروة السمكية    بهدوء: التفّاحة أصبحت...بصلة !    راية العلم لا تُنكس    كفى بالإنسان لذّة العلم جاءت الثّمرات أم لم تأت    مواسم العولة    السعال الديكي يتفشّى في أوروبا والسلطات تحذّر    عاجل/ مجزرة جديدة للكيان الصهيوني في غزة..وهذه حصيلة الشهداء والجرحى..    اليوم: تونس تتحرى هلال شهر ذي الحجة..    الديوانة: تدشين المقرّ الجديد لوحدة مراقبة الحاويات بسوسة.    في الصّميم ...كرة القدم تَجمعنا ولن تُفرّقنا    الصحة العالمية تعلن تسجيل أول وفاة بشرية بمتحور من إنفلونزا الطيور..#خبر_عاجل    المغرب: وفاة 8 أشخاص وإصابة نحو 80 آخرين إثر تناولهم مشروبات كحولية محلية الصنع    طقس اليوم: ارتفاع طفيف في درجات الحرارة    بوتين يهدّد بتسليح دول ثالثة بغاية مهاجمة الغرب    قفصة: الاحتفاظ بكهل يصنع مادة 'الڨرابة' المُسكّرة وحجز معدات    البنك الأوروبي لإعادة الإعمار والتنمية على استعداد لمواصلة دعم تونس في برامجها الإصلاحية    وزارة الصحّة تتابع تقدم إنجاز المشاريع الصحّية المموّلة من قبل الصندوق السّعودي للتّنمية    تونس تخسر كفاءاتها ...نجاحاتنا الطبيّة تُصدّر إلى المغرب !    معرض صفاقس الدولي الدورة 58 في هذا الموعد    نجاح طبي في مستشفى سهلول: التفاصيل    تونس نجحت في تنفيذ إصلاحات هامّة لأجل دفع الاقتصاد    عاجل : مجانية الدخول لحضور مباراة تونس و غينيا    بعد الإفراج عنها: ''التيكتوكر'' إيمان تخرج عن صمتها    طبيب فرنسي يُهاجم نادين نسيب نجيّم...كيف ردّت عليه؟    ظافر العابدين عضوا في لجنة تحكيم مهرجان عمان السينمائي    بطولة اسبانيا : خبر انتقال مبابي الى ريال مدريد لا يتماشى مع فلسفة برشلونة    اليوم: انطلاق الدورة الرئيسية لامتحان الباكالوريا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ماهي أسباب المأزق وكيف تبدو الآفاق؟
المفاوضات الاجتماعية:
نشر في الصباح يوم 10 - 05 - 2008

تونس - الصباح: شهدت الساحة الاجتماعية في الآونة الأخيرة، «تصريحات وتصريحات مضادة» بخصوص المفاوضات الاجتماعية الجارية منذ نهاية شهر مارس الماضي في مستوى القطاع الخاص... أطراف هذه التصريحات هي الاتحاد العام التونسي للشغل واتحاد الصناعة والتجارة،
ما يعني أن مسار التفاوض يعاني ما يشبه المأزق الحقيقي مهما اختفلت درجة التقييمات وحجم «التنسيب» بين هذا الطرف وذاك.
«الشرارة الأولى» لحرب التصريحات هذه، جاءت من ساحة محمد علي، عبر بيان غرة ماي الذي نزل كالصاعقة على منظمة الأعراف، التي فوجئت بلهجته ومضمونه و«التحذيرات» التي تضمنها..
تراكمات.. وخلافات..
اتحاد الشغل حمّل الأعراف مسؤولية ما وصفه ب«تعثّر المفاوضات الاجتماعية» بسبب ملف الحق النقابي الذي يتفرع إلى مشكلات كثيرة، بدءا بمسألة الاشتراكات ومرورا بالنقابات المهنية (صلب المؤسسات) ووصولا إلى النشاط النقابي داخل محيط العمل..
لكن موقف المنظمة النقابية، لم يكن مبنيا على أساس ملف الحق النقابي لوحده، بل إن تراكمات عديدة سجلها النقابيون خلال هذه الفترة الاولى من التفاوض، بينها خلافات توصف ب«الجوهرية» حول عقود العمل والمناولة وإدخال تعديلات على قانون الشغل...
وحسب المعلومات المتوفرة ل«الصباح»، فإن الخلافات بين الطرفين الاجتماعيين، لم تقتصر على الجانب الترتيبي (القانوني)، وإنما شملت كذلك الخلفية الأساسية التي بنى عليها كل طرف موقفه، «واستراتيجيته» التفاوضية، ونعني هنا ما بات يعرف ب«الظرفية الدولية» conjoncture internationale) وتداعياتها على الاقتصاد الوطني وبالتالي على التنمية، ومن ثم توزيع الثروة والاستفادة من ثمار الانتاج..
استراتيجية الأعراف..
فقد تمسكت منظمة الأعراف بمقولات أساسية، بينها أن أسعار البترول في تصاعد جنوني، وأن أسعار المواد الغذائية تسير بوتيرة عالية في اتجاه التصاعد أيضا، وأن الاستثمار الاجنبي منكمش، وهو لا يتحرك إلا باتجاه «مناخات» و«محيطات» مستقرة وآمنة، وأن المؤسسة التونسية في ضوء كل ذلك، تبدو في وضع صعب، وبالنتيجة لذلك، فإن المعادلة - بالنسبة لمنظمة الأعراف - تختزل في الحفاظ على فرص العمل والتقليل أكثر ما يمكن من دوافع التوتر ومؤشرات التباين بين المؤسسة والعمال (وخاصة النقابيين) من جهة، والابقاء على المضمون والاتجاه الراهن للمنظومة القانونية الشغلية، أي من دون إدخال أية تعديلات بها في الوقت الراهن..
وحتى يكون المرء أمينا في نقل وجهة نظر المنظمة، يمكن إضافة معطى هام، وهو أن اتحاد الصناعة والتجارة، لا يمانع في تعديل القوانين، ولكنه يقترح ارجاء ذلك إلى مرحلة لاحقة، إما في نهاية جولة المفاوضات هذه، أي بعد الاتفاق على الزيادات في الأجور، أو خلال المدة القادمة التي ستشهد مراجعة مجلة الشغل، وظهور نتائج الاستشارة الوطنية حول التشغيل، التي ستتمخض عنها - ضمنا وضرورة - مؤشرات ومعطيات ومقترحات جديدة، ربما كانت مقدمة لتعديلات على قانون الشغل... بالتوازي مع ذلك، لم ينفك اتحاد الصناعة والتجارة يؤكد على لسان مسؤوليه (أنظر التصريحات التي أدلى بها مسؤول في المنظمة ل«الصباح» بتاريخ 8 ماي 2008)، على حرص الاعراف على تحسين القدرة الشرائية للمواطن، معربا عن استعداده للزيادة في أجور عمال القطاع الخاص، وسط أنباء تشير إلى قابلية المنظمة لهذه الزيادة حتى وإن كانت بنسب غير متوقعة، المهم أن يتم إرجاء عملية التعديل على القوانين لمرحلة لاحقة..
وجهه نظر النقابيين..
في مقابل وجهة النظر هذه، كانت للاتحاد العام التونسي للشغل مقاربة مناقضة تماما لهذا التوجه.. فالمنظمة النقابية، راهنت على تعديل القوانين قبل التفاوض حول الزيادة في الأجور، ضمن أجندا تهدف إلى تحسين ظروف العمل ومحيطه، وتحسين مناخ الإنتاج...
وفي هذا السياق، طالبت المركزية النقابية، بمراجعة البنود القانونية التي تهم الحق النقابي والمناولة وعقود العمل وكيفية الانتداب وشروطه، وهي المسائل التي يرى النقابيون أنها المدخل لأية مفاوضات حول الجوانب المالية..
فالمعادلة بين الطرفين «مقلوبة» تماما... طرف يرى أن المسألة المالية تتمتع بالأولوية على الجانب القانوني، ونعني هنا منظمة الأعراف، وطرف ثان يعتقد راسخا أن تعديل القوانين هو المقدمة لأي حديث عن زيادة في الأجور.
لكن الخلاف يمتد كذلك نحو بعض المؤشرات التي تتحكم في الموقف التفاوضي، وبالتحديد مسألة الظرفية الدولية، التي يتكئ عليها اتحاد الصناعة والتجارة بشكل واضح، رغم أن مؤسساتنا ليست كلها مصدرة بالضرورة، وبالتالي فالظرفية الدولية لا يمكن أن تتحول إلى عنوان عام يسحب على جميع مفردات المفاوضات.. فيما تعتبر المنظمة النقابية هذا الموضوع بمثابة «الذريعة» الواهية لتجميل العمال لوحدهم أعباء الزيادات..
وفي الوقت الذي يحمل اتحاد الشغل الأعراف مسؤولية تعثر المفاوضات للأسباب التي ذكرناها في فقرات سابقة، لا يتوانى اتحاد الصناعة و التجارة في توجيه انتقادات للنقابيين حول أجندتهم واستراتيجيتهم التفاوضية، معلنين استعدادهم لمواصلة الحوار الاجتماعي، من دون أن يعني ذلك «قبولا بالأمر الواقع النقابي»..
خيار الغموض... خيار الشفافية..
من هنا يبدو واضحا، أن ثمة خلافا في المنطلقات والمؤشرات بين الطرفين، انعكس بالضرورة على تفاصيل المفاوضات... ليس هذا فحسب بل إن استراتيجية الطرفين تبدو متباينة إلى حد التناقض..
فبقدر ما اعتمد اتحاد الشغل سياسة «شفافة» في المفاوضات، بحيث لم يخف على الرأي العام (من خلال الصحافة المكتوبة على الأقل)، بعض ما يجري في أروقة التفاوض وكواليسه، الامر الذي سمح بفهم نقاط التباين والاختلاف وبالتالي حدود الالتقاء والتقاطع، بقدر ما توخت منظمة الاعراف «استراتيجية الغموض»، بذريعة الخشية من تحويل المفاوضات وتفاصيلها إلى موضوع متداول صلب الرأي العام، وذلك على الرغم من أن موضوع المفاوضات هو موضوع رأي عام بامتياز، وهل ثمة ماهو أهم من تعديل القوانين الشغلية أو الزيادة في الأجور بالنسبة لما يزيد عن ثلاثة ملايين ونصف المليون من القوى العاملة النشيطة في البلاد المعنية بهذه المفاوضات..
والسؤال المطروح في هذا السياق: إلى متى سيستمر الخوف من الإعلام ومن وظيفته؟ وكيف يمكن أن تختار منظمة في حجم اتحاد الصناعة والتجارة، خيار «الصمت إلى حين» بدعوى «حماية المفاوضات» و«الرهان على استمرار الحوار»، كما صرح ذلك المصدر ل«الصباح» أول أمس؟
مراجعة ضرورية..
من جهة أخرى، يرى مراقبون أن «تكرار» هذا التباين في كل جولة مفاوضات بين الطرف النقابي ومنظمة الأعراف، يعني أن الأسلوب التفاضوي الذي مضى عليه نحو عشرين عاما حاليا، بحاجة إلى مراجعة...
ويعتقد خبراء في المفاوضات الاجتماعية ومتخصصون في قانون الشغل، أن سياسة التفاوض وميكانيزماته، تحتاج اليوم إلى رؤية جديدة، تنأى به عن المقاربة الموزعة بين الجوانب الترتيبية والمالية، باتجاه إدخال عناصر جديدة، باتت جزءا أساسيا من معادلة التنمية والاستقرار الاجتماعي، في ضوء التغييرات الكبيرة التي شهدها عالم الشغل ومحيط الأعمال كذلك.. ومن دون ذلك، فإن المفاوضات ستبقى تراوح مكانها بين «فتات» من الزيادات المالية، وحزمة من التشريعات البالية، وسيف حاد اسمه «الأسعار الملتهبة» التي لا ينفع معها خطاب التطمين الذي يماسره هذا الطرف أو ذاك..
فهل يكون المأزق الراهن للمفاوضات الاجتماعية مقدمة لمراجعة السياسة التعاقدية والتفاوضية، أم تستمر اسطوانة التباينات التي تتكرر مع كل جولة تفاوضية جديدة؟


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.