قرار وزير الداخلية الايطالي ماتيو سالفيني الرافض لاستقبال سفينة الانقاذ «أكواريوس» وعلى متنها مئات المهاجرين غير الشرعيين تم انقاذهم أمام السواحل الليبية قرار صادم وهو الى جانب كل ذلك رسالة خطيرة تنم عن فشل سياسي وقانوني وأخلاقي وانساني مشترك ليس للحكومة الايطالية الشعبوية الجديدة فحسب، ولكن للميثاق المشترك للاتحاد الاوروبي وللمجتمع الدولي الذي يتحمل جزءا أساسيا من مسؤولية أزمة المهاجرين في مختلف انحاء العالم بالنظر الى دول المنشأ كجزء من الماضي الاستعماري للغرب الذي يتنكر اليوم للاجئين.. طبعا، من حق ايطاليا كما من حق كل دول العالم حماية سواحلها من عصابات السلاح والمخدرات والارهابيين وتجار البشر وسماسرة أحلام الشباب والمهمشين اللاهثين وراء الخروج من مستنقع الفقر والتهميش، ولكن الحقيقة أن الموقف الايطالي يؤسس لخيارات تتنصل نهائيا من كل المواثيق والاتفاقات الدولية بشأن اللاجئين وذلك في مرحلة ما انفكت قضايا اللاجئين تتفاقم في مختلف انحاء العالم أمام تفاقم الاسباب التي تدعو الى اللجوء والهجرة بدءا بالكوارث الطبيعية والاوبئة وصولا الى مختلف الكوارث التي من صنع الانسان لا سيما أمام امتداد الصراعات والنزاعات والحروب الاهلية التي تدفع بالسكان وتحديدا الفئات الضعيفة ممثلة في النساء والاطفال الى الهروب بحثا عن موقع آمن .. الواقع ان تحالف الرابطة وحركة خمس نجوم الايطالية لم ينفرد بهذا الموقف فقد انضمت اليها مالطا واغلقت موانئها في وجه سفينة «اكواريوس» التي استقبلتها اسبانيا لاحقا لتجنب هؤلاء كارثة انسانية وشيكة باتت تتكرر في عرض المتوسط الذي تحول الى مقبرة للاجئين... والحقيقة أن الموقف الايطالي لا يختلف ان شئنا عن موقف وزير الخارجية اللبناني باسل سليمان عندما اعتبر أن وجود اللاجئين السوريين أنهك لبنان وحمله عبئا ثقيلا، وهي حقيقة ايضا فطاقة لبنان وقدرته على التحمل وهو الذي يستقبل نحو ثلث اللاجئين السوريين في العالم مسألة يمكن أن تقصم ظهر أي حكومة في وضع الحكومة اللبنانية.. الا أن مثل هذه المواقف التي تجد لها ما يكفي من المبررات لدى مختلف الحكومات المعنية لا تذهب في الحقيقة الى ابعد من عبارة «ويل للمصليين «وتدفع بالتالي الى الوقوف عند الفروع وليس عند أصول الازمة... أزمة اللاجئين والمهاجرين غير الشرعيين لن تتوقف قبل الحد من الاسباب التي تدفع الى اللجوء وتحث الاف الشباب في عمر الزهور على الدخول في مقامرة يدركون أن الموت يترصدهم فيها في كل حين، والارتماء بالتالي في أحضان البحر للوصول الى الضفة الاخرى للمتوسط مدفوعين بأمل وهمي بأن الجنة الموعودة في انتظارهم.. نحو مليون سوري نزحوا في سوريا خلال الأشهر الثلاثة الاولى من العام الحالي وهو ما يعد رقما قياسيا منذ بداية الازمة قبل سبع سنوات.. ماذا بقي للمهاجرين غير الشرعيين واللاجئين المهجرين أمام حجم الخراب والدمار الذي هز الاوطان من السودان الى سوريا والعراق وليبيا واليمن والصومال وغيرها من الدول التي أغرقتها الازمات وباتت عاجزة عن ايواء مواطنيها وتوفير الحد الادنى من الكرامة المطلوبة؟ الاكيد أن الاجيال التي لم تعرف غير الصراعات والحروب لا تملك رفاهية الخيار في عالم لا مكان فيه للمستضعفين، والاكيد أن الخيارات المتبقية تنحصر إما في اقامة وطن من ماء يقيم فيه هؤلاء المنبوذون المرفوضون في أوطانهم وخارجها، وإما - وهذا الأصل - أن يتعلموا التمرد على الفشل ويصنعوا لأنفسهم بديلا في اوطانهم يغنيهم عن السؤال والمذلة والحرقة، وهذا الخيار ليس بالمستحيل ولكنه يفترض وجود سلطة سياسية صادقة تمتلك الارادة المطلوبة لاقتلاع جذور الفساد والظلم والتأسيس لمجتمعات متعلمة تحفز الاجيال على الارتباط بأوطانها وتحلم بتطوريها وازدهارها بدل أن تحلم بلحظة الهروب والقطع مع كل ما يربطها بالوطن الام أما التعويل على المساعدات الاجنبية فتلك مسألة قد تساعد على تخفيف الالم ولكنها لن تحقق التعافي المطلوب ..