ما ميز احتفالات الاجتماع العمالي أمس الذي نظمه الإتحاد العام التونسي للشغل بمناسبة الاحتفال بالعيد العالمي للعمال الموافق لغرة ماي من كل سنة، الشعارات التي رفعت من قبل نقابات عدد من الشركات العمومية المرشحة للخوصصة في برنامج الحكومة حسب ما تم تداوله في الآونة الأخيرة على غرار الوكالة الوطنية للتبغ والوقيد وشركة الخطوط الجوية التونسية «تونيسار»... وفي الوقت الذي ترى فيه حكومة الوحدة الوطنية ملف المؤسسات العمومية بأنه لا يعني وجوبا نيتها التفويت فيها بقدر ما هو برنامج إصلاحي يشمل 104 منشاة عمومية انطلق منذ سنة 2014، يعتبره العديد من المتدخلين في الشأن الوطني تهديدا للقطاع العمومي في تونس وتجريدا للدولة من أسلحتها الاقتصادية والتنموية. وهذا ما بينه الأمين العام المساعد للاتحاد العام التونسي للشغل سمير الشفي في تصريح سابق، مؤكدا على رفض الاتحاد لهذه الخطوة «الخطيرة» باعتبار أن هذا الموقف ثابت ونابع من مصلحة وطنية. من جهته، بين المستشار في الاستثمار محمد الصادق جبنون ل"الصباح" أن الخطوة التي تنوي الحكومة تنفيذها والمتعلقة بالتفويت في المنشآت العمومية تكتسي غاية من الحساسية لاسيما المؤسسات المالية منها والتي تخص البنوك العمومية الثلاثة المعنية وهي البنك الوطني الفلاحي والشركة التونسية للبنك وبنك الإسكان. كما بين جبنون أن هذه المؤسسات المالية التي خضعت إلى عملية إعادة الهيكلة منذ سنة 2013 أعطت نتائج ايجابية جزئيا في الفترة الأخيرة وبدأت تتعافى وتأخذ طريقها نحو الأفضل ويمكن أن تتعافى بصفة كلية في حال تواصلت برامج الإصلاح وإعادة الهيكلة. واعتبر جبنون أن هذه البنوك لعبت دورا رياديا في تحديد سياسات الدولة فهي التي ساهمت في تمويل المؤسسات العمومية، كما أن عددا كبيرا من التونسيين مازال يحتاج إلى خدمات هذه البنوك في صبغتها العمومية خاصة الطبقة الوسطى والضعيفة التي لا يمكن لها فتح حسابات جارية وبنكية لدى المؤسسات البنكية والمالية الخاصة.. بالمقابل، وبعد أن تعثرت الحكومات المتعاقبة ما بعد الثورة في إيجاد الحلول الناجعة لتغطية العجز الحاصل بعدد من هذه المنشآت العمومية التي تعاني من صعوبات مالية، التجأت حكومة الوحدة الوطنية إلى التفكير جديا في إصلاحها عن طريق خوصصة البعض من مساهمات الدولة والتفويت فيها خاصة تلك التي تعتبرها غير إستراتيجية وتنشط في قطاع تنافسي على غرار الخطوط التونسية وشركة الفولاذ وبنك الإسكان باعتبارها مؤسسات تجارية مفتوحة لرأس المال الخاص وفي صورة عدم تمكن الدولة من تمويلها فمن الضروري الترفيع في رأس مالها الخاص وهو أمر عادي ومتعارف عليه ويتم بصفة علنية. وهذا ما بينه الوزير المكلف بمتابعة الإصلاحات الكبرى توفيق الراجحي في تصريح ل»الصباح»، مشيرا إلى أن الحكومة ليست لها نية التفويت في المؤسسات العمومية الإستراتيجية وإنما برنامج الخوصصة سيشمل فقط المنشآت العمومية غير الإستراتيجية بالمرة والتي تمثل عبئا كبيرا على الدولة وتثقل ميزانيتها من سنة إلى أخرى. وأشار الوزير في ذات السياق إلى أن حجم الخسائر المالية المتأتية من المؤسسات العمومية فاق ال5 مليار دينار بسبب تضخم فاتورة الأجور منذ الثورة في 2011، التي ارتفعت بنسبة 35 بالمائة فضلا عن تراجع النشاط الاقتصادي للبلاد. كما ذهب عدد آخر من ساسة البلاد إلى أن تجربة خوصصة المؤسسات العمومية لا يمثل خطرا على البلاد بعد أن أثبتت نجاحها مع عدد من المنشآت التابعة للقطاع العمومي بعد بيعها في وقت سابق لتصبح في ما بعد شركات ربحية ومنتجة ولها قدرة تنافسية عالية في أسواقنا. وهذا ما أكده النائب عن الجبهة الشعبية فتحي الشامخي في تصريح سابق، مبينا أن الفساد المستشري في الدولة يدفع المؤسسات العمومية للخسارة لتصبح اليوم تعاني من صعوبات مالية كبيرة لا تجد لها الحكومات حلولا لتجاوزها، حسب تعبيره. وبين كل هذه الآراء المتباينة بشان مسالة التفويت في المؤسسات العمومية الذي يعد من أهم الملفات الحارقة حاليا، يعتبر الأمين العام للاتحاد العام التونسي للشغل نور الدين الطبوبي أن المنظمة الشغيلة لن تحيد عن موقفها الرافض لهذه المسالة الحساسة، مؤكدا أن الاتحاد وضع «سبعين ألف خط أحمر أمام محاولات التفويت في القطاع العمومي»، حسب ما صرح به أمس في احتفالات الاجتماع العمالي.