- العائلة الدستورية تمتلك مخزونا انتخابيا مهما - نحاول بناء مرجعية فكرية جديدة للدساترة - وجب الاستماع لاتحاد الشغل دون ان يكون لأرائه مفعول إلزامي على النخبة السياسية أو الأحزاب التقت «الصباح الأسبوعي» محمد الغرياني القيادي بحزب المبادرة وآخر أمين عام لحزب التجمّع المنحلّ الذي اعتبر أن الأزمة السياسية الحالية أخذت أبعادا شخصية، وأن من بين أسبابها غياب برنامج عمل حقيقي. وأكد الغرياني أنه لا يمكن اعتماد الماضي لمواجهة تحديات الحاضر كاشفا عن أن حزب المبادرة يعكف على خلق مرجعية جديدة للدساترة. وفيما يلي نص الحوار: ● كيف ترون الأزمة السياسية الحالية التي تمر بها البلاد اليوم وأسبابها؟ الأسباب متعددة تتعلق بأمور لها علاقة بمكونات الحكم وخاصة الأزمة التي يمر بها نداء تونس التي كان لها انعكاس كبير على وضع الحكومة.. العامل الثاني هو أن التوافق الموجود لم يكن مبنيا على أساس برنامج ورؤية سياسية يترجمان إلى برامج اقتصادية واجتماعية..نعرف أن البلاد تواجه صعوبات كبيرة وهذه الصعوبات تحتاج إلى إصلاحات وهذه الإصلاحات تم ضبطها وتحديدها في وثيقتي قرطاج 1 و2. في وثيقة قرطاج 2 هناك 63 نقطة لها علاقة مباشرة بالمواطن وحياته اليومية.. سواء كانت الإصلاحات الكبرى تمس معالجة عجز المالية العمومية وما يترتب عنه من سياسات جبائية ومعالجة وضع الصناديق الاجتماعية ومعالجة وضع المؤسسات العمومية المفلسة والتي تعاني من صعوبات اقتصادية أومسألة انزلاق الدينار .. تم التوافق على جملة من الخيارات بخصوص هذه المسائل لكن للأسف، هنالك ما يمكن أن نسميه مرضا أو مشكلا في الطبقة السياسية أنها تركت كل هذا وتوقفت عند النقطة 64 المتعلقة بتغيير الحكومة وهنالك 45 نقطة من جملة النقاط المتفق عليها من المفترض أن يتم تنفيذها قبل شهر ديسمبر. بينما في مسألة تغيير الحكومة نحن كحزب المبادرة اتجهنا نحو التحوير الجزئي لعدة اعتبارات منها ضرورة المحافظة على نوع من الاستمرارية لهذه الحكومة كما أن لها تعهدات دولية ونحن اليوم –بعيدا عن الشعارات الشعبوية- في وضع نحن فيه محتاجون إلى التمويل الخارجي. وإلى دعم المؤسسات المالية العالمية. ولكن تحول الأمر إلى أزمة سياسية أخذت أبعادا شخصية وصراعا على المواقع وأثر ذلك على الوضع العام. ● هل تؤيدون من يرى أن اتحاد الشغل يتحمل جزءا من المسؤولية؟ اتحاد الشغل هو شريك وطرف رئيسي وطيلة مسيرته له مواقف سياسية البعض يرى أن في مطالبته بتغيير رئيس الحكومة خروجا عن دوره وأصبح يتدخل في أمر ترتيب شؤون الحكم. أنا أعتقد أنه يجب أن يتم الاستماع لاتحاد الشغل ويجب الأخذ بآرائه ويجب أن يبدي الاتحاد رأيه دون أن يكون هذا الرأي ذا مفعول إلزامي على النخبة السياسية أو الأحزاب.. لأن الديمقراطية هي ما يفرزها الصندوق من خلال الانتخابات والأحزاب الفائزة هي التي تضع الخيارات والبرامج والتوازنات وهي التي تشكل الحكومة وهي المسؤولة أمام الشعب.. المنظمات والجمعيات والمجتمع المدني هي قوى ضغط واقتراح ولا يجب أن تتجاوز هذا الحد.. صرحت سابقا أنه حتى تتجاوز تونس صعوباتها لا بد من التحالف بين النهضة والدساترة، هل ما زال ذلك قائما إلى اليوم؟ لا أريد أن نعود بالصراع إلى صراع إيديولوجي.. والأفضل أن يصبح الصراع سياسيا يقوم على رؤى وبرامج على أساسها تقع التحالفات.. عندما تحدثت عن علاقة وحوار كان ذلك على قناعة لأن تعايش مختلف العائلات السياسية بالحوار بينها وطي صفحة الماضي وتحقيق مصالحة حقيقية هو السبيل لنجاح اللانتقال الديمقراطي.. وإلى حد الآن مازلنا نبحث عن هذه المصالحة الحقيقية رغم أن المؤشرات موجودة ولكن إلى حد الآن تونس لم تعرف مصالحة حقيقية مبينة على طي صفحة الماضي ومحاولة إعادة ترتيب العلاقة بين مكونات المجتمع التونسي على أساس المستقبل وليس على أساس الماضي.. لأن اليوم الصراع ليس صراع يمين ويسار وإنما هو صراع بين الماضوين والمستقبليين ، من يفكر في المستقبل وينخرط في قيم العصر بإنجازاته وقيمه ومن يتمسك بزوايا الماضي سواء كانوا دستوريين أو يساريين. الانزواء إلى الماضي والانكماش في رؤية ماضوية يعطلان البلاد. ● ولكن لا يمكن التخلص من الماضي أو إلغاؤه ويبقى التاريخ ذا أهمية كبرى في مستقبل الشعوب؟ الماضي يجب أن نستخلص منه العبرة بهدف التجديد والإصلاح وعدم تكرار الأخطاء والتجاوزات.. وأعتقد أن الجسم الدستوري من أكثر الأجسام مطالبة بذلك بأن يقوم بقراءة صحيحة لماضيه ويخرج من دائرة تمجيد الماضي إلى قراءة نقدية حقيقية لهذا الماضي.. وذلك لمواصلة الانجازات التي حققتها دولة الاستقلال وإصلاح الانحرافات التي حصلت خاصة في مجال السياسة والحريات ودولة القانون والشفافية .. بعد أكثر من 7 سنوات من الثورة، كيف ترون وزن الدساترة في المشهد السياسي اليوم؟ الدساترة عائلة سياسية أثبتت التجربة وحتى مرحلة الانتقال الديمقراطي أنه لا يمكن الاستغناء عنها، ولو هي اليوم في وضع صعب قائم على التشتت والخلافات والصراعات ونجد أنها موزعة على جل الأحزاب السياسية.. وأنا متفائل بالمستقبل وبأن لهذه العائلة دائما دورا ولكن اليوم بشكل مشتت.. وهي تخدم الديمقراطية بشكل مشتت من خلال المشاركة في الأحزاب أو من خلال تكوين أحزاب. الأمر الإيجابي أن هذه العائلة انخرطت في الديناميكية الديمقراطية وقبلت بقواعد اللعبة الجديدة .. قضية تشتتها ترجع إلى عوامل داخلية وعوامل أيضا خارجية وهناك من يرى أن هذه العائلة يجب أن تبقى مشتتة لأنها تمثل مخزونا انتخابيا مهما وهذا ما أثبتته كل المحطات الانتخابية بأن الماضي لم يؤثر كثيرا على مكانة هذه العائلة فهي عائلة واقعية براغماتية تعرف كيفية التعايش والتأقلم مع الأوضاع ولديها قابلية كبيرة للتغير والتجدد باستثناء ربما ..البعض.. ● إذا توحدت هذه العائلة يمكن أن تفوز بالانتخابات مثلا؟ تفرقنا بعض المواقف والخلافات الفكرية السياسية يمكن أن تفض داخل البيت الدستوري لو تمكنا من إعادة بناء هذا البيت وأنا مع بيت دستوري موحد يقبل بالديمقراطية في صلبه ويقبل الاختلاف..كنا في تجربة حزب مبني على المركزية والانضباط الذي يغطي الاختلافات اليوم نريد أن نبني حزبا مبنيا على التعدد.. ● في ظل الوضع الاقتصادي الحالي هنالك من المواطنين من يتمنون عودة النظام السابق وبن علي، هل تتمنى أنت ذلك؟ أنا ضد إعادة إنتاج الماضي بأي شكل من الأشكال.. الماضي فيه أشياء مرتبطة بمسيرتنا التاريخية وفيه مكاسب نبني عليها وهنالك انحرافات وسلبيات أعتقد أننا تجاوزانها بالتأسيس إلى الديمقراطية ودولة القانون والحريات.. إرجاع القديم لإصلاح الجديد غير ممكن القديم حتى عندما يرجع يعود بشكل مختلف تماما .. أعتقد اننا اليوم نحتاج إلى منوال تنمية مختلف لأننا في مرحلة ديمقراطية والديمقراطية هي تحرير للإرادة –ربما هنالك من يستغرب ويقول هذا شخص ينتمي إلى المنظومة القديمة ويحدثنا عن الديمقراطية- لا الديمقراطية هي تحرير للإرادة والإبداع الديمقراطية تساهم في التنمية .. أحيانا الأنظمة التسلطية تحقق تنمية نتيجة السياسات الصارمة ولكن ثمنها الحرية ..وللديمقراطية نموذجها التنموي المبني على الحريات..من الطبيعي أن يقارن الناس الحاضر بالماضي الذي كان أفضل في علاقة بالأسعار والاستقرار الأمني والسياسي ولكن لا يجب أن نسقط في الشعبوية وكأننا لا نجد حلولنا إلا في الماضي ولو كان الماضي ناجحا لاستمر.. ولكن الوضع الاقتصادي الحالي ليس فقط نتيجة مرحلة ما بعد الثورة السياسات طويلة المدى بنظر البعض ساهمت أيضا.. هذا يمكن أن يحدده الخبراء ..مؤكدا أن هنالك رواسب ولكن ما زاد عليها هو سوء إدارة الشأن الاقتصادي وغياب الخبرة في إدارته.. الوضع الاقتصادي فيه تراكمات ولكن مهما كان فالأسباب الرئيسية هي غياب برنامج ما بعد 2011..بل في فترة ما كانت هنالك عودة لبرامج قديمة برامج بن علي .. ● كيف ترون حزب المبادرة في 2019؟ مبدئيا مرشحنا للرئاسيات رئيس الحزب كمال مرجان.. ونحن اليوم بصدد مراجعة كلية لوضع الحزب لهيكلته وإعداد مرجعيته الجديدة وحزب المبادرة يحاول خلق مرجعية جديدة للدساترة.. ● مرجعية جديدة بمعني؟ مرجعية فكرية جديدة تأخذ بعين الاعتبار التحولات التي عرفتها تونس في 2011 مبنية على تقييم للماضي وعلى نقد ذاتي والاعتماد على المقومات الأساسية للفكر البورقيبي وليس على تجربة الحكم بما فيها من سلبيات ..نحاول أن نعطي للدستوريين مرجعية تمكنهم من التفاعل ايجابيا وبفعالية مع الأوضاع الحالية وتعطيهم الأجوبة على كل الإشكاليات المطروحة.. وحزب المبادرة يريد أن تعود العائلة الدستورية إلى الحكم بشكل مختلف على أساس احترام قواعد العمل الديمقراطي ودولة القانون والدستور..ونحن نرغب في أن يستقطب الدساترة قيادات وكفاءات جديدة ونصنع نخبة جديدة ..