احتضنت دار الثقافة الشيخ إدريس ببنزرت مساء الجمعة ندوة فكرية حول الرواية الأخيرة لمحمد عيسى المؤدب «جهاد ناعم» الفائزة بجائزة كومار لسنة 2017، نظمتها رابطة الكتاب الأحرار فرع بنزرت. وقد تولت الأستاذة دلال الغربي تقديم الرواية ، في تدرج منهجي قام أولا على قراءة في العتبات، ثم التخييل التاريخي واستحضار الأسطورة والحكايات الشعبية في هذا النص الروائي، فدراسة مظاهر التجريب في رواية «جهاد ناعم» ، قبل الاختتام بتقديم جمالية الكتابة في رصدها للأحداث المؤلمة. وقد توقفت الناقدة عند التقابل الدلالي بين مكوني العنوان وهما «الجهاد» وما يشي به من شدة وقوة وصلابة و»ناعم» وما يوحي به من لين ورقة وأنوثة أيضا ، وسعت إلى إبراز الصلة بين العنوان وأحداث الرواية من خلال مغامرات البطل الراوي «نضال فتح الله»، وحللت بعض تقنيات السرد التي اعتمدها الكاتب، والتشظي المقصود في تسلسل الأحداث، وأبعاده الفنية ، والأماكن والأزمنة وايحاءاتها الدلالية، وتساءلت كذلك عن دواعي استعانة الكاتب بالهامش لتقديم بعض الشروح والاضاءات التاريخية، وهل تحتاج الرواية فعلا الى ذلك؟ وإثر النقاش الذي كان عميقا وثريا للغاية تولى الروائي محمد عيسى المؤدب الرد على أسئلة المتدخلين، فأوضح أن البطل نضال هو تلميذ تعرض الى عقوبة الحب العذري في السنة الأولى من التعليم الثانوي،لأن الأستاذ -وهو شاذ جنسيا - لا يؤمن بذلك الحب، فكان سقوطه في المخدرات وغيرها من المتاهات التي انجرف إليها البعض من شبابنا كالزطلة والحرقة والإرهاب وجهاد النكاح. لقد تعرض نضال إلى القمع في سن المراهقة، ومن يقمع في تلك السن سيسعى إلى الانتقام، والذي اتخذ شكله مع نضال في علاقاته المتعددة مع النساء؛ وهو ما يفسر عنوان الرواية «جهاد ناعم». ونضال فتح الله ليس قصة واقعية بالمرة، فالرواية تقدم أحداثا قريبة من الواقع، وتثير أحلاما، بمعالجة فنية مخصوصة فيها التاريخ والفلسفة والأسطورة، إنها تقدم قضايا يعيشها القارئ وتوجد في المجتمع كالتحرش الجنسي والزطلة، والإرهاب والهجرة السرية أو الحرقة. فلم لا نتحدث عنها؟ . واما بالنسبة الى الهوامش فقد سجلت حضور الكاتب وليس الراوي، إنها لعبة فنية من تقنيات الرواية؛ فثقافة الراوي، وان ظل يطالع الكتب بعد طرده من المدرسة مما يجعله عصامي التكوين، ليست من القوة التي تمكنه من تقديم تلك الإضاءات التاريخية والوثائقية؛ لذلك كان تدخل الكاتب عبر الهوامش، وهي تقنية سيعتمدها الكاتب وفق ما أكده بنفسه في روايته القادمة. وأما فيما يتعلق بتشظي الأحداث الذي وقعت الإشارة اليه ، فهو أسلوب في الكتابة وهندسة الرواية، والتي يجب في نظره أن تخرج عن الشكل النمطي، وتظل الكتابة الروائية في النهاية موقفا فنيا وفكريا وفلسفيا من الوجود يكتشفه القارئ دون أن يجهر به الراوي .