لامنا الكثيرون عندما نبهنا إلى خطورة الموجة العاتية من الإثارة المجانية التي اجتاحت وسائل الاعلام عندنا وخاصة القنوات التلفزية.. لامونا لأنهم اعتبروا موقفنا نوعا من أنواع التكبيل للإعلام وحدا من حريته وها ان الأيام تثبت ان ما يجري ليس سوى لوثة «البوز» التي اصحبت هدفا يسعى اليه الجميع بحثا عن تحقيق الأرقام العالية في سباق المشاهدة والاستماع. بلاتوهات أم مشارح؟ لا يمكن ان ننكر على تلك الوسائل بحثها الدائم عن أنجع الوسائل لاستقطاب متتبعيها شرط ألا يتحول ذلك الى سباق محموم لا يخضع للضوابط المهنية والأخلاقية. لقد تابعنا العديد من المواد التي تقدم في شكل «بلاتوهات» للنقاش حول مواضيع تهم المواطن وتلتصق بحياته اليومية.. وشيئا فشيئا تحولت تلك الفضاءات الى استعراض لمواضيع لا علاقة لها بما يدعيه أصحابها. فبقدرة قادر تحولت البلاتوهات إلى منابر سياسية يرتادها الثورجيون الباحثون عن موطئ قدم في ساحة مكتظة بالحالمين ببطولات وهمية. وبعد السياسة السياسوية جاء الدور على القضايا الأخلاقية من منظار الإثارة كالخوض في مسألة المثليين أو الاعتداءات الجنسية الخ.. وليت الامر توقف عند هذا الحد.. بل تجاوزه ليصل الى مدار الموتى حيث اصبح الحديث في الموت المستراب والأخطاء الطبية على قارعة النقاش من قبل كل من هبّ ودبّ.. فقد سبق أن شاهدنا محاكمات علنية لجهات لحقها «طش البوز» الإعلامي وتحولت البلاتوهات إلى قاعات لجلسات قضائية تلتقي فيها النيابة بلسان الدفاع قبل صدور الأحكام التي لا تقبل النقض أو الطعن! وبمرور الأيام انصب الاهتمام على «الضحايا الافتراضيين» للأخطاء الطبية واصبح جاريا أن تعرض على المباشر مداخلات لأهالي الموتى يتهمون من خلالها المؤسسات الصحّية والأطباء بالإهمال وارتكاب أخطاء أدّت إلى موت أهاليهم! ندرك جيدا ما يحسه هؤلاء عند فقدان عزيز عليهم ولهم الحق في متابعة ملفاتهم للوصول الى الحقيقة ولكن ذلك لا يعني ان يؤدي إلى اعتبار تلك الدعاوى من قبل مقدمي البرامج واقعا ثابتا من خلال فسح المجال للمتدخلين بتوجيه اتهامات صريحة تجاه هذه الجهة او تلك. حدث هذا مثلا في مداخلة احدى الشقيقات التي تحدثت بإطناب عن وفاة شقيقتها وأكدت ان ذلك ناتج عن الإهمال والأخطاء الطبية ولم يبق الا ان تصدر الأحكام على المتهمين! وجماعة الأستوديو يتضامنون بالصمت الرهيب! وهنا يجدر التذكير بان تحديد سبب الوفاة من مشمولات الطب الشرعي دون سواه وان القضاء وحده مخول للبتّ في مثل هذه المسائل بعيدا عن التعاطف المغشوش ومتطلّبات «البوز» المثير للجدل.. إن مؤسساتنا الصحية تسجّل العديد من حالات الوفاة.. فهل نحملها المسؤولية في كل ذلك؟.. صحيح إن إمكانية حدوث حالات إهمال هو أخطاء طبية واردة ولكن لنترك البت فيها للدوائر المعنية.. اما العكس فلن يؤدي الا الى الفوضى القاتلة عبر التشكيك في مؤسساتنا واطاراتنا. لنترك اذن أمور الموتى للخالق والقضاء الصادق.. فلنا في يومياتنا الحياتية مشاكل أولى بالدرس! رجاء.. لا تحولوا «البلاتوهات» الى مشارح لقضايا لا تحتمل النشر على مسارح الكلام والاوهام.. حنان والهزان والنفضان حنان الشقراني مقبولة شكلا ومضمونا بل هي من الوجوه التي ترتاح اليها وتلاحقها عيناك وتنفتح لها اذناك.. هذا من عند ربي.. ولا نقاش!.. اما اذا تأملنا فعلها التلفزي فان الصورة تصبح قابلة للتأمل بعين ناقدة.. فإطلالة حنان في التلفزة كانت عبر ومضات قدمتها على قناة «الحوار التونسي» ونجحت ايما نجاح في لفت الأنظار بفضل اسلوبها الخاص الذي تحاور به المواطن في الشارع وحولته إلى «ماركة مسجلة». كانت البدايات تنم عن اجتهاد في البحث عن الأفكار الا ان ذلك بدأ يتقلص شيئا فشيئا وتحول خروج حنان الى الشارع الى مجرد فسحة تهريج وقهقهات مصطنعة مع طرح أسئلة ساذجة لا غاية لها سوى البحث عن اضحاك الناس على الناس.. وحتى في هذا المسعى كانت الخيبة كبيرة حيث لاحظنا البرود الذي اصبح المواطنون يواجهون به حنان واسئلتها.. ورغم ذلك فقد وجدت «مدرسة الشقراني» من يتبنى اسلوبها التهريجي حيث انتشرت النسخ الشقرانية في عدد من القنوات التلفزية والتي تعتمد التقنيات نفسها في علاقتها بالشارع.. وقد أدى هذا الاستنساخ غير المحمود الى انتشار المزيد من الضحالة والسفسطة في الوسط الإعلامي حيث يتبوأ «المهرجون» مكانة لا تليق الا بالنجوم.. وما اكثر نجومنا الآفلة في زمن الرداءة الذي يعيشه إعلامنا المضروب في الصميم! الشقراني وخريجو مدرستها مدعوون الى مراجعة مقترحاتهم قبل ان يخسروا نهائيا مكانتهم وذواتهم.. الطمع بوفاضح! ومن الشقراني انتقل الى فاصلة أخرى تفشت ومنها الساحة بقيت تعاني.. واعني ظاهرة أمينة التي تموت على فلوسنا «الحنينة» لتجلد بها جيوبنا المسكينة.. وأمينة التي أقصدها هي أمينة فاخت التي تحدثت قبل 17 سنة عن اياديها الطويلة.. والحديث عن ايدي امينة «لا يديها) في طول تلك.. الايدي! تلك الايدي قدرت على كل ما ارادت وبلغت حيث شاءت.. لم يوقفها عائق ولم يرهبها قلم مارق.. اليد الأولى امتدت الى الاخرين موتى واحياء تنتقي من تركاتهم ما يروق لها.. فلم يسلم «قاوري» او مسلم.. من عبد الحليم الى فريد الى محمد عبد الوهاب الى زياد غرسة الى الهادي حبوبة الخ.. واليد الثانية امتدت الى صندوق الدعم الذي امسك بها وبها تمسك كمن يتمسك بالحياة وراح يقبل اليد الممدودة ويتلو آيات الاعتذار والاستغفار حتى كاد يموت كمدا.. واعطاها من بيت مال المؤمنين (اقصد الشعب الكريم) اضعافا مضاعفة واجزل العطاء واشترى الشعر واللحن وقدم الهدية إلى أمينة على طبق الذهب مع الاعتذار عما قد يسببه لها من تعب!! اليد الثالثة امتدت كما ذكرت منذ سنوات لتخنق المشروع «الثقافي» في المهد واسقطت في جب النسيان حكاية «الكاسيت» المدعومة ولم يعد لها ذكر حتى في حفلاتها الخاصة.. اليد الرابعة ساندت اليد الخامسة لتضع الجمهور بين راحتي أمينة. هي تفصّل والجمهور يلبس.. هي تغني وهو «ينني متهني».. هي تتلوى وهو على «بدنه يتقوى».. هي تتأوه وهو بالسحر يتفوه!.. أرأيتم هذا التماهي بين أمينة صاحبة الايدي الثمينة والجماهير الطيبة «الحنينة» ذات الرائحة الرنانة البنينة!؟ ان ما يحدث مع امينة لا يمكن ان يحدث مع غيرها من اهل المغنى.. انها الوحيدة التي تفعل ما تريد فوق الركح ويقبل منها الجمهور كل ما تفعل.. وفي هذا يكمن السر الرباني الذي يرفع امينة الى القمة سواء غنت او صمتت او تلوت او زقزقت او دغدغت او على الركح تمددت!.. ما تفعله امينة بجمهورها يذكرني بما كان يفعله الجناح النفاثة تميم ايام مجده بجمهور اتحاد جدة. فقد روى لي المدرب الصديق جمال الدين الناوي انه كان شاهد عيان على المفعول السحري لهذا اللاعب في جدة بالذات.. فقد سأل جمال احد مرافقيه من أنصار الاتحاد ماذا يعجبك في تميم؟ فرد قائلا: يكفي ان يقوم بمراوغة واحدة او هربة واحدة لأشعر بانه دفع لنا اضعاف ما دفعناه له!.. وكذلك الشأن مع امينة.. إذ يكفي أن تتثاءب فوق الركح وتتمطى ليدوخ الدائخون «ويشيخ الشائخون».. قبل أن ينفضّ الجميع منتشين مزطولين!.. فأمينة وحدها مغفورة زلاتها الغنائية حتى وان كسّرت عظام إحدى الكلثوميات مثلما فعلت ذات ليلة حيث اعتدت اعتداء واضحا وصريحا مع سبق الإصرار والترصد والاضمار وتصرفت في اللحن بطريقة اساءت للأغنية.. ورغم ذلك خرج الجمهور راقصا على غيمة سحرية لا توفرها الا وكالة اسفار امينة التي تؤمن رحلات لا تقدر بثمن! الم اقل لكم ان امينة متعددة الايدي لذلك يعسر تكتيفها او تكبيلها وهي التي كبلت الجمهور وجعلته عبدا لصوتها ومؤهلاتها الاخرى!.. ولأنها تظن ان سحرها دائم وان سلطانها قائم فقد عادت هذه المرة لتقدم شروطها المجحفة للمشاركة في الدورة الجديدة لمهرجان قرطاج حيث طالبت بما يقارب الاربعمائة الف دينار (أي 400 مليون من مليماتنا).. ويبدو انها قرأت حسابا لانخفاض قيمة الدينار في بورصة العملات.. ولعلها من باب.. الوطنية.. لم تطلب خلاصها بالدولار!.. امينة طلبت ولكنها هذه المرة وجدت جدار صد قوي يتمثل في مدير المهرجان مختار الرصاع مدعوما من قبل وزير الشؤون الثقافية حيث تم رفض الطلب بصفة قطعية لما فيه من شطط. وبذلك تم وضع حد للدلال المفرط لهذه المطربة وما كانت تلقاه سابقا من حظوة تتجاوز قيمة ما تقدمه على الركح!.. اليد السادسة لأمينة لم تقدر على التحرك الذي تعودت عليه.. وبذلك أراحت الجيوب (ميزانية المهرجان) في انتظار ما سيخصه بها في قادم المواسم.. المكتوب! زقزقة: ميزانية قال خبر صحفي: ميزانية دور الثقافة بكامل الجمهورية لا تتجاوز بضع عشرات من الملايين.. قالت العصفورة اجروا عملية القسمة لتعرفوا حقيقة الثقافة في الجهات.. انها الميزيريا الثقافية.. وكفى!..