أحيت تونس مع بقية الدول وككل سنة اليوم العالمي لمكافحة الفساد الموافق ل 9 ديسمبر، لكن تختلف الظروف والسياقات هذه المرة عن سابقاتها لعدة اعتبارات لعل أبرزها أنها الذكرى الأولى التي تتزامن مع حرب حكومة الشاهد على الفساد المعلنة منذ شهر ماي الفارط . حرب يؤكد رئيس الحكومة يوسف الشاهد على أنها متواصلة وستشهد مستقبلا فصولا أخرى مضيفا أنها حرب لن تستثني أحدا. وتأتي تصريحات رئيس الحكومة ردا على من وصفهم بقوى الردة في ظل تواصل التشكيك في منطلقات وغايات وأهداف حربه على الفساد لا من بعض الأطراف في المعارضة فحسب بل أيضا من داخل الحزام السياسي للحكومة. والغريب أن التشكيك يصدر من حزب رئيس الحكومة ذاته الذي لا يتوانى البعض فيه عن إطلاق نيران صديقة على الشاهد وحربه المعلنة على الفساد آخرها ما ورد في الوثيقة المسربة للقيادي في نداء تونس خالد شوكات، تصريحات وتشكيكات تؤثر دون شك على الرأي العام وعلى منسوب الثقة في مصداقية الحكومة. كما تساهم هذه التشكيكات في تعزيز مواقف المعارضة التي تواصل بدورها في كل مناسبة تجمعها برئيس الحكومة تحت قبة البرلمان في تذكيره بأن حربه على الفساد منقوصة وأنها تظل شعارات ما لم ترفق بجملة من القرارات لكسب الثقة ومنها عدم الانتقائية في استهداف الفاسدين حتى وإن كانوا من المحيط القريب لرئيس الحكومة ذاته. وزيادة على مواجهة الحكومة بوجود فساد في محيطها تغض الطرف عنه أو هي غير قادرة على مواجهته، فما يضعف حجتها وقدرتها على الإقناع بصدقها وجديتها في محاربة الفساد هو تواصل نسق ارتفاع المؤشرات السلبية التي تؤكد من حين لآخر تزايد حجم الفساد لا تراجعه ونجد ذلك مضمنا في التقرير الأخير للهيئة الوطنية لمكافحة الفساد كما جاء التصنيف الأخير للاتحاد الأوروبي لتونس ملاذا ضريبيا – رغم جوره وهناته وحساباته السياسية لفائدة المصالح الاقتصادية للبلدان الأوروبية- ليؤكد أن طريق مقاومة الفساد في بلادنا مازال شاقا وطويلا ويتطلب مضاعفة الجهود داخليا وأيضا خارجيا للتسويق الإعلامي والدبلوماسي لخيار تونس في محاربة الفساد كخيار استراتيجي لا تراجع عنه. إن حسن النوايا بمفردها وتصريحات الوعد والوعيد والتأكيد بأن الحرب على الفساد هي أم المعارك لا تصنع بمفردها نجاحا حقيقيا يحسب لحكومة الشاهد في حربها على الفساد. ولعل المطلوب الإيفاء به في أقرب الآجال هو التلازم بين الإصرار على المضي قدما في التصدي للفاسدين بمختلف أصنافهم ورتبهم وبين إيجاد منظومة قانونية وتشريعية تعاضد عمل الهياكل المعنية بموضوع مكافحة الفساد. ولعل المطلوب أيضا هو تجنب الرسائل والإشارات الخاطئة والسعي للعمل في تناغم تام بين خيارات الحكومة وخيارات وحسابات الأحزاب السياسية الداعمة لها حتى لا يهدم باليد اليسرى ما يبنى باليد اليمنى.