يتعامل بعض «الاعلاميين» مع الفنانة ياسمين عزيز كلما استضافوها في برامجهم الاذاعية او التلفزيونية كما لو انها وحيدة عصرها في العزف على الكمنجة او كما ان الكمنجة آلة غريبة عن الفن والشعب التونسي او ليس لها عشاق ومريدون وعازفون متميزون. صحيح ان ياسمين فنانة متميزة ومتمكنة وقادرة على التحكم من خلال أدائها في عواطف ومشاعر المستمعين اليها والى انين او شدو وفرح كمنجتها وأنها تتقن الى جانب العزف موهبة الاستحواذ على القلوب بعفويتها وبصدق مشاعرها ونبل توجهاتها وأعمالها الانسانية وما تقدمه للحيوانات من اهتمام وحب ولكن لا بد من التأكيد هنا على ان حب الجمهور لها ولعزفها لم يأت لهذا السبب فقط او من فراغ وانما كان نتيجة تراكمات وعلاقات جيدة ربطت بين الكمنجة وبين الاذن التونسية. نعم لنا علاقات جيدة وقديمة وتاريخ مع الكمنجة وأسس بناها وانطلق منها فنانون لنا كانوا ومازالوا كبارا وما زلنا نطرب لأدائهم كلما تكرّمت علينا التلفزة التونسية بفقرات من برامجها القديمة وخاصة منها تلك الفقرة التي يبدع فيها رضا القلعي تطويع الكمنجة للموسيقى التونسية الصعبة ليدخلها الى الاعماق ولتمسح على القلوب ما علق بها من ادران. وقبل رضا القلعي امتاز في العزف على»الجرانة»(وهي التسمية التي كانت متداولة قبل ان يحول محمد التريكي طريقة العزف على الكمنجة من مكانها بين الركبة واليد الى بين الرقبة واليد على الطريقة الاوروبية) عبد العزيز الجميّل وعدد من يهود تونس ومن بينهم خيلو الصغير وألبار العداوي مثلا. وبعد المرحوم رضا القلعي برز في تونس عازفو كمنجة آخرون مثل عبد المجيد الخميري وعبد المجيد الحركاتي والعروسي البلّيري والبشير السالمي وغيرهم. ومن منا لا يذكر ولا يحب معزوفات «جربة» و«جرجيس» لرضا القلعي الذي ادمج الكمنجة في الفرق الموسيقية التونسية و كانت له صولات وجولات في تقديم التقاسيم والارتجالات في الطابع التونسي وفي المقامات الشرقية على آلته والذي تشبهه ياسمين عزيز في بداية علاقتها بالكمنجة فهو ايضا تعلّمها وهو صغير جدا ففتحت له قدرته على دغدغة المشاعر والتعبير بالكمنجة، طريق الشهرة و النجاح ومحبة الجمهور وتقديره. رضا القلعي - الذي تمنيت لو ان نوفل الورتاني او الياس الغربي او لطفي العبدلي سألوها عوضا عن لومها على صرف مالها على الحيوانات ان كانت سمعت به ام لا، تتلمذ على يد الإيطالي سوترانو وهو من أشهر مدرسي و عازفي الكمنجة الاجانب خلال الحرب العالمية الثانية وتجاوزه ليؤسس تيارا تجديديا خرج به عن النمط التقليدي والكلاسيكي للموسيقى التونسية وطعم على اساسه الفرق الموسيقية بآلات جديدة مثل الكمنجة. ولعل علاقة التونسيين برضا القلعي وبكمنجته هي التي كانت سببا من اسباب الاقبال المنقطع النظير على حفلات ياسمين عزيز التي لم تتوقع ابدا ان يمتلأ المسرح الاثري من اجلها.