بعد 9 أشهر من الانتظار نفذ سكان جومين وقفة احتجاجية يوم 9 ماي 2015 للمطالبة بتعيين معتمد يشرف على المشاريع التنموية بالمنطقة ويساهم في تنفيذ المخططات الجهوية والوطنية. طلب لم تلبه وزارة الإشراف إلا بعد سنة ونصف بعد رفض المرشحين العمل في جومين سرا وعلنا لأسباب عديدة أبرزها ضعف النسيج الاقتصادي وانتشار الفقر وغياب منوال تنموي يلائم خصوصيات المنطقة مما يجهض في المهد اية محاولة لتحسين الأوضاع في معتمدية تقع في أقصى ولاية بنزرت على حدودها مع ولاية باجة ولا تبعد سوى 110 كم عن العاصمة وتتكون من 9 عمادات تعدادها الجملي يفوق 40000 نسمة بكثافة لا تتجاوز 64 ساكنا في الكم المربع وهي في تدن متواصل لضعف النمو الديمغرافي 0.5 % ونزيف الهجرة الداخلية 1 %سنويا. وضعية صعبة تعيشها المنطقة لكنها قابلة للتحسن شرط توفر إرادة أبنائها حسب هاجر العميري –طالبة سنة ثالثة علوم تمريض – التي أضافت «في ذاكرتي ماض تعيس لمنطقة مظلومة وحاضرها يذيقنا المر يوميا وفي الاعين مستقبل سيزهر ان شاء الله، لست هنا لاقف على أطلال الحرمان الذي استوطن بجومين وبازينة وغيرها ولا لأتناول نسبة البطالة العالية في صفوف شبابها وأسباب غياب الكسب لأهلها إلا ما تيسر من ايام عمل في حضائر وقتية أو في القطاع الفلاحي لمن استطاع التنقل إلى الضيعات وسط الأوحال والمسالك الضيقة التي تنتظر التعهد مند سنوات.. لن أتحدث عن الفقر والتهميش الذي وثقته كل وسائل الإعلام ولا عن نسب النجاح الضعيفة في الامتحانات الوطنية.. صدقني لو نقلت واقع رواحة وتاهنت وأولاد غانم سأحتاج لساعات من الكلام المتواصل لأفي حق سكانها المناضلين، سأتحدث عن بازينة اين تجد بين المقهى ومثيله مقهى ثالثا خصصت لدفن احلام الشباب ودفعهم لهجر الأرض الى حضائر البناء في العاصمة وبنزرت او انتظار فرصة لن تأتي عبر طرقات معطبة سواء كانت في اتجاه باجة او ماطر.. ففي بازينة وجومين (المدينة) المسالك غير صالحة صيفا ومغلقة شتاء في انتظار عمليات إصلاح لن تتم والمؤسسات الصحية بدورها غير قادرة على معالجة المرضى بل مخصصة لاستقبالهم طيلة فترة الإمهال قبل نقلهم إلى المستشفى الجهوي بمنزل بورقيبة أو الجامعي ببنزرت اللذان يبعدان 60 و80 كم على التوالي.. فقط أبناء رواحة لهم بصيص أمل لقربهم من مستشفيات مدينة باجة التي لا تبعد سوى 20 كم وبالطبع لا يحق لأهل السمان والشنانة المرض ليلا لغياب وسائل النقل إلا تطوعا من سائق نقل ريفي صديق او قريب يغامر بالسفر في غياب الإضاءة العمومية التي تمثل ترفا لا يبلغه أبناء جومين مثله مثل التطهير فيما قنوات المياه الصالحة للشرب لا تصل كل الديار فأهالي»الحمرونية» و»الحدوشية» يبحثون عن السائل الغالي في العيون والجبال في انتظار انتهاء أشغال الربط ». واصلت طالبة علوم التمريض تشخيص واقع المنطقة «أتحدث دون ذكر أرقام لأني حقا افزع لحفظها أو الاستشهاد بها يكفي أننا في جومين لا نزال في قاع ترتيب المعتمديات حسب مؤشر التنمية وهو عذاب نتقاسمه مع جاراتنا سجنان وغزالة». بعيدا عن التشاؤم سالت الطالبة عن أسباب الوضعية الحالية لجومين «المنوال التنموي السابق لم يأخذ في الاعتبار الموارد الطبيعية للمنطقة سواء كانت أراض فلاحية خصبة أو مناجم قابلة للاستغلال فتوقف الزمن في سنوات الخمسين أو الستين من القرن الماضي. في كامل جومين». وعن مكامن الإصلاح تحدثت هاجر مقترحة وصفة العلاج». الإصلاح يبدأ من أهل جومين المثقفين الأكفاء ممن يغارون على المنطقة ويحبونها فعليهم بث روح الحماس في البقية واستعمال حقهم الدستوري فرادى أو عبر جمعيات مدنية في اقتراح مشاريع حقيقة قابلة للتنفيذ بعد دراسات لا انتظار وعود من مسؤولين يزورون المنطقة ليواسوا أهلها ساعات قليلة ويمكنونهم في الأثناء من مسكنات ينتهي مفعولها قبل وصولهم إلى مكاتبهم المكيفة في المدن الكبرى». وأنهت العميري بحماسة «شباب جومين لازم يفيق، لازم يتحرك لانقاد منطقته قبل فوات الأوان». رغم ان توصيف العميري غارق في السوداوية للوضع الحالي في جومين إلا ان الأرقام لا تجامل فحظ المنطقة من الطرقات المعبدة لا يتجاوز 28 % وهو ادني من المعدل الوطني 30 % ولا يبلغ الجهوي الذي يفوق 40 %. كما يتطلب بلوغ الخدمات الإدارية باستثناء استخراج وثائق الحالة المدنية أكثر من 80 كم من السفر ولا يتمكن 80 % من متساكني المعتمدية من تخطي المرحلة الثانوية في التعليم فيما يعاني تلاميذ الأساسي من بعد المدارس الابتدائية وضعف تجهيزاتها مما دفع عشرات المدرسين إلى رفض التعيين بها وفرض على الإدارة الجهوية للتربية الاستنجاد بأبناء المنطقة كمعلمين معوضين . محاصرون منذ الاستعمار بعد تقاسم معاناة هاجر العميري تواصلنا مع محمد المنديلي –طالب في البيولوجيا - الذي تناول وضعية المنطقة وأكد تمسكه بمسقط رأسه «انا او نايا كما نقول في بازينة التي اعتبرها جنة طبيعية ننتمي لعروس الجبال جومين، عروس لم تكتمل زينتها لغياب البنية التحتية وخاصة طريق جهوية تفك الحصار المفروض علينا منذ الاستعمار الفرنسي بالرغم من الثروات الهائلة فوق وتحت الأرض، فغياب السكة الحديدية والطرق المهيأة نفّر المستثمرين ففي «البية زينة» مثلا يوجد مصنعان مغلقان لا يشغلان احد رغم أن المنطقة مؤهلة لتكون من أهم الأقطاب الوطنية في مجال ميدان الصناعات الغذائية لكن لا منطقة صناعية ولا مناطق سقوية ببني عرام وأولاد غانم تسيرها شركات فلاحية مكونة من صغار فلاحين يتم تكوينهم ومرافقتهم لإحداث مشاريع ناجحة.. وتساءل المنديلي مستنكرا «لماذا لا يشجع المسؤولون على استثمار جمال جومين في مجال السياحة البيئية ولماذا تغلق مناجم الاسمنت ولماذا يفرض علينا فقط القبول بالوضع..» ليجيب «اننا نعاني من غياب الإرادة للتطوير واللجوء إلى الحلول الترقيعية الوقتية السهلة التي تساهم في دفع الأهالي الى الجمود وتقبل الوضع مكرهين أو اختيار أسوأ الحلول وهو هجر المنطقة الى الأبد» وأضاف الطالب أصيل منطقة المنادلية «جومين هي مثال مصغر لما تعيشه تونس ككل إمكانيات هامة غير مستغلة وغياب تام للمشاريع ذات الطاقة التشغيلية العالية مما يدفع المواطن للتواكل وانتظار ضربة حظ قد تأتي وقد لا تأتي.. وانتهى الشاب بقوله مساندا محدثتنا السابقة «بلادنا لن يخدمها إلا أولادها وأنا واحد منهم أحب بلادي وأتمنى أن أخدمها عكس الكثيرين ممن تعالوا عليها.»