عندما تتوفر السيولة بالشكل الكافي لدى البنوك، فإن ذلك ينعكس إيجابا على مختلف مكونات الاقتصاد، إلا أن هذه السيولة تستنزفها السوق الموازية خاصة أن غالبية المواطنين التونسيين لا يملكون حسابات بنكية. ومعضلة الحسابات البنكية تبقى متواصلة إلى حد اليوم في وقت بلغت فيه نسبة التونسيين الذين يمتلكون حسابا بنكيا نحو 47% أي أن 53% من التونسيين لا يملكون حسابات بنكية وذلك يعني أن معاملاتهم المالية تتم نقدا وخارج الجهاز البنكي. ويؤشر هذا المعطى على أمرين، الأول مرتبط بتداعيات ذلك من ناحية تتبع مصادر هذه الأموال ومخاطر توظيفها في أعمال مشبوهة من جهة ومن جهة أخرى تفاقم التهرب الضريبي الذي يتعزز في وقت لا يمكن فيه لأجهزة الدولة أن تحدد حجم الأموال التي يملكها شخص بعينه. ولكن باتصالنا بالخبير المحاسب وليد بن صالح يتبين أن هذه الأرقام يمكن ألا تكون دقيقة بالشكل الكافي فهو يرجح أن حجم التونسيين الذين لا يملكون حسابات بنكية أكبر من ذلك كما أنه يشرح تبعات هذا العدد المرتفع على الاقتصاد التونسي. معدل منخفض جدا «يعتبر هذا المعدل منخفضا جدا وله بطبيعية الحال تأثير مباشر على الاقتصاد التونسي» كما يؤكد الخبير المحاسب وليد بن صالح في تصريحه ل«الصباح الأسبوعي» مشيرا إلى أن هذا الرقم ينخفض بالضرورة إذا ما احتسبنا المؤسسات والأشخاص الذين تمتلكون أكثر من حساب، ما يعني أن حجم التونسيين الذين لا يمتلكون حسابا بنكيا يتجاوز 53%. 80 % من المعاملات البنكية في كينيا عبر الجوال ويعتبر بن صالح أن هذا الانخفاض في حجم التونسيين الذين يمتلكون حسابا بنكيا يعود إلى تدني ثقة المواطن في الخدمات والجهاز البنكي، كما أنها دليل على أن جودة الخدمات البنكية مقابل كلفتها المرتفعة قد تدفع بالعديد من التونسيين إلى تجنبها. فالخدمات البنكية لم تتطور بالمستوى المطلوب خاصة على مستوى توظيف التكنولوجيات الحديثة فمثلا في كينيا 80 % من المعاملات البنكية يتم عبر الهاتف الجوال. ويعكس انخفاض أعداد التونسيين الذين يمتلكون حسابا بنكيا بحسب محدثنا حجم التهرب الجبائي والسوق الموازية وحجم تبييض الأموال وهي أنشطة لا يمكن أن تمر بطبيعة الحال عبر الأجهزة البنكية. إضافة إلى غياب حملات تسويقية ناجعة سواء في البنوك العمومية أو الخاصة تحث الناس على فتح حسابات بنكية، معتبرا أنه لم يتم اتخاذ تدابير كافية لتشجع الناس على الدخول في المنظومة والحد من التعامل بالنقد. السيولة خارج الجهاز البنكي «الأموال الموجودة خارج البنوك أكثر من التي تتداولها البنوك» هذا ما يوضحه وليد بن صالح، الذي يبرز أنه إذا كان 47 % من التونسيين وحتى أقل يملكون حسابات بنكية، فإن غالبية التونسيين يتعاملون نقدا وحتى من يمتلك حسابا نقديا فبمجرد حصوله على راتبه يسحبه ويتمم معاملاته نقدا. ويوضح أن حجم السيولة وحجم الأوراق النقدية التي الموجودة خارج البنوك اليوم تصل إلى 11.6 مليار دينار في حين أن حجم السيولة كان في 2010 يصل إلى 5.6 مليار دينار أي أن حجم السيولة زاد أكثر من الضعف وهذا دليل على أن أغلب الأموال التي تخرج من الجهاز البنكي، لا تعود إليه إذ تستنزفها السوق الموازية. الاقتصاد بأكمله يتضرر وبالنظر إلى مشكل السيولة وبقاء السيولة خارج الجهاز البنكي، فإن الاقتصاد بأكمله يتضرر بحسب محدثنا. فإذا كانت هنالك أزمة سيولة فذلك يعني أن البنوك لا تملك ما يكفي من الأموال لتمويل الاقتراض ويؤدي ذلك إلى تعطيل الدورة الاقتصادية على مستوى الاستثمار والاستهلاك على حد تعبير الخبير المحاسب. وتتضرر كذلك المؤسسات الصغرى. ولأزمة السيولة أيضا تأثير في نسب الفائدة وإذا ارتفعت نسب الفائدة ترتفع كلفة الاستثمار ويتأثر الاقتصاد بالضرورة ويكون لذلك تأثير غير مباشر على التضخم إذ يمكن أن يتجه المستثمر إلى الترفيع في الأسعار. وهنا يشير الخبير المحاسب وليد بن صالح في تصريحه ل»الصباح الأسبوعي» إلى أن السيولة التي تكون خارج الجهاز البنكي لا يستفيد منها الاقتصاد وبالتالي لا يستفيد منها أي طرف لا البنوك ولا المستثمرين ولا الدولة ولا المواطن العادي. لأنها ستتجه إلى السوق الموازية التي تضرب المؤسسة المنظمة ولا تساهم في مداخيل الضرائب. ومن هنا يبدو أنه من الضروري الاشتغال على تحفيز التونسيين على امتلاك حسابات بنكية ولكن ذلك لا يمكن أن يتحقق إذا لم تتطور المعاملات البنكية بالشكل الكافي ولم توظف فيها آخر التكنولوجيات الحديثة، ولم تقدم خدمات إضافية يمكن أن تشجع عددا أكبر من التونسيين على فتح حسابات بنكية.