لان الاحداث التي من شانها ان تبعث على الارتياح والتفاؤل تكاد تكون منعدمة في قطاع غزة الخاضع لحصار خانق منذ اكثر من عام فقد جاءت اخبار «الهدنة» المعلنة بين اسرائيل وحركة «حماس» والتي التزمت الفصائل الفلسطينية باحترامها رغم تحفظاتها عليها لتعيد الى ابناء الشعب الفلسطيني في القطاع بعض الامل المفقود في امكانية التخفيف من حجم الماساة الانسانية المتفاقمة التي يعيشون على وقعها منذ اشهر والخروج من السجن الذي ضاق بهم ... ومع ان الهدنة باتت اكثر من مطلوبة حقنا لدماء الفلسطينيين الابرياء فان شروط بقائها واستمرارها تكاد تكون معدومة. ورغم كل ما يمكن ان تكتسيه الهدنة المعلنة من اهمية كخطوة اولية يمكن ان تؤسس لأرضية مفتوحة للحوار والتفاوض من اجل واقع افضل لشعوب المنطقة فان الاكيد ان مصيرها يبقى رهن جملة من الشروط الاساسية التي بدونها سوف يبقى كل اتفاق مجرد حبر على الورق. واذا كانت جهود الوساطة المصرية نجحت ليس من دون عناء في التوصل الى هكذا هدنة فان تفعيلها وضمان بقائها سيتطلب حضورا دوليا واوروبيا جديا وفاعلا يلزم اسرائيل بوقف اعتداءاتها وانتهاكاتها وانكارها لحقوق الشعب الفلسطيني المشروعة ويدفعها للاقتناع بانه لا مجال للحصول على الارض والسلام في نفس الوقت بما يمكن ان يجعل من الهدنة وسيلة للوصول الى الاهم وهو العودة الى الشرعية الدولية وانهاء الاحتلال وليس مجرد غاية لتحقيق اهداف اسرائيلية لم تعد خفية . وهذا الشرط الاول متبوع بدوره بشرط اخر لا يقل اهمية وهو ضرورة ان تكون حركة «حماس» حريصة على عدم الوقوع في فخ الابتزاز الذي دابت عليه اسرائيل وعدم الانسياق وراء أي نوع من الاستفزاز الذي يمكن ان تعتمده اسرائيل كعادتها لشن مزيد من الاعتداءات على الشعب الفلسطيني بهدف تهجيره وان تدرك «حماس» ان في تاريخ حركات المقاومة محطات حاسمة ومنعرجات لا غنى عنها قد تدعو مؤقتا الى اعلان استراحة المحاربين وتوخي سلاح الديبلوماسية ومنطق السياسة والحكمة من اجل المصلحة الوطنية العليا اما الشرط الثالث والذي بدونه لن يكون لأية هدنة معنى يذكر فهو مرتبط بضرورة الاستفادة من هذه المرحلة لتوحيد الصف الفلسطيني وتجاوز كل الخلافات الفلسطينية الفلسطينية وقطع الطريق امام كل مساعي الاحتلال لفرض القطيعة بين غزة والضفة على اعتبار ان التجربة اكدت مرارا ان الاحتلال لا شيم له وان الغدر يبقى صفته المعلنة باسم التهويد والاستيطان وتقطيع اوصال الشعب الواحد ... حتى وقت قريب كان مجرد التفكير بشان تفاوض او تعايش ناهيك عن اتفاق او اعتراف بين حركة «حماس» واسرائيل يعد من المحظورات ولعل في ذلك ما يمكن ان يحمل الهدنة الجديدة كل الاحتمالات والقراءات ويحولها الى اختبار قد تكشف نتائجه الايام القليلة القادمة لتؤكد مدى قدرة هذه الهدنة الهشة على الصمود والاستمرار امام مختلف التحديات القائمة ... ولعل في احتجاز ديبلوماسية فرنسية عند معبر ايريتز سبعة عشر ساعة ما يمكن ان يعكس النوايا الاسرائيلية من وراء هذه الهدنة التي يريدها الاحتلال ان تكون غطاء لممارساته البشعة. لقد راهنت اسرائيل ولاتزال على الصمت والتجاهل الدولي لمواصلة سياستها الاحتلالية بعد ان خبرت حجم الضعف وعمق الانقسام وغياب الارادة العربية والاسلامية المطلوبة وهي اسباب لا تزال قائمة بما يعني ان احتمالات استمرار الهدنة ليس بالامر الوارد على الاقل في المنظور البعيد .وفي كل الاحوال تبقى الهدنة مطلوبة ولكن الشروط التي تضمن بقاءها مفقودة او تكاد ..