تونس الصباح: مازال موضوع السياحة الداخلية في تونس، وفسح المجال لها في القطاع السياحي غير قابل لتفهم أهل القطاع أو الإقبال عليه. وهو يعتبر من المواضيع القديمة التي وقع التطرق لها عديد المرات لكن دون جدوي. ولحد السنة الفارطة لم يحصل تغيير في مواقف أهل القطاع من هذه المسألة، حيث مازالت النسبة الكبرى منهم تصر على تهميش السياحة الداخلية والسائح التونسي. فمازالت توصد في وجهه أبواب النزل، ويقع مواجهته بجملة من الشروط الواهية التي كان بالإمكان تجاوزها منذ زمان. فما سر هذا الإعراض على تنمية السياحة الداخلية، وتمكين التونسي منها كبقية الوافدين على القطاع من الخارج؟ هل فعلا هناك تجاوزات يقوم بها السائح التونسي؟ هل من الضروري أن يمر بوكالات الاسفار لحجز مدة أقامته؟ وهل هذا الجانب أساسي في التعاملات؟ هل صحيح حول ما يشاع أن التونسي لا يتقيد بهذه الجوانب ولا يحترم مواعيد الحجز؟ جملة هذه الجوانب والمواضيع والتعلات تردد كلما طرح موضوع السياحة الداخلية وحق التونسي في التمتع بها.. لكن الحقيقة ليست هذه وأن من حق التونسي أن يتمتع بخدمات القطاع السياحي في تونس، وأن يتوفر له حيز منها. القطاع السياحي وواقعه اليوم لئن إتسم القطاع التونسي بمردودية عالية من حيث تدفق السياح الأجانب على البلاد في كل سنة، فإن هناك أسباب أخرى عديدة مازال يتخبط فيها لعل أهمها المردودية المالية غير العالية له. وهذا الواقع جاء في الحقيقة نتيجة تمش واختيار لأهل لقطاع. فهم قد راهنوا على الكم في نوعية السياح دون أن يفكروا ويؤسسوا للكيف وذلك منذ العشريات الفارطة. لقد قبلت سياحتنا والمستثمرين فيها بسياح من درجة ثالثة أو رابعة داخل مجتمعاتهم الغربية دون أن يجعلوا لسياحتنا التونسية آفاقا أرحب، وأكثر تنوعا ليكون بإمكانها إستقبال سياح من نوع خاص. ولعل تطورات القطاع السياحي، وهيمنة وكالات الأسفار العالمية عليه، وإرتبط مجالات إيفاد السياح لكل الشروط التي تمليها هذه الوكالات على القطاع، وكذلك المنافسة الشرسة بين هذه الوكالات، واختياراتها الكاملة حسب أرباحها لوجهات السياح، وفوزها بالجزء الأهم من المردودية المالية لجملة هذه الجوانب، قد وضع قطاعنا السياحي اليوم في عنق الزجاجة، ورهن تصرفات وكالات الاسفار هذه. هذا الجانب بكل أبعاده، والذي بات يعرفه القاصي والداني حول القطاع السياحي في تونس وفي عديد البلدان جعل من نشاطه ومردوديته رهنا لهذه الوكالات، وأهواء المشرفين عليها وأصحابها، حيث أن السائح الأجني عندما يقصد هذه الوكالات للحجز، لا يعرف وجهته والبلاد التي سيقصدها تقريبا. وطبيعي جدا أن يقبل هذا السائح بإملاءات وكالات الأسفار، مادام سيدفع مبلغا زهيدا لا يتعدى ال500 دولار للإقامة أسبوعا كاملا أو أكثر في إحدى البلدان السياحية، ويمكنه أن يتمتع من خلال هذا المبلغ البسيط بالاقامة والاكل والشرب والتنقل والرحلات وغيرها من الخدمات.. وطبيعي أيضا جدا أن يقبل القطاع السياحي في تونس بشروط وكالات الآسفار وبالمبلغ الزهيد الذي تقدمه له مادامت ستضمن له تدفق السياح ووصولهم له دون انقطاع على امتداد موسم الصيف. تهميش السياحة الداخلية والسائح التونسي أضر كثيرا بالقطاع هذه الشروط والإجراءات والعلاقات العنكبوتية التي أملتها وكالات الأسفار العالمية قادت القطاع السياحي الى الانخراط في هذا التمشي، رغم إدراكه بمحدودية مردوديته المالية، ورغم دخول جزء هام منه في عدم القدرة حتى على تسديد مديونيته التي باتت عالية جدا تجاه البنوك. كما أنه لم يتمكن من تطوير وتنويع مجاله السياحي والإرتقاء به لاستقطاب السياح والسياحة النوعية. ولعلنا في هذا الجانب نعود للحديث عن السياحة الداخلية وآفاقها ودور السائح التونسي في معاضدة القطاع السياحي اذا ما اتيحت له فرصة التمتع به. فالجميع يشهد بقيمة السياحة الداخلية وبسخاء التونسي وقيمة ما ينفقه خلال اقامته أو دخوله النزل السياحي، فهو يتجاوز من حيث نفقاته اليومية على نفسه وعلى عائلته في يوم واحد ما قد يدفعه السائح الأجنبي للإقامة خلال اسبوع بكامله، لكن أمام النفور منه وسد الأبواب في التعامل معه، وتقييد إقامته بشروط مجحفة ومبالغ فيها، نأى بنفسه عن القطاع السياحي، واختار السياحة الحرة والاقامة الخاصة بدل هذه الشروط وهذا النفورمنه رغم ما تكلفه جوانب كراء محل للسياحة من أموال باهظة جدا. ولعلنا في هذا الجانب نشير الى ما نتج عن تهميش السياحة الداخلية والسائح التونسي داخل القطاع السياحي، فهو قد ابتلى بنوعية سياح أجانب مضموني الوصول والإقامة والاكل بمقابل زهيد جدا، حتى أن القاصي والداني بات يتحدث عما باتت تقدمه السياحة التونسية من تنازلات على مستوى أسعارها، وذلك على الرغم من جودتها وقيمتها، وما توفره للسائح الاجنبي من راحة وخدمات جليلة على كافة المستويات. إن سؤالنا الذي إنطلقنا منه هو متى يقتنع القطاع السياحي بأهمية السياحة الداخلية وبجدواها. وهل بعد هذا مازال اصرار على رفضها؟ أليست كل المؤشرات والنتائج تؤكد على أن التصالح مع السائح التونسي يمكنه أن يمثل مخرجا للسياحة مما تردت فيه من مسار؟ إننا نعتقد جازمين بدور السائح التونسي في دعم القطاع السياحي، كما أننا لانشك أيضا في قدرة القطاع على استنباط أساليب داخلية للتعامل مع السائح التونسي، بعيدا عن وكالات الاسفار، والحجز المسبق على هذه الطريقة وبالامكان أيضا اعتماد برامج وطرق إعلامية وإشهارية للتواصل مع السائح التونسي. ولا شك أن في كل هذا فائدة للقطاع السياحي وللسائح التونسي الذي بات هو الآخر يتبرم من غلاء المحلات المعدة للكراء السياحي.