لا يشك أحد في الضعف الهيكلي للموارد الجبائية وأن موارد الدولة ضعيفة وان ثروات البلاد الطبيعية لا تسمح بتوفير اقتصاد منيع ولا بميزانية تفي بالحاجة وتحقق الطموحات في التنمية والتشغيل والاستثمار الداخلي والبناء والرفاهية... لذلك تبقى الضرائب والأداءات هي أساس ميزانية البلاد التونسية حيث تمثل موارد ما يقارب ثلثي ميزانية الدولة والبقية متأتية من مساهمات المنشآت العمومية وموارد غير جبائية والجزء الكبير من القروض الداخلية وكذلك الخارجية مما ساهم في تفاقم الدين العمومي والذي وصل اليوم إلى حد 70 % من الناتج الداخلي الخام. غير أن المنظومة الجبائية المعتمدة اليوم في حاجة إلى الإصلاح الرصين والعقلاني وفي حاجة إلى عدالة أكبر يتوزع من خلالها العبء على كلّ فئات المجتمع بالحد أقصى ما يمكن -ان لم نقل القضاء- من ظاهرة التهرّب والتّحيّل الجبائي ومراجعة منظومة النظام التقديري وهو ما يمكن ان يحقق توازنا وعدلا ومصداقية وبالتالي يدفع نحو المصالحة بين إدارة الجباية والمطالب بالضّريبة. فالمنظومة الجبائية تعاني اليوم من تفاوت كبير بين مصادر المداخيل الجبائية من جهة والانتفاع بالامتيازات الجبائية من جهة أخرى. حيث تشير الأرقام إلى: ضعف موارد الضريبة على الشركات التي لا تتجاوز 22 % من الحجم الجملي للأداءات المباشرة متأتية من حوالي 15 % فقط من العدد الجملي للشركات. - ضعف موارد الضريبة على الدخل خارج المرتبات والأجور التي لا تتجاوز 24 % من حجم الاداءات المباشرة في حين تمثل الضريبة على المرتبات والأجور 55 % . - ضعف المردود الضريبي للأشخاص الطبيعيين المطالبين بالأداء المقدر عددهم ب600.000 منهم 550.000 تجار وصناعيون ومسدو خدمات وحرفيون أغلبهم منضو تحت النظام التقديري وعددهم يقارب 400.000 شخص و50.000 مهن غير تجارية (أطباء ومحامون ومحاسبون…) والذين لا تتجاوز مساهماتهم 3 % من مجموع الاداءات المباشرة. فالنّظام التّقديري يمثّل اليوم ولسنوات، الحلقة الأضعف في النّظام الجبائي التّونسي باعتباره يضمّ حوالي 400.000 شخص لا يستجيب أغلبهم للشروط القانونية للانضواء تحت هذا النّظام مقابل مساهمة ضعيفة في مستوى المداخيل الجبائية الّتي لا تتجاوز ال30 مليون دينار في حين أنّ الأجراء يتحمّلون لوحدهم حوالي 55 % من مجمل الضّريبة على دخل الأشخاص الطبيعيين لأنّهم مجبرون على تحمّل عملية الخصم من المورد على الأجور. هذا الوضع يتطلب اليوم إجراءات عاجلة يمكن أن تساعد على إصلاح المنظومة الجبائية منها بالأساس التّخفيض من نسب الضّريبة على الشّركات. ومن بين الحلول كذلك إخضاع الأرباح الموزّعة الى الخصم من المورد ب10 % عوضا عن 5 % وذلك للحصول على مداخيل جبائيّة إضافيّة ولعدم إعطاء حقّ إخضاعها كليّا في بلد مقرّ المنتفع بها بالنّسبة للأجانب. هذا يقتضي اليوم وبصفة استعجالية الدفع نحو عدالة جبائية فعلية مع عقلنة الضغط الجبائي وذلك بتقليص أنواع الأداءات التي بلغت في تونس حدود السبعين أداء وتعديل نسب الأداء وتوسيع وعاء الضريبة وتقليص مجال الأنظمة الجبائية التفاضلية. مع تغيير للخيارات القائمة على الارتكاز على الأداءات غير المباشرة في تعبئة موارد الدولة باعتبارها أداءات توظف عند الاستهلاك وتعويضها بالأداءات المباشرة بوصفها تأخذ بعين الاعتبار القدرة الضريبية للمطالبين بالأداء. عموما سبل الإصلاح متعددة ولكن الشجاعة في الإصلاح هي المفقودة والمكبلة بقصر النظر والخوف من ردود الفعل..