تشهد الأوضاع الأمنية في ليبيا تطورات مستمرة ولا يمكن فصلها بطبيعة الحال عن تطورات التدخلات الدبلوماسية والمبادرات. فلا حلول سياسية إذا كانت الخارطة الأمنية قائمة على نفس التعقيد المتواصل كما أن الغلبة على الأرض هي ما يمكن أن تترجم إلى غلبة على طاولات الحوار أو حتى في صناديق الاقتراع. وبالرغم من التعقيدات الأمنية إلا أن رؤوسا ثلاثة تشكل مثلث أكثر التطورات تأثيرا. فمن جهة تستمر الضربات الأمريكية المناسباتية التي توجه ضد من تصفهم واشنطن بقيادات إرهابية ومن جهة أخرى تتقدم القوات المسلحة الليبية بقيادة المشير خليفة حفتر باتجاه توسيع قاعدة المناطق التي تسيطر عليها. أما الرأس الأخير للمثلث فيتمثل في تحركات المقاتلين والجماعات الإرهابية على الأرض الليبية. الضربات المنفصلة المتواصلة في السادس من الشهر الحالي قالت الولاياتالمتحدة إنها قد وجهت ضربة جوية دقيقة قرب مدينة بني وليد الليبية مما أسفر عن مقتل 4 مقاتلين في صفوف ما يسمى تنظيم «داعش» الإرهابي. وقد تم تنفيذ الضربة بالتنسيق مع حكومة طرابلس حسب بيان أصدرته القيادة الأمريكية في إفريقيا «أفريكوم». بعض المصادر أشارت حينها إلى أن الضربة أدت إلى مقاتل وهو ليبي سافر إلى سوريا وكان موجودا سابقا في سرت والتي كان تنظيم «داعش» قد سيطر عليها في 2015 و2016. وبطبيعة الحال ليست هذه الضربة الأولى التي توجهها الولاياتالمتحدة ضد قيادات تصنفها على أنها إرهابية. وذلك استمرارا لسياسة توجيه الضربات المنفصلة بدل الانخراط في حرب في البلاد وهو توجه اختاره الرئيس السابق بارك أوباما وقطع معه الرئيس الحالي دونالد ترامب في بداية ولايته ولكن سرعان ما استؤنفت الضربات مجددا ولكن انحسار حجم ما يعرف بتنظيم «داعش» يعود بالنسبة إلى محللين إلى حجم الضربات التي وجهت زمن إدارة أوباما وحجم المعطيات الاستخباراتية واللوجستية التي تقدم من أجل تحقيق هذا الغرض. هذه الضربات كان لها تأثير مباشر في تطور الأوضاع الأمنية في ليبيا إلى جانب تدخل دول أخرى في الدعم العسكري لهذا الطرف أو ذاك. السيطرة على الشرق منذ أربع سنوات تقريبا انطلقت ما أطلق عليه حينها «عملية الكرامة» من بنغازي ومن ثمة انتقلت العملية إلى طرابلس لتشمل بعدها مناطق أخرى آخرها درنة التي بالسيطرة عليها يستكمل حفتر سيطرته على الشرق الليبي الغني بالنفط. وقد انطلقت العملية العسكرية للسيطرة على درنة قبيل القمة الخاصة بليبيا والتي عقدت في باريس بخصوص المبادرة الفرنسية لحل الأزمة الليبية. مما يجعل بعض التقارير الصحفية تذهب إلى حد اعتبار حفتر الرجل الذي لا يمكن تعويضه في ليبيا. وبذلك كلما تقدم حفتر وحقق إنجازات على الأرض كلما تدعم رصيده وحضوره في المشهد الليبي إن حلت الأزمة ولكن تقدمه على الأرض يكلفه بالنسبة إلى عدد من المحللين بعضا من المؤيدين ومن الرصيد الشعبي. التقارب.. من ليبيا إلى الساحل التنظيمات الإرهابية عنصر محوري في مستقبل ليبيا واستقرارها. وآخر التطورات في مدى حضورها وقوتها سيؤثر بشكل مباشر في أي حل محتمل. وبحسب ما نقلته تقارير صحفية عن مصادر أمنية ليبية فإن هنالك تقاربا بين ما يسمى ب»القاعدة في المغرب الإسلامي» و»داعش» في ليبيا. وبالرغم من أن العلاقة بينهما تقوم بالأساس على التنافر، فإن حسابات الأرض على ما يبدو فرضت ذلك. موقع «ميديل ايست آي» البريطاني ينقل على سبيل المثال عن مصدر قال إنه يتابع نشاط المجموعات في ليبيا أنه في الأشهر الأخيرة كانت هنالك دعوات للتوحد بين مختلف المقاتلين في ليبيا تحت راية تنظيم واحد للتصدي للقوات التابعة لخلفية حفتر. وتعود محاولات التوحد تلك إلى شهر فيفري من هذا العام. والهدف هو توحيد 14 تنظيم في ليبيا. بل تشير بعض التقارير إلى أنه قد تم تسجيل حضور بعض المقاتلين في صفوف تنظيم «داعش» في الأماكن التابعة ل»القاعدة» في المغرب الإسلامي» خاصة جنوب ليبيا دون أن يؤدي هذا الحضور إلى صدامات بحسب الموقع البريطاني. كما أن هنالك حديثا أيضا عن تقارب بين «القاعدة» و»داعش» في منطقة الساحل أيضا. لا يمكن أن يفصل الوضع الميداني في ليبيا عن أي تقدم يمكن أن تحرزه المحادثات والمبادرات فالحل في البلاد تحكمه حسابات الأرض. وسيبقى المسار السياسي في ليبيا محكوما بالنقاط التي يسجلها على الطرف أو ذاك على أرض المعركة حتى بعد أن تنتهي المعارك.